1. الفرع الثالث: مجال سريان القانون من حيث الزمان

1.1. أولا: مبدأ عدم رجعية القانون

یقوم مبدأ عدم رجعیة القوانین على اعتبارات أساسیة لضمان الاستقرار داخل المجتمع وھي العدل والنظام، فمن ناحیة العدل فلا یمكن مفاجأة الناس بقاعدة قانونیة جدیدة ومحاسبتھم على ما أتوا من تصرفات في ظل القانون القدیم لاستحالة العلم بالمستقبل، أما من ناحیة النظام فالمصلحة العامة تقتضي عدم سریان القانون الجدید بأثر رجعي على علاقات قانونیة نشأت ورتبت آثارھا القانونیة في كنف القانون القدیم، لأنه إذا سمحنا بإبطال المراكز القانونیة واستبدالھا بأخرى كلما نشأت قاعدة قانونیة جدیدة ستضطرب المعاملات وتھتز الثقة بالقانون.

لذلك حرصت الدساتیر الحدیثة على النص على ھذا المبدأ، فالأصل أن القاعدة القانونیة الجدیدة عندما تصدر تلغي القاعدة القانونیة القدیمة، لكنھا لا تلغي التصرفات والوقائع الناتجة في ظل القاعد القدیمة إلا الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم رجعیة القوانین

-الاستثناء الأول : المشرع له الحق في النص صراحة بانسحاب القاعدة الجدیدة بأثر رجعي کلما دعت الضرورة لذلك أو لتحقیق مصلحة عامة .

-الاستثناء الثاني : في المیدان الجنائي حیث یمكن أن یمنح المتھم الحق في الاستفادة من القاعدة القانونیة الجدیدة إذا كانت في مصلحته وكانت القضیة لم یحسم فیھا نھائیا.

-الاستثناء الثالث : فیما یتعلق بالنصوص القانونیة المفسرة التي تأتي لتحدید معنى نصوص تشریعیة قائمة وإزالة الغموض أو اللبس الذي یعتریھا فبذلك النصوص المفسرة لا تعد نصوصا جدیدة ناسخة للنصوص القدیمة بل ھي مكملة لھا وجزء منھا لذلك فھي تنسحب في الماضي.

-الاستثناء الرابع : فیما یتعلق بقواعد النظام العام ، كالقواعد المنظمة للأھلیة ، فإذا صدر قانون جدید یرفع من سن الأھلیة فھذا القانون یسري على كل الذین لم یبلغوا سن الرشد الجدید في ظل النظام القدیم فھم یعتبرون قصرا وبالتالي تعتبر التصرفات التي سیمارسونھا مستقبلا باطلة وغیر منتجة لأي أثر قانوني لكن إذا أبرموھا قبل صدور القانون الجدید تعتبر صحیحة ومرتبة لجمیع أثارھا القانونیة لأن القانون اعتبرھم كاملي الأھلیة وقتھا.