4. المبحث الثالث:لماذا التوفيق بين الفلسفة والإسلام؟

يعتبر التوفيق بين الفلسفة اليونانية من جهة وبين الإسلام من جهة أخرى ً تعبيرا قوياً عن قبول فلاسفة الإسلام للفلسفة اليونانية وإيمانهم بها، فمحاولة الفلاسفة الإسلاميين دفع التعارض بين الدين والفلسفة يدلّ على تمسّ كهم بالفلسفة تم سكاً يزيد عـن تمسـكهم بالإسلام، وعن قوة منزلتها في نفوسهم، ولو لم يكونوا من المؤمنين بها لضحّوا بـالرأي الفلسفي الذي يتعارض مع مبادئ الإسلام، ولم يلجئوا إلى ردم الهوة السـحيقة بينهمـا، ومحاولة التوفيق بين الحق والباطل، على حساب الدين وتحريف نصوصه الشرعية.([1]) إنّ المحاولة الفكرية التي قام بها الفلاسفة الإسلاميون من أجل التوفيق بين قضايا العقيدة الإسلامي ة والفكر اليوناني الذي انتهى إليهم كانت محاولة تنمّ عن سذاجة كبيـرة، وجهل بطبيعة الفلسفة الإغريقية، وعناصرها الوثنية العميقة، وعدم استقامتها على نظـام فكري واحد، وأساس منهجي واحد، مما يخالف العقيدة الإسلامية ومنابعهـا الأصـيلة ". فالفلسفة الإغريقية نشأت في وسط وثني مشحون بالأساطير، فلقد استمدت جذورها مـن الوثنية ومن هذه الأساطير، ولم تخل من العناصر الوثنية والأسطورية قط، فكـان مـن السذاجة والعبث محاولة التوفيق بينها وبين التصور الإسلامي القائم على أساس التوحيـد المطلق العميق التجريد.([2]) ولذلك فإنّ هذه الفلسفة صارت لا تع بّر عن فلسفة إسلامية حقـة ([3]).ذلـك أنّ التراث الفكري المتمثل فيما كتبه الفارابي وابن سينا وابن رشد وأضرابهم، قليل الصـلة بالإسلام كعقيدة وتصوّر روحي له خصائصه ومميزاته، إذ على الرغم من كل الجهـود التوفيقية التي بذلها هؤلاء المتفلسفة من أجل تقريب الفلسفة اليونانية، أو الشـرقية التـي آمنوا بها واستسلموا لقيادها، تلك الجهود التي تمثل عنصر الطرافة والجدة في التـراث الفلسفي نقول:رغم تلك الجهود بقيت هذه الفلسفة غريبة عن التصور الإسلامي، بعيـدة عن هذا الدين، رغم ما اتشحت به من رداء مستورد، لقد نظر هؤلاء إلى الإسـلام مـن خلال الفلسفة اليونانية، كما يقول المفكر الهندي محمد إقبال:" ولو أنهـم عكسـوا الآيـة لانتهت جهودهم بفكر أفضل وتراث أقرب إلى روح الإسـلام وعقيدتـه فـي الوجـود والإنسان".([4] ( يقول الدكتور راجح الكردي في كتابه )نظرية المعرفة بين القرآن والسـنة (:" إنّ قضية التوفيق في حد ذاتها قضية لا يحتملها الدين، وليست من منهجه ، لأنّه جاء ومهمته الأساسية تغيير كل التصورات والعقائد البشرية التي شكلها الناس بمنهج العقل والتقليـد والهوى، بعيداً عن دائرة الدين . فلا يمكن أن يجعل الدين الحق في خلـيط مـن عقائـده الربانية والفلسفة البشرية، لأنّ حقائق الدين هي الحقائق البديلة فهـي الحـق وغيرهـا الباطل، والحق أحق أن يتبع . ولا يفهم من هذا أن حقائق الدين تتعارض معها العقـول، ولكن العقل السليم إنما هو مخلوق لله، وقد جعل الله في منهجه ما يستطيع هذا العقـل أن يفهمه ويتجاوب معه ويسلم بوجوده من خلال قوانين العقل في عالم الشهادة .وأن يسـلم بما بعد ذلك للدين نفسه، لأنّ العقل والدين كلاهما من الله سبحانه وأن يسلم بما بعد ذلك للدين نفسه لأنّ العقل والدين كلاهما من الله سبحانه. وإذا كان الإسلام ناسـخاً للـديانات السابقة، وهي في أصلها من عند الله أفلا ينسخ الفلسفات البشرية التي شـكلتها مـدارس بعيدة عن هدى الله ومنهجه ". ويقول الدكتور طه عبد الرحمن في كتابه ) فقه الفلسفة - الفلسفة والترجمـة (إذا بطل أن يكون التوفيق بين الفلسفة والشريعة الذي جاء به الفلاسفة(المتأغرقون)تجديـدا مقبولا في الفلسفة كما هو مقبول ذلكم التجديد الذي أتى به بعض علماء المسلمين بشأنه، وجب إذن أن يكون تلفيقا ً مردودا أو ً ابتداعا مذموماً، وبيان ذلك من الوجوه الآتية:-

أ -إنّ حفظ الفلسفة على مقتضاها اليوناني، مجتمعا إلى حفظ الشريعة علـى مقتضـاها الإسلامي، هو كالجمع بين نقيضين كلاهما جلي وحقيقي، إذ ما يثبت في حـق الأولـى، ينتفي عن الثانية، والعكس بالعكس، ولا أدلّ على ذلك من تمسك الأولى بالانفصال عـن المعرفة التي لا تستند إلى "العقل النظري "، وتشبث الثانية بالاتصال بالمعرفة المستندة إلى"العقل الديني " كما يتجلى في نصوص الوحي، فلا يكون الجمع بينهما من الوصـل فـي شيء، إذ هو أشبه ما يكون بحشد لمتباينات يحتفظ كل منها باستقلاله، ولا يَقـوى علـى الارتباط مع غيره في الحشد الذي دخل فيه.

ب -إنّ محاولة توفيق الفلسفة اليونانية مع الشريعة الإسلامية، هو كالجمع بين نقيضـين أحدهما جلي، والآخر خفي؛ إذ تَلبَس فيه بعض معاني وأحكام الشريعة رداء المقـولات والتصديقات الفلسفية اليونانية الوثنية.

ج -إنّ حفظ الفلسفة على مقتضى اليونان، مجتمعا إلـى تأويـل الشـريعة علـى هـذا المقتضى، هو كالجمع بين نقيضين أحدهما حقيقي والآخر مجازي، إذ تصـير المعـاني والأحكام الشرعية التي يكون ظاهرها ً مخالفا للمقتضى اليوناني مجرد مجازات أو مثالات

ينبغي صرفها إلى معان غير المعاني الموضوعة إزاء ألفاظها، وهذا الصرف المجـازي لا يمكن قبوله .مع العلم بأنّ ما يتعبد به أهل الشريعة هو الظاهر، ولـيس هـذا البـديل بوجهه المجازي، وبما أنّ ظاهر الفلسفة وظاهر الشريعة متناقضان، فحمل الشريعة على المجاز يوجب أن تكون معانيها المجازية عند هؤلاء نقائض لمعانيهـا الحقيقيـة، حتـى تحصل موافقتها للمعاني الحقيقية للفلسفة.([5])



[1]- الجانب الإلهي من التفكير الإسلامي د.محمد البهي ص.207

[2]- خصائص التصور الإسلامي ومقوماته: سيد قطب ص.21

[3]- الفلسفة الإسلامية ونقد - دراسة :– د .عرفان عبد الحميد ص .26

[4]- المصدر السابق ص.32

[5]- فقه الفلسفة -الفلسفة والترجمة) مبحث وجوه التلفيق في الجمع بين الفلسفة والشريعة (:د.طه عبد الرحمن، انظر موقع الموسوعة الإسلامية على ) الإنترنت (