2. المبحث الأول:التوفيق بين الفلسفة والدين عند بعض فلاسفة الإسلام:

 

حاول الفلاسفة الإسلاميون التوفيق بين الدّين والفلسفة، وذلك لاعتقادهم أنّ الدّين والفلسفة يساند كلّ منهما الآخر في كلّ المسائل الجوهريّة.وإنْ بدا بينهما تعارض فإنّـه ليس حقيقيًا، وإنّما نشأ نتيجة لسوء فهم كليهما، و نودّ أن نشير هنا إلى أنّ عملية التوفيـق بين الدين والفلسفة لم يبتدعها الفلاسفة الإسلاميون، بل سبقهم إليها فلاسفة ينتسبون إلـى الديانتين اليهودية والنصرانية. ومن هؤلاء :فيلون اليهودي 20) ق .م- 50 م (الذي افتـتن بالفلسـفة اليونانيـة، وجعل هدفه في الحياة التوفيق بين الكتاب المقدّس عند اليهود والفلسفة اليونانية، وخاصة فلسفة أفلاطون.([1]) ومنهم :كليمنتس الأسكندري النصراني(70 -150 م) الذي زعم أنّ الفلسفة في ذاتها ليست شراً، وأن المعرفة نوعان، الأولى : عن طريق الوحي، وبـدأت فـي العهـد القديم، واكتملت في العهد الجديد، والثانية :عن طريق العقل الطبيعي، وهي التي جاء بها فلاسفة اليونان.([2]) ومنهم:أوريجنس254 –185 م وهو أوّل نصراني يرسم الحدود بين العقـل والوحي، وحاول جاهداً أن يؤيد العقيدة المسيحية ببيان اتفاقها مع الفلسفة اليونانية ، فكان بذلك واضع الأساس لفلسفة العصور الوسطى.([3])

وأمّا بالنسبة للفلاسفة الإسلاميين:فلقد احتلت ظاهرة التوفيق بين الفلسفة والدين مكانة هامة بالنسبة لفلاسفة المشرق غير أنّها كانت أكثر أهمية بالنسبة لفلاسفة المغرب، ولعل هذا يظهر بالخصوص في أنّ فلاسفة المشرق لم يفرد منهم أحد هذه المسألة بكتاب خاص في حين أننا نجد من فلاسفة المغرب كابن طفيل الذي أفرد لهذا الموضوع كتابـاً خاصاً هو قصته المشهورة "حي بن يقظان" كما خصص ابن رشـد لـنفس الموضـوع كتابين هما:(فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال والكشف عن منـاهج الأدلة في عقائد الملة) ويضاف إلى هذا ما أورده في كتابه ) تهافت التهافت (وفي بعـض شروحه لكتب أرسطو. ولقد أ دّت محاولات الجمع بين الشرائع السماوية السابقة وبين الفلسفة من جانب هؤلاء إلى زيادة تحريف للدين والعقيدة التي جاء بها رسل الله تعالى، وكانت سبباً قويـاً في تسرب الإلحاد إلى أتباعها. وفلاسفة الإسلام شغلوا بهذا التوفيق، وقد بدأه الكندي، لأنّه أولّ الفلاسفة وتبعه غيره من فلاسفة المشرق كالفارابي وابن سينا وغيرهمـا، وكـذلك فلاسفة المغرب اهتموا بهذا الموضوع ً اهتماما ً كبيرا وفي مقدمتهم ابن طفيل وابن رشد . لقد بدأت عملية التوفيق بين الدين الإسلامي والفلسفة مع حركة النقل والترجمـة للكتب الفلسفية اليونانية، فقد ترجمت كتب كثيرة من المنطق والفلسـفة مـن السـريانية واليونانية والفارسية إلى اللغة العربية، وكان أكثرها لأرسطو، وكـان لترجمتهـا إلـى العربية الأثر الأكبر في زعزعة عقائد بعض أهل البدع، وإدخال الفكر الدخيل في حيـاة المسلمين الفكرية.



[1]- انظر تاريخ الفلسفة اليونانية :يوسف كرم ص 251 -25 ، تاريخ الفلسفة العربية :جميل صليبا ص

[2]- انظر تاريخ الفلسفة اليونانية:يوسف كرم ص 271 -270 ، تاريخ الفلسفة العربية :حنا الفاخوري، وخليل الجر .105 -104 /1

[3]- انظر تاريخ الفلسفة اليونانية ص 275 ، تاريخ الفلسفة العربية :جميل صليبا ص .456