1. مفهوم علم النفس

1.1. مقدمة

إن الحضارة الحديثة و التي نعيشها في هذه الأونة تتغير ظواهرها بين برهة وأخرى، وقد أخذ التطور شكل الطفرة في التحول الكلي من ظاهرة إلى أخرى ، مما ألقى  الكثير من التبعات على سكان الأقطار النامية ، و التي تسعى جاهدة لملاحقة هذا التغير العالمي ومما تبعه بالتالي تعدد الأدوار ، وكثرة الحاجات وتنوعها، و زيادة المشكلات وتضخمها. و لذلك تسعى هذه الحضارة إلى دراسة الهندسة البشرية من خلال علم النفس و الذي يعتبر من أهم العلوم التي تهتم بدراسة السلوك و يسعى إلى رفاهية الفرد و سعادته، من خلال إشباع حاجاته بما يؤدي إلى زيادة قدرته الإنتاجية ، و تحسين علاقاته الانسانية في كافة المجالات و اقتراح الحلول وتقديم الأطر النظرية و العملية للقضاء على مشكلات الأفراد و خاصة بعد أن تطور هذا العلم ، وأصبحت له فروعه المتعددة و نظرياته التي شملت جميع نواحى الحياة، وربما ساعد على ذلك جهود العديد من العلماء من مختلف التخصصات و التي ساهمت بتطوير علم النفس بعد أن كان موضوعا من موضوعات الفلسفة تناوله الفلاسفة القدامى بالبحث و التنقيب ،و تبعهم علماء المسلمين بالبحث متأثرين في بحوثهم بالفلسفة اليونانية ، فلقد ضل التداخل بين الفلسفة و العلم إلى فترة طويلة قبل أن تبدأ حقول المعرفة في التخصص و الانفصال عن الفلسفة و إن بقي لكل منها بعد فلسفي يتعلق بطبيعة العلم و منهجه و أساليب تحليله للمعرفة الخاصة به.كما ضل علم النفس موضوعا فلسفيا حتى بداية القرن 19 م مع ظهور حركة علم النفس التجريبي و حركة القياس النفسي . قد يصعب على بعض الطلبة أن يفكروا في علم النفس بوصفه علما مثله في ذلك مثل الفزياء و الرياضيات ، خاصة و أن المقررات التمهيدية لمناهج البحث في علم النفس و الاحصاء عادة ما تكون في السنة الأولى التي يلتحق بها الطلبة بالجامعة وهم لا يعرفون إلا القليل عن علم النفس، بل أن الكثير منهم لا يفرق بين علم النفس و الفلسفة . حقا يمكن اعتبار علم النفس ارثا من الفلاسفة ، غير أنه انفصل عن الفلسفة بتحديد موضوع بحثه ، وتطوير مناهجه، وتحسين أدوات القياس التي اصبح بعضها يتسم بالموضوعية و الدقة و الثبات. وهذا ما سنحاول إدراجه في هذا المقياس الموسوم ب : مدخل إلى علم النفس حيث سطرت فيه عدة محاور . و محتوى هذا المقياس موجه لطلبة السنة الأولى جذع مشترك علوم اجتماعية المتحصلين على شهادة باكالوريا.

إن علم النفس قديم قدم التاريخ، وبدأ حينما بدأ الانسان يشعر بوجوده في هذا الكون متأملا ذاته في بيئة ذاخرة بالظواهر و الكائنات، و مليئة بالعديد من المثيرات التي أثارت انتباهه و دعته إلى العديد من التساؤلات عن هذه الظواهر الطبيعية و القضايا المتعددة التي قادت هذا الانسان إلى أن يتأمل في ذاته و هي بدايات علم النفس التي سادت كل العصور المختلفة. فلقد اهتم الإنسان بذاته كثيرا ، وحاول جاهدا أن يعرف نفسه ، ويفهم سلوكه ، كما اتجه إلى تقدير إمكانيات شخصيته وخصائصها ومقارنتها بما يجده في شخصيات الآخرين.و يدرس جوانب نشاطه وسلوكه، فالإنسان يعيش في وسط اجتماعي، ويسعى لإشباع حاجاته ، العضوية والنفسية، حيث تعترضه العوائق المادية والاجتماعية ، فهو في محاولة دائمة في التوفيق بين حاجاته ومتطلبات الواقع ،و اكتشاف خفايا نفسه.