1. المحور الثاني : التسوية الودبة لمنازعات الصفقات العمومية

1.4. القسم الرابع : الصلح والوساطة

     جاء في نص المادة 153 من المرسوم 15/247 المتضمن تنظيم الصفقات العمومية و تفويضات المرفق العام في فقرتها الأولى "تسوى النزاعات التي تطرأ عند تنفيذ الصفقة في إطار الأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها" ما يعني أن منازعات تنفيذ الصفقات العمومية تخضع للإجراءات المقررة في قانون الإجراءات المدنية والإدارية 08/09،أي ما تضمنه هذا القانون من وسائل ودية لحل النزاعات. والتي تتمثل أساسا في الصلح والوساطة إلى جانب التحكيم والتظلم الإداري الذي سبق الإشارة إليها، لذا سنتناول في هذه الجزئية كل من الصلح والوساطة كآليات ودية لفض منازعات تنفيذ الصفقات العمومية.

اولا/إجراء الصلح:

    ورد تعريف الصلح في المادة 459 من القانون المدني بنصها:"الصلح عقد ينهي به الطرفان نزاعا قائما أو سيتوفيان به نزاعا محتملا، وذلك بأن يتنازل كل من منهما على وجه التبادل على حقه"[1]. وعليه فإن الصلح وسيلة قانونية هامة لتسوية النزاعات بطريقة وديه، وأجاز المشرع اللجوء إليه في جميع النزاعات، حيث نصت المادة 04 من ق إ م إ "يمكن للقاضي إجراء الصلح بين الأطراف أثناء سير الخصومة في أي مادة كانت" والتي من بينها المنازعات الناشئة في الصفقات العمومية .

    وكان المشرع الجزائري قد حدد الإطار القانوني للصلح إضافة للمادة 4 من ق إ م إ في موضعين من المادة 970 إلى 974 ومن المادة 990 إلى 993[2]باعتباره آلية وقائية وعلاجية قد يتم بسعي من أطراف النزاع أو من طرف القاضي (بعد موافقة الأطراف المتنازعة) ،في أي مرحلة تكون فيها الدعوى. وهو إجراء جوازي طبقا لأحكام المواد 970 و990 التي بدأت بعبارة "يجوز..."

    في حال تصالح الطرفين يحرر محضر، بذلك يوقع من طرف الخصوم والقاضي وأمين الضبط، يودع بأمانة ضبط الجهة القضائية المختصة، ونظرا لأهمية الصلح في فض المنازعات[3]فقد رفعه المشرع الجزائري إلى مصف السندات التنفيذية حسب المادة 600/8 ق إ م إ بنصها :" إن السندات التنفيذية هي..... محاضر الصلح أو الاتفاق المؤشر عليها من طرف القضاة والمودعة بأمانة الضبط"

وكذا المادة 993ق إ م إ بنصها:" تعد محضر الصلح سندا تنفيذيا لمجرد إيداعه بأمانة الضبط" وعليه فإن الصلح يؤدي إلى تسوية النزاع  وغلق الملف وانقضاء الدعوى، أماني حال عدم التوصل إليه فإن باب القضاء يبقي مفتوحا لفض النزاع.

ثانيا/الوساطة: La Médiation

    تعتبر الوساطة من الآليات القانونية الجديدة لتسوية النزاعات، تم استحداثها لما تتمتع به من مزايا ،كونها توفر الوقت والجهد والنفقات عل الخصوم،  تناولها المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية الإدارية وخصص لها 12 مادة من المادة 994 إلى 1005[4]تناول من خلالها الإطار القانوني لهذه الآلية الودية دون إعطاء تعريف لها.

يمكن تعريف الوساطة باللجوء إلى الفقه على أنها:" آلية تقوم على أساس تدخل شخص ثالث محايد في المفاوضات بين طرفين متخاصمين. حيث يعمل هذا المحايد على تقريب وجهات النظر بين الطرفين وتسهيل التواصل بينهما ومساعدتهما على إيجاد تسوية مناسبة لفض النزاع[5] ".الأصل في الوساطة أنها تتم في شكلين.

إما وساطة تعاقدية: تبني على اتفاق الأطراف في اللجوء إلى وسيط في حال ظهور و نزاع بينهما.

وساطة قضائية: وهي التي تتم بمسعى من القاضي[6].

لكن المشرع الجزائري أخد بالوساطة القضائية دون التعاقدية عملا بنص المادة 994 ق إم إ في فقرتها الأولى"يجب على القاضي عرض إجراء الوساطة على الخصوم في جميع المواد، باستثناء قضايا شؤون الأسرة والقضايا العمالية وكل ما من شأنه أن يمس بالنظام العام...." والتي لم تستثني منازعات الصفقات العمومية.

  • جعل المشرع من الوساطة إجراء وجوبي على القاضي، لكنه لا يصبح نافذا إلا بقبول الخصمين له، ويتم تعيين الوسيط الذي قد يكون شخص طبيعي أو معنوي. ويبقي القاضي متابعا لإجراءات القضية، وله سلطة واسعة في إتخاذ التدابير التي من شأنها المساهمة في حل النزاع.
  • عملية الوساطة قد تكون مطلقة تشمل كل النزاع أو جزء منه،ومدتها لا تتعدى 03 أشهر على الأكثر يمكن تجديدها مرة واحدة بطلب من الوسيط وبموافقة الخصوم[7].
  • تنهي الوساطة بطريقين:

-   دون تحقيق الهدف منها و ذلك من طرف القاضي بناءا على طلب الخصوم، أو بطلب من الوسيط نفسه، أو من تلقاء نفسه، أو بعدم التوصل لحل يرضي الطرفين لتستكمل الطريق القضائي لحل النزاع

أو بعدم التوصيل لحل يرضي الطرفين.

-   بتحقيق الهدف منها،أي بتوصل الوسيط إلى حل يرضي الطرفين، فيحرر الوسيط محضرا يوقعه هو والخصوم ويصادق عليه القاضي بموجب أمر لا يقبل أي طعن، بحيث يعد محضر الإتفاق من السندات التنفيذية.

في الأخير يمكننا القول أن كل من الصلح والوساطة هي وسائل ودية لحل النزاعات عموما ،ومنازعات الصفقات العمومية خصوصا ،كما أشارت إليه المادة 135/1ق إم إ ضمنا ،لكنها في الواقع غير مجسدة فعليا في مجال الصفقات العمومية.

من خلال هذا العرض لآليات التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية يمكننا القول أن التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية تمتاز بإجراءاتها السهلة والبسيطة، والتي تبحث بشكل جدي لوضع حل نهائي لهذه المنازعات بصيغة ودية رضائية ، الأمر الذي ينتج عنه اختصار للجهد والوقت والمال في تجاوز النزاع.



[1]- هذا التعريف الوارد بنص المادة 459 من القانون المدني الجزائري (الأمر75/58، المؤرخ في 26 سبتمبر 1975 المتضمن القانون المدني المعدل والمتمم)، يشمل الصلح بمسعى من الخصوم أو الصلح بالتراضي للمزيد أنظر: رشيد خلوفي، قانون المنازعات الإدارية، الجزء الثالث، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر العاصمة، 2011، ص 215.

[2]- المواد 970 إلى 974 من ق إم إ وردت في الكتاب الرابع المتعلق ب "الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية الإدارية". والمواد من 990 إلى 993 وردت في الكتاب الخامس المتعلق ب "الطرق البديلة لحل النزاعات".

[3]- أنظر: المواد991 و992 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية سالف الذكر .

[4]- حذسيت كمال، الوساطة، الطرق البديلة لحل النزاعات، مجلة المحكمة العليا، عدد خاص الجزء الثاني، 2008، ص572.

[5]-بنسالم اوديجا،الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لقض المنازعات،الطبعة الأولى، دار القلم، الرباط، المغرب 2012 ،ص 35

[6]- Philippe Charrier , La Prescription de la Médiation Judiciaire,Centre Max Weber , 2016 , disponible au : http://www.gip-recherche-justice.fr/wp-content/uploads/2018/01/14-33-La-prescription-de-la-m%C3%A9diation-Synth%C3%A8se.pdf .Consulter le 15/09/2017

[7]2-راجع المادة 996.ق إ م إ