1. المحور الثاني : التسوية الودبة لمنازعات الصفقات العمومية

1.3. القسم الثالث : التحكيم في منازعات الصفقات العمزمية

      يعد التحكيم نظام قانوني عرفته معظم التشريعات القديمة والحديثة على حد سواء، على أساس أنه أحد وسائل فض المنازعات على المستوى الداخلي والدولي، والذي تعدى نطاق المنازعات المدنية والتجارية والدولية،ليشمل المنازعة الإدارية، خاصة بعد تدخل الدولة وأشخاص القانون العام في الحياة الاقتصادية بعلاقات أصبحت تربطها بأشخاص القانون الخاص الوطني وحتى الأجنبي. الأمر الذي ترتب عليه ظهور فكرة التحكيم في منازعات الصفقات العمومية[1].

اولا /ماهية التحكيم في منازعات الصفقات العمومية:

     أصبح التحكيم يحتل مكانة بارزة بين بدائل تسوية المنازعات الداخلية والدولية،خاصة بعد أن سمحت التشريعات المقارنة باللجوء إليه لتسوية منازعات الصفقات العمومية.[2]ومنها المشرع الجزائري.

1-تعريف المشرع الجزائري للتحكيم:

      عرف المشرع الجزائري "التحكيم" بموجب المادة 1007 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية بأنه:"الاتفاق الذي يلتزم بموجبه الأطراف في عقد متصل بحقوق متاحة بمفهوم المادة 1006 أعلاه لعرض النزاعات التي تثار بشأن هذا العقد على التحكيم"

     وكانت المادة 1006 قد أجازت للأشخاص المعنوية العامة اللجوء إلى التحكيم في علاقاتها الاقتصادية الدولية أوفي إطار الصفقات العمومية.كما عرفه مرة أخرى بنص المادة 1011 بأنه:"هو الاتفاق الذي يقبل الأطراف بموجبه عرض نزاع سبق نشوؤه على التحكيم"

    باستقراء المادتين 1006 و1007 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية نستنتج أن التعريف الذي أعطاه المشرع الجزائري للتحكيم يخص التحكيم في كافة المنازعات مهما كانت طبيعتها ،وليس فقط منازعات  الصفقات العمومية على وجه الخصوص، خاصة و أن المرسوم الرئاسي 15/247 المتعلق بالصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، والمراسيم التي سبقته جاؤوا خالين من أي تعريف لهذا الإجراء في مجال الصفقات العمومية.بل تمت الإشارة له فقط في بعض المواد كالمادة 153 فقرة أخيرة.[3]

       لكننا نرى أن إعطاء تعريف للتحكيم في منازعات الصفقات العمومية لن يغير في تعريف التحكيم شئ، لأنه مهما طبق في منازعات عدة مهما كانت طبيعتها فإنه يظل الإجراء نفسه.

2- صور التحكيم:

     قد يتفق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم لتسوية نزاع ذا طابع إداري قبل نشوء النزاع بينها،فيأتي في صيغة شرط في العقد الأصلي أو بالإحالة إليه،كما قد يردني صورة مشارطة تحكيم إذا تم الاتفاق عليه بعد نشأة النزاع، سواء كان النزاع دولي أو داخلي.

  1. شرط التحكيم في العقود الإدارية:

نص عليه المشرع الجزائري في المادة 1007من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ،ويقصد به ذلك الشرط الذي يردفي بنود العقد الذي تبرمه الدولة أو أحد الهيئات التابعة لها،والمتعامل معها،بمقتضاه يتم الاتفاق على أن ما يمكن أن ينشأ عن تفسير الصفقة أو تنفيذها من منازعات يتم الفصل فيها عن طريق التحكيم. وعلى هذا الأساس ،على الأطراف التي اتفقت على ذلك أن تمتنع على إقامة الدعوى أمام القضاء الإداري قبل أن ينظر في النزاع من قبل المحكمين.[4]

  1. اتفاق التحكيم: و هو الذي نصت عليه المادة1011من قانون الإجراءات المدنية و الإدارية ويسمى أيضا مشارطة التحكيم،التي تعني اتفاق تبرمه المصلحة المتعاقدة مع المتعاقد معها على اللجوء إلى التحكيم بصدد نزاع قائم فعلا بينها، بشأن تنفيذ أو تفسير صفقة عمومية[5]

وتجدر الإشارة أن اللجوء إلى إجراء التحكيم في منازعات الصفقات العمومية التي تكون الأشخاص المعنوية العامة أحد أطرافها يكون بمبادرة من:

  • الوزير المعني أو الوزراء المعينين عندما يكون التحكيم متعلق بالدولة.
  • الوالي أو ورئيس المجلس الشعبي البلدي على التوالي إذا كان التحكيم متعلق بالولاية والبلدية.
  • الممثل القانوني أو ممثل السلطة الوصية التي تتبعها عندما يكون التحكيم متعلق بمؤسسة عمومية ذات طابع إداري.[6]

ثانيا/ إجراءات التحكيم:

    تنقسم إجراءات التحكيم وفق قانون الإجراءات المدنية والإدارية إلى قسمين:

إجراءات التحكيم الداخلي وإجراءات التحكيم الدولي

1/إجراءات التحكيم الداخلي:

      تتوجه إرادة طرفي الصفقة العمومية إلى التحكيم الداخلي وفق ما نصت عليه المادتين 1007و1011 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، ويتم تعين المحكم باتفاق الطرفين، وفي حالة عدم اتفاقهم يتولى تعين المحكم أو المحكمون من قبل رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها إبرام العقد أو محل تنفيذه.و يتولى المحكم إنجاز التحقيق وسماع الأطراف.

    إذا لم يحدد الأطراف أجلا للتحكيم يتعين على المحكمين إتمام مهمتهم في ظرف 4 أشهر ابتداء من تاريخ تعينهم، أو من تاريخ إخطار المحكمة التحكيم طبقا لنص المادة1018  ق إ م إ [7]

2/إجراءات التحكيم الدولي:

    الأصل أن تعيين هيئة التحكيم يكون باتفاق طرفي الصفقة العمومية، لكن في حال ظهور وصعوبة في تعيينهم، للطرف الذي يهمه التعجيل أن يرفع الأمر إلى:

  • رئيس المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها التحكيم إذا كان التحكيم يجري في الجزائر.
  • رئيس محكمة الجزائر إذا كان التحكيم يجري في الخارج ، واختار الطرفيين تطبيق قواعد الإجراءات المعمول بها في الجزائر.

   وتجدر الإشارة هنا أن القانون لم يحدد مهلة للتحكيم،و بالتالي فان الأمر يعود لسلطان الإرادة. وإذا لم يمارس سلطان الإرادة خيارا فلا يكون للتحكيم الدولي مهلة[8].

-      نستنتج مما سبق أن تشكيل هيئة التحكيم يكون بموافقة الخصوم، وإذا حدث مايحول دون ذلك، فإن الجهة القضائية هي التي تقوم بالتعيين وفق مقتضيات قانون الإجراءات المدنية والإدارية.و لهيئة التحكيم الاستعانة بخبير أو أكثر.

ثالثا/حجية حكم التحكيم والطعن فيه:

- تفصل محكمة التحكيم في النزاع بحكم يودع لدى كتابة ضبط المحكمة المختصة حتى يمكن إكساؤه الصيغة التنفيذية . وهنا تنقطع علاقة هيئة التحكيم بالحكم نهائيا، إلا ما تعلق منه بالتفسير أو تصحيح الأخطاء المادية.

يتقدم من صدر الحكم لصالحه بطلب قضائي قصد الأمر بالتنفيذ بعدما اكتسى حجية الشئ المقضي فيه، إلا أنها حجية نسبية تسري على طرفي النزاع دون الغير[9].

 -أما بالنسبة للطعن في حكم التحكيم،فرق المشرع الجزائري بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي:

  • في التحكيم الداخلي:

 أجاز المشرع إمكانية الطعن بالاستئناف في التحكيم الداخلي وفقا لأحكام المادة 1033.كما تكون القرارات الفاصلة في الاستئناف وحدها قابلة للطعن بالنقض.

  • ·       في التحكيم الدولي:

و نصت عليه المادة 1058 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية، حيث لا تسري عليه أحكام الطعن في التحكيم الداخلي، ذلك أن أحكام التحكيم الدولية الصادرة في الجزائر يكون متاحا فيها طلب بالبطلان في حالات حددتها المادة 1056 على سبيل الحصر [10] ،أما الأحكام الصادرة في الخارج فلا تقبل الطعن باستثناء.

-      إمكانية استئناف القرار الصادر بالاعتراف أو برفض تنفيذ الحكم حسب المادة 1055 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

-      إمكانية الطعن بالبطلان في الحكم الدولي الصادر في الجزائر في حالات المادة1056 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية.

     في الأخير، يمكننا القول أن باب التحكيم فتح أمام منازعات الصفقات العمومية،وهو أمر تم استنتاجه من خلال الربط بين المواد 800، 975 والمادة 1006 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية من جهة، والمادة 06 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر، وذلك في إطار ما قضت به المادة 153 من نفس المرسوم ،أي في حال عدم التوصل إلى حل ودي يقضي بإيجاد التوازن المالي للتكاليف المترتبة على كل طرف من الطرفين في منازعات تنفيذ الصفقات العمومية.



[1]1- يبدو واضحا  التحول النوعي الذي طرا على التشريع الجزائري  في مجال التحكيم، و بالذات بالنسبة للمنازعات التي تكون الدولة أو الولاية أو البلدية أو المؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية طرفا فيها، بالانتقال من مرحلة حظر التحكيم، إلى مرحلة جواز اللجوء إليه،  أين قنن المنع القاطع باللجوء إلى التحكيم بنص المادة 442من قانون الإجراءات المدنية الملغى، و التي جاء فيها  " لا يجوز للدولة و للأشخاص الاعتباريين العموميين أن يطلبوا التحكيم انظر: فراح مناني، التحكيم طريق بديل لحل النزاعات، دار الهدى، الجزائر، 2010،ص 128و أيضا قمر عبد الوهاب،التحكيم في منازعات العقود الإدارية في القانون الجزائري، دار المعرفة، الجزائر، 2009، ص 120.

 

[2]-Ching-LangLin, L’arbitrage en matière de contentieux des contrats administratif : dans une perspective comparée, Thèse de doctorat en droit, Ecole Doctorale de science politiques, Soutenu le 30 juin 2014, p 06.

[3]-حيث جاء في المادة 153 فقرة أخيره من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر: ".... يخضع لجوء المصالح المتعاقدة في إطار تسوية النزاعات التي تطرأ عند تنفيذ الصفقات العمومية المبرمة مع متعاملين متعاقدين أجانب إلى هيئة تحكيم دولية،بناءا على اقتراح من الوزير المعني للموافقة المسبقة أثناء اجتماع الحكومة."

[4]- طيب قبايلي، التحكيم في عقود الاستثمار بين الدول ورعايا الدول الأخرى على ضوء اتفاقية واشنطن، رسالة لنيل درجة دكتوراه تخصص قانون، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة مولود معمري،تيزي وزو 2012، ص 22.

[5]- Ching-Lang Lin, Op.Cit, p10.

[6]- أنظر نص المادة 975 من قانون الإجراءات المدنية والإداريةسالفالذكر .

[7]- أنظر نص المادة 1018 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية سالف الذكر والتي أضافت في فقرتها الأخيرة أنه"يمكن تمديد هذا الأجل بموافقة الأطراف،وفي حالة عدم الموافقة عليه يتم التمديد وفقا لنظام التحكيم،وفي غياب ذلك يتم من طرف رئيسي المحكمة المختصة. لا يجوز عزل المحكمين خلال هذا الأجل إلا باتفاق جميع الأطراف."

[8]- أنظر المادة 1041 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية سالف الذكر.

- أنظر المواد 116، 1031، 118 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية سالف الذكر.             [9]

[10]- حيث جاء في نص المادة 1056 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية سالف الذكر ما يلي: "لا يجوز استئناف الأمر القاضي بالاعتراف أو بالتنفيذ إلا في الحالات الآتية:

1- إذا فصلت محكمة التحكيم بدون اتفاقية تحكيم أو بناء على اتفاقية باطلة أو انقضاء مدة الاتفاقية.

2- إذا كان تشكيل محكمة التحكيم أو تعيين المحكم الوحيد مخالفا للقانون.

3- إذا فصلت محكمة التحكيم كما يخالف المهمة المسندة إليها.

4- إذا لم يراع مبدأ الوجاهية.

5- إذا لم تسبب محكمة التحكيم حكمها، أو إذا وجد تناقض في الأسباب.

6- إذا كان حكم التحكيم مخالفا للنظام العام الدولي".