1. المحور الثاني : التسوية الودبة لمنازعات الصفقات العمومية

1.1. القسم الاول : الحل الودي للنزاع

     تبنى المشرع الجزائري مبدأ الحسم الودي لمنازعات الصفقات العمومية في مرحلة التنفيذ، حتى يمكن أطراف النزاع من إيجاد حل يناسبهم من جهة، ويضمناستلام المشروع في آجاله من جهة أخرى. حيث نص بموجب المادة 153/2 من  المرسوم 15/ 247:

" يجب على المصلحة المتعاقدة دون المساس بتطبيق أحكام الفقرة أعلاه،أن تبحث عن حل ودي للنزاعات التي تطرأ عند تنفيذ صفقاتها كلما سمح الحل بما يأتي:

  • إيجاد التوازن للتكاليف المترتبة على كل طرف من الطرفين.
  • التوصل إلى أسرع إنجاز موضوع الصفقة.
  • الحصول على تسوية نهائية أسرع وبأقل تكلفة".

ثم أضاف لاحقا في المادة نفسها فقرة 3 أنه "في حال عدم أتفاق الطرفين يعرض النزاع أمام لجنة التسوية الودية للنزاعات المختصة". وعليه يمكن القول أن التسوية الودية تتم على مرحلتين:

  • التفاوض المباشر مع المصلحة المتعاقدة.
  • عرض النزاع على اللجنة التسوية الودية.( انظر المخطط التوضيحي-2- في الملحق)

اولا/التفاوض المباشر:

باستقراء هذه المادة153 سالفة الذكر وتحليلها تستنج أن المشرع الجزائري أسس طريقة جديدة لتسوية هذا النوع من المنازعات (منازعات الصفقات العمومية) تتمثل في التفاوض المباشر،وأضفى عليها صيغة الوجوب من جانب المصلحة المتعاقدة متى تعلق الأمر بتنفيذ صفقة عمومية في الحالات الثلاث فقط التي تم النص عليها. و بمفهوم المخالفة لا نجد أي مجال للتفاوض إذا خرج الأمر عن تلك الحالات الثلاث ،كعدم احترام المتعاقد لطريقة الإنجاز،عدم إتباع الطرق التقنية المتفق عليها..... وغيرها. لذا سنتولى شرح هذه الحالات الثلاث كالآتي:

 

الحالة الأولى:إيجاد التوازن في تحمل التكاليف بين الطرفين المتعاقدين.

يقصد بالتوازن في تحمل التكاليف التوازن المالي الناشئ بين الطرفين المتعاقدين في الصفقة العمومية ،الذي قد يتعرض إلى الاختلال عند مرحلة التنفيذ لظروف ما،عادة ما تجعل المتعاقد يتحمل أعباء أكثر من تلك التي تم الاتفاق عليها في العقد. واللجوء للقضاء قصد إعادة هذا التوازن من شأنه أن يرهقه ماديا ويطيل في أجل تنفيذ الصفقة ، لذا يجب على المصلحة المتعاقدة أن تأخذ بعين الاعتبار هذه الظروف الجديدة وتتفهمها، وتنصف المتعامل المتعاقد بأن تتحمل جزء من هذه التكاليف،وبهذا تكون قد حسمت النزاع وديا.[1]

الحالة الثانية :التوصل إلى إنجاز أسرع لموضوع الصفقة

أكد المشرع الجزائري على العامل الزمني وأهميته في تنفيذ الصفقة العمومية، ما يجعل التسوية الودية هي الحل الأمثل والأسرع لحسم النزاع في مرحلة التنفيذ مقارنة بالحل القضائي، الذي لا بد أن يستغل الإجراءات القانونية بآجالها.

الحالة الثالثة: الحصول على تسوية نهائية في وقت أسرع وبأقل تكلفة

أكد المشرع الجزائري من خلال هذه الحالة أن تكون التسوية الودية لا بد أن تعطي حل نهائيا للنزاع الناشئ في مرحلة التنفيذ ،وقرنت فكرة التوصل إلى هذا الحل النهائي بعامل الزمن سالف الذكر من جهة،وقله التكلفة التي من شأنها تحقيق هذه التسوية الودية.

وتجدر الإشارة هنا أن المادة 153/4 أو جبت على المصلحة المتعاقدة ضرورة أن تضمن دفتر الشروط اللجوء لإجراء التسوية الودية للنزاعات قبل كل مقاضاة أمام العدالة.

وعليه فإن المشرع نص صراحة على ضرورة تبني الحل الودي، إذا كان يرمي إلى تحقيق الأهداف المنصوص عليها في المادة 153/2 ،شرط أن لا يمس اللجوء إليه بالأحكام التشريعية والتنظيمية المعمول بها.

ثانيا/عرض النزاع على لجنة التسوية الودية:

    في حال عدم التوصل إلى حل للنزاع القائم أثناء تنفيذ الصفقة العمومية بين المصلحة المتعاقدة والمتعامل وفق أسلوب التفاوض المباشر.عندها يحال النزاع أمام لجنة التسوية الودية المختصة،حسب طبيعة الصفقة المبرمة، التي يتعين عليها أن تبحث في العناصر القانونية والوقائع قصد إيجاد حل ودي ومنصف.ونصت المادة 154/2و3 على نوعين من هاته اللجان:

 

أ‌-     لجنة التسوية الودية للنزاعات في الوزارة والهيئة العمومية:

     يتم إنشاءها لدى كل وزارة ومسؤول هيئة عمومية، تتولى مهمة تسوية النزاعات الناجمة عن تنفيذ الصفقات العمومية التي تبرمها الهيئة العمومية والمؤسسات العمومية الوطنية التابعة لها.[2]

ب‌-    لجنة التسوية الودية للنزاعات في الولاية:

يتم إنشاءها على مستوى الولاية، وتعمل على تسوية منازعات تنفيذ الصفقات العمومية التي تبرمها

  • الجماعات الإقليمية(الولاية والبلدية)[3]
  • منازعات تنفيذ الصفقات العمومية التي تبرمها المؤسسات العمومية والمصالح غير الممركزة المحلية التابعة للجماعات الإقليمية.
  • منازعات تنفيذ الصفقات العمومية التي تبرمها المصالح غير الممركزة للدولة.

        تخضع عملية التسوية الودية لإجراءات خاصة، تبدأ من خلال عرض الطرف الشاكي (الذي قد يكون هو المصلحة المتعاقدة أو المتعامل المتعاقد) للنزاع أمام اللجنة المختصة، بأن يوجه إلى أمانة اللجنة تقريرا مفصلا مرفقا بكل وثيقة ثبوتية برسالة موصى عليها مع وصل استلام، ثم تستدعى أمام رئيسي اللجنة بنفس الطريقة لإعطاء رأيها في النزاع في أجل 10 أيام من تاريخ مراستلها كأقصى حد.

يتعين على اللجنة المختصة أن تصدر رأيها المبرر في النزاع بعد دراسته في أجل 30 يوما كأقصى، حد من تاريخ جواب الطرف الخصم، ويبلغ هذا الرأي لطرفي النزاع ،ثم يبقي على المصلحة المتعاقدة أن تبلغ قرارها إلى المتعامل المتعاقد،وسلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، وللجنة التسوية الودية في أجل أقصاه 08 أيام من تاريخ تبليغها برسالة موصى عليها مع وصل استلام.[4]

من خلال هذا الطرح يتبين لدينا أن لجنة التسوية الودية يمكنها أن تلعب دور فعال في تسوية منازعات تنفيذ الصفقات العمومية، بما يقلل الحاجة إلى اللجوء إلى القضاء، إلا أن رأيها يبقي مجرد رأي استشاري، مادام القرار في النزاع سيعود للمصلحة المتعاقدة بقبول هذا الرأي أو رفضه.



[1]-خاصة و أن المادتين136 و 137 من المرسوم الرئاسي 15/247 تبيح صراحة للمصلحة المتعاقدة حق إعادة النظر قيأسعار الصفقة وقفا للظروف المستجدة

[2]- وتتشكل هذه اللجنة من: ممثل عن الوزير أو مسؤول الهيئة العمومية (رئيسا)،ممثل عن المصلحة المتعاقدة،ممثل عن الوزارة المعنية بموضوع النزاع ممثل عن المديرية العامة للمحاسبة كما جاء في المادة 154/2 من المرسوم 15/247 سالف الذكر.

[3]- جاءت تشكيلةهذه اللجنة كما يلي: ممثل عن الوالي رئيسا،ممثل عن المصلحة المتعاقدة،ممثل عن المديرية التقنية للولاية المعنية بموضوع النزاع، ممثل عن العون العمومي المكلف كما وردت بنص المادة 154/3 من المرسوم 15/247 سالف الذكر

[4]- وقد ورد تفصيل هذه الإجراءات والآجال القانونية اللازمة لعرض المتعامل المتعاقد والمصلحة المتعاقدة النزاع على اللجنة في نص المادة 155 من المرسوم الرئاسي 15/247 سالف الذكر.