2. المحور الثاني: التسوية الودية لمنازعات الصفقات العمومية في مرحلة تنفيذ الصفقة

2.2. الجزء الثاني: جواز اللجوء لحل النزاع وديا أمام لجنة التسوية الودية للنزاعات

هي لجنة احدثها المرسوم 15/147 إذ لم تكن منصوص عليها في المرسوم السابق، حيث بينت المادة 154 و 155 منه على صلاحياتها وتشكيلتها وكذا اجراءات الفصل في النزاع المعروض عليها، إذ أن المتعامل المتعاقد لا يلجأ إليها إلا في حالة عدم التوصل إلى حل للنزاع القائم أثناء تنفيذ الصفقة العمومية بين المتعامل المتعاقد والمصلحة المتعاقدة وفق أسلوب التفاوض المباشر بينهما، فقد أجازت المادة 153 أن يحال النزاع أمام اللجنة المختصة بحسب طبيعة ونوع الصفقة المبرمة، لأجل إيجاد حل ودي، منصف وسريع للنزاع المالي القائم بين المصلحة المتعاقدة والمتعاقد المتعامل الجزائري. ويتعين عليها عند حلها للنزاع أن تلتزم بالبحث في العناصر القانونية والوقائع المرتبطة بالنزاع.

الفرع الأول: أنواع اللجان المختصة بالتسوية الودية للنزاعات القائمة في مرحلة تنفيذ الصفقة:

وحسب المادة 154 فإن هناك نوعان من اللجان المختصة بالتسوية الودية للنزاع القائم في مرحلة التنفيذ، وذلك بحسب طبيعة الصفقة، وهما:

1- لجنة التسوية الودية للنزاع في الوزارة والهيئة العمومية الوطنية: هي لجنة يتم انشاؤها لدى كل وزارة ومسؤول هيئة عمومية.

مهامها: تتولى هذه اللجنة مهمة تسوية النزاعات الناجمة عن تنفيذ الصفقات العمومية مع متعاملين اقتصاديين وطنيين وتتمثل في:

-       منازعات تنفيذ الصفقات العمومية التي تثيرها الإدارة المركزية ومصالحها الخارجية.

-       منازعات تنفيذ الصفقات العمومية التي تثيرها الهيئة العمومية والمؤسسات العمومية الوطنية التابعة لها.

تشكيلتها: تتشكل لجنة التسوية الودية للنزاعات في الوزارة والهيئة العمومية حسب المادة 154  من المرسوم 15/247 من رئيس وثلاثة أعضاء، وهم:

-ممثل عن الوزير أو مسؤؤول الهيئة العمومية رئيسا.

- ممثل عن المصلحة المتعاقدة.

- ممثل عن الوزارة المعنية بموضوع النزاع.

- ممثل عن المديرية العامة للمحاسبة.

يتم اختيار هؤلاء الأعضاء بناء على كفاءتهم في الميدان المعني، حيث يتم تعيينهم بموجب مقرر من مسؤول الهيئة العمومية أو الوزير، ويجوز لرئيس اللجنة الاستعانة على سبيل الاستشارة بأي شخص له كفاءة لأجل توضيح أشغال اللجنة، كما يتولى الرئيس تعيين مقرر  للجنة من أعضائها لأجل اعداد تقرير حول مجريات عملية التسوية. أما أمانة اللجنة فإنها تسند إلى رئيسها.

2- لجنة التسوية الودية للنزاعات في الولاية: هي لجنة يتم انشاؤها على مستوى الولاية.

مهامها: تتولى هذه اللجنة حسب المادة 154 مهمة دراسة وتسوية نزاعات الولاية والبلديات والمؤسسات العمومية المحلية التابعة لها، وكذا المصالح غير الممركزة للدولة التي تثار في مرحلة تنفيذ الصفقات العمومية المبرمة مع متعاملين اقتصاديين جزائريين.

تشكيلتها: تتشكل هذه اللجنة حسب المادة 154، من رئيس وثلاثة أعضاء وهم:

-       ممثل عن الوالي، رئيسا،

-       ممثل عن المصلحة المتعاقدة،

-       ممثل عن المديرية التقنية للولاية المعنية بموضوع النزاع،

-       ممثل عن المحاسب العمومي المكلف.

 ويتولى الوالي اختيار الأعضاء وتعيينهم بموجب مقرر، وذلك بحسب كفاءتهم في الميدان، ويجوز لرئيس اللجنة الاستعانة بخبرة كل من له كفاءة توضح أشغال اللجنة، حيث يكون الاستعانة برأيه على سبيل الاستشارة فقط. كما يتولى الرئيس مهمة تعيين مقرر للجنة من الأعضاء، على أن تسند للرئيس مهمة أمانة اللجنة.

ملاحظة 1:

اشترطت المادة 153 على أعضاء اللجنة أن لا يكون قد شاركوا في إجراءات ابرام ومراقبة وتنفيذ الصفقة محل النزاع، وينطبق هذا الشرط سواء على العضوية في لجنة التسوية الودية للنزاع في الوزارة والهيئة العمومية الوطنية أو على العضوية في لجنة التسوية الودية للنزاعات في الولاية.

ملاحظة 2:

ما يلاحظ على تشكيلة لجنة التسوية الودية، سواء لجنة التسوية الودية للنزاع في الوزارة والهيئة العمومية الوطنية أو لجنة التسوية الودية للنزاعات في الولاية، هو وجود عضو يمثل المصلحة المتعاقدة ضمن التشكيلة، وهذا ما يجعلها لجنة غير محايدة، فمن حيث طبيعتها فهي لا هي لجنة تحكيمية لأنها لا تضم ضمن تشكيلتها ممثلا عن المتعامل المتعاقد، ولا هي لجنة قضائية لعدم وجود قاض ضمن التشكيلة، وإنما هي مجرد لجنة إدارية تنشأ داخل تلك الهيئات لتكلف بمهمة التسوية الودية للنزاع الحاصل في تنفيذ الصفقة وتنتهي مهمتها بمجرد اصدار رأيها وتبليغه للأطراف.

وما يؤكد الطابع المؤقت للجنة هو عدم تحديد المشرع لمدة العضوية فيها ولا لمسألة تجديد العضوية، بالإضافة إلى أن هذه اللجنة لا تتشكل إلا إذا نشأ نزاع وتوفق المصلحة المتعاقدة في حلة عن طريق التفاوض المباشر مع المتعامل المتعاقد، ولم يتتوجه هذا الأخير برفع دعوى أمام القضاء.

الفرع الثاني: شروط اللجوء إلى لجنة التسوية الودية المختصة: من خلال تحليلنا للمادتين 153 و154 نخلص إلى أنه يشترط للجوء إلى تسوية النزاع أمام لجنة التسوية الودية المختصة، الشروط التالية:

1- يجب أن يثار النزاع أثناء تنفيذ الصفقة العمومية،

2- يجب أن يعرض المتعامل المتعاقد النزاع على المصلحة المتعاقدة لأجل إيجاد حل ودي للنزاع، وفي حالة فشل المفاوضات وعجز المصلحة المتعاقدة على إيجاد حل يرضي الطرفين، فإنه يمكن لمن له مصلحة اللجوء إلى اللجنة المختصة لتسويته وديا،

3- يجب أن يتعلق النزاع بتنفيذ صفقة عمومية مع متعاملين اقتصاديين جزائريين، أما الأجانب فنصت الفقرة الأخيرة من المادة 153 على أن تفصل النزاعات المتعلقة بها أمام هيئة تحكيم دولية، ويتم ذلك بناء على اقتراح من الوزير المعني، وللموافقة المسبقة أثناء اجتماع الحكومة. ونشير إلى أن الفقرة الأخيرة من المادة 153 نصت على أنه في حالة نشوب نزاع أثناء تنفيذ صفقة مبرمة مع متعاملين متعاقدين أجانب، فإن المصلحة المتعاقدة تلجأ لتسويتها أمام هيئة تحكيم دولية يقترحها الوزير المعني بعد موافقة مسبقة لمجلس الحكومة. غير أنه بالمقابل نص في المادة 213 بأن من بين صلاحيات سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام صلاحية البت في النزاعات الناتجة عن تنفيذ الصفقات العمومية المبرمة مع المتعاملين المتعاقدين الأجانب، مما يدفعنا إلى التساؤل التالي: لماذا نص المشرع على هيئة التحكيم الدولية، وفي الوقت نفسه منح لسلطة ضبط الصفقات مهمة البت في النزاعات الناتجة عن تنفيذ الصفقات العمومية المبرمة مع المتعاملين المتعاقدين الأجانب؟ أم أن المشرع قصد بأن هيئة التحكيم الدولية تتخذ قرارات تقبل الطعن أمام سلطة ضبط الصفقات أم أنه قصد بأن ترفع النزاعات مباشرة من قبل المتعامل المتعاقد الأجنبي إلى سلطة الضبط؟. 

الفرع الثالث: طريقة عرض النزاع على لجنة التسوية الودية والفصل فيه:

   1- طريقة عرض النزاع على لجنة التسوية الودية: حددت المادة 155 من المرسوم الرئاسي 15/247 طريقة عرض النزاع أمام اللجنة قصد تسويته وديا، حيث لا يمكن اللجوء إليها إلا في حالة فشل المفاوضات التي تمت على مستوى المصلحة المتعاقدة، لاسيما حول ايجاد توازن للتكاليف المترتبة على كل طرف من الطرفين.

ويتحدد اختصاص كل لجنة بحسب طبيعة المصلحة المتعاقدة؛ فإذا كان النزاع مرتبط بتنفيذ صفقات عمومية ابرمتها الإدارة المركزية أو مصالحها الخارجية أو الهيئة العمومية أو المؤسسات العمومية الوطنية التابعة لها مع متعاملين اقتصاديين جزائريين، فإن اختصاص النظر في النزاع يؤول إلى لجنة التسوية الودية للنزاع في الوزارة والهيئة العمومية الوطنية.

أما إذا كان النزاع مرتبط بتنفيذ صفقات عمومية ابرمتها الولاية أو البلديات التابعة لها أو المؤسسات العمومية المحلية التابعة للولاية أو للبلدية أو المصالح غير الممركزة للدولة مع متعاملين اقتصاديين جزائريين، فإن النزاع يعرض على لجنة التسوية الودية للنزاعات في الولاية.

2- الإجراءات المتبعة في عرض النزاع على لجنة التسوية الودية: أما عن إجراءات عرض النزاع على لجنة التسوية الودية للنزاعات المختصة، فقد بينتها الفقرة الثانية من المادة 155 من المرسوم الرئاسي 15/147، حيث يقوم الشاكي، والذي هو عادة المتعامل المتعاقد، بتوجيه شكواه إما بموجب رسالة موصى عليها مع وصل استلام أو بايداعها مقابل وصل لدى أمانة اللجنة، وتكون الشكوى في شكل تقرير مفصل مرفق بكل وثيقة ثبوتية، ثم يتولى رئيس الجنة بدعوة الجهة المشتكى منها بموجب رسالة موصى عليها مع وصل استلام قصد إعطاء رأيها في النزاع، وعليها إبلاغه لرئيس اللجنة بموجب رسالة موصى عليها مع وصل استلام في أجل أقصاه 10 أيام من تاريخ مراسلتها.   

يجب على اللجنة أن تدرس النزاع في أجل أقصاه 30 يوما من تاريخ جواب الخصم، ويجوز للجنة أن تقوم بالتحقيق في النزاع عن طريق استدعاء الطرفين لسماعهم، ولها أن تطلب منهم ابلاغها بكل معلومة أو وثيقة من شأنها توضيح أعمالها،بمعنى أن تمكن الطرفين من إبداء أوجه الدفاع. ووفقا للقواعد العامة فإن العضو المقرر هو من يتولى عملية التحقيق.

تنتهي مهمة اللجنة بإصدارها لرأي مبرر ومؤسس على ضوء المعلومات والوثائق المقدمة لها، ويتم ذلك بحضور أغلبية أعضاء اللجنة، حيث يقوم العضو المقرر بتلاوة تقريره في جلسة مغلقة، وبعد المداولة بصدر الرأي بأغلبية الأصوات وفي حالة التساوي يرجح صوت الرئيس.

تتولى أمانة اللجنة المتمثلة في رئيسها بتبليغ الرأي لطرفي النزاع عن طريق رسالة موصى عليها مع وصل استلام، كما ألزم المشرع اللجنة بإرسال نسخة من الرأي إلى سلطة ضبط الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام.   

ما يميز رأي اللجنة أنه رأي غير ملزم لأي من الأطراف خاصة المصلحة المتعاقدة التي لها الحق وحدها في تقدير مدى تحقق الرأي الصادر عن لجنة التسوية للغايات المحددة في المادة 153، لذلك فهي لها السلطة التقديرية في قبول أو رفض رأي اللجنة، وهو ما يفهم من الفقرة الأخيرة من المادة 155 من المرسوم، حيث أشارت إلى أنه: "... يجب على المصلحة المتعاقدة أن تبلغ قرارها في رأي اللجنة للمتعامل المتعاقد بالرفض أو بالقبول في أجل أقصاه 8 أيام ابتداء من تاريخ تبليغها برأي اللجنة، ويجب أيضا أن تعلم اللجنة بقرارها".

ونشير إلى أن الفرق بين عمل لجان الصفقات ولجنة التسوية الودية هو أن الاولى تنظر في الطعون التي يرفعها لها المتعهدون في مرحلة ابرام الصفقة أي قبل التعاقد لذلك فهي لا تسوي النزاع وديا عن طريق التفاوض المباشر بين الطرفين، وإنما دورها هنا مراقبة مدى التزام الادارة بمبادئ الصفقات عند اجراء طلب العروض أو عند إجراء التراضي بعد الاستشارة، لذلك فإن قرارات اللجنة تتمتع بالإلزامية، على خلاف لجنة التسوية الودية التي ينحصر دورها في محاولة تقريب وجهات النظر وإيجاد حل للنزاع القائم بين الاطراف المتعاقدة عند تنفيذ الصفقة، فتصدر رأي غير ملزم للمصلحة المتعاقدة التي لها السلطة التقديرية في الأخذ به أو رفضه. لكن في كل الحالات فإن اللجوء إلى هذه اللجان غير ملزم للأطراف سواء المتعهدين أو المتعاقدين، إذ يمكنهم عرض نزاعهم على الجهة القضائية المختصة. 

النتيجة:

إن التسوية الودية للنزاعات الناشئة في مرحلة تنفيذ الصفقات سوف يؤدي إلى نهاية النزاع إداريا دون اللجوء إلى القضاء، مما يخفف العبء على هذه الأخيرة من جهة، ويوفر الجهد والوقت للطرفين من جهة أخرى، كما أن وجود لجنة لتسوية النزاع على مستوى الولاية سوف يقضي على طرح النزاع على الجنة واحدة على المستوى الوطني كالتي كانت في ظل المرسوم 10/236 الملغى، حيث كانت كل النزاعات ترفع إلى لجنة الوطنية مركزية  قصد تسويتها.

 نخلص إلى أن المشرع اعتبر التسوية الودية هي الحل الأمثل لحسم النزاع في مرحلة التنفيذ أمام المصلحة المتعاقدة، التي اشترط عليها المشرع أن تدرج في دفتر الشروط اللجوء لإجراء التسوية الودية للنزاعات قبل كل مقاضاة أمام العدالة.

يتضح لنا من خلال قراءتنا للمادة 153 أن لجوء المصلحة المتعاقدة إلى التسوية الودية يكون بالنسبة لكل الصفقات مهما كانت طبيعتها أو جنسية المتعاقدين، أي سواء كانت الصفقة مبرمة مع متعاملين متعاقدين جزائريين أو متعاملين متعاقدين أجانب. كما تعد التسوية أمام المصلحة المتعاقدة إجراء وجوبي يقيد المتعاقد من اللجوء إلى القضاء.