1. البيان والتبين
— تعد أمهات المصادر الأدبية أشبه بموسوعات في الثقافية الأدبية العربية؛ إذ إن الأدب هو ” الأخذ من كل شيء بطرف“.
— جمعت بين دفتيها قدراً هائلاً من المعارف العربية من أخبار، وسير، وتراجم، وقصص، وحكم، وأمثال ، ونحو، وفقه لغة، وما أشبه.
— من الأمثلة على تلك الكتب: كتاب البيان والتبيين للجاحظ.
البيان والتبيين هو كتاب من أعظم مؤلفات الجاحظ، وهو يلي كتاب الحيوان من حيث الحجم ويربو على سائر كتبه. وإذا كان كتاب الحيوان يعالج موضوعاً علمياً فإن كتاب البيان والتبيين ينصب على معالجة موضوع أدبي. ولكن الجاحظ في هذين الكتابين، شأنه في جميع كتبه، ينحو منحى فلسفياً. فهو لا يقتصر في كتاب الحيوان على أخبار الحيوانات وخصالها وطباعها، بل يتطرق إلى موضوعات فلسفية كالكمون والتولد، والجواهر والأعراض، والجزء الذي لا يتجزأ، والمجوسية والدهرية الخ. وفي كتاب البيان والتبيين لا يكتفي بعرض منتخبات أدبية من خطب ورسائل وأحاديث وأشعار، بل يحاول وضع أسس علم البيان وفلسفة اللغة.
ويعني الجاحظ بالبيان الدلالة على المعنى، وبالتبيين الإيضاح، وقد عرف الكتاب خير تعريف بقوله الوارد في مطلع الجزء الثالث: "هذا أبقاك الله الجزء الثالث من القول في البيان والتبيين، وما شابه ذلك من غرر الأحاديث، وشاكله من عيون الخطب، ومن الفقر المستحسنة، والنتف المستخرجة، والمقطعات المتخيرة، وبعض ما يجوز في ذلك من أشعار المذاكرة والجوابات المنتخبة".
— يقول ابن رشيق القيرواني (390هـ - 463هـ) في العمدة: (و قد استفرغ أبو عثمان الجاحظ وهو علامة وقته - الجهد، وصنع كتابا لا يبلغ جودة وفضلا، ثم ما ادعى احاطته بهذا الفن، لكثرته، وان كلام الناس لا يحيط به الا الله عز وجل).
— اما ابن خلدون (732هـ - 808هـ) فيسجل لنا رأي قدماء العلماء في هذا الكتاب، إذ يقول عند الكلام على علم الأدب: (وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين: وهيأدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الأمالي لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها).
— مؤلفه: أبو عثمان عمر بن بحر بن حبوب الكناني.
— عاش الجاحظ في بيئة متعددة الأجناس.
— لم يكن الجاحظ رجلاً عاديّاً كعامة الناس بل كان يتمتع بمقدرة عقلية تستوعب كل أنواع العلم والمعرفة.
— ومن أبرز المصادر التي كان يستقي منها الجاحظ ثقافته: الأخذ عن الرجال(العلماء) المتخصصين كل في مجاله، والقراءة في الكتب، بالإضافة إلى معايشة الناس ومراقبتهم مراقبة دقيقة للكشف عن عالمهم الداخلي.
— تحررت كتابات الجاحظ من الغموض، وتنميق اللفظ، مع المحافظة على جزالته
— يعد كتاب الحيوان، والبيان والتبيين من أواخر مؤلفات الجاحظ بعد أن أصابه الفالج.
سبب تأليف كتاب البيان والتبيين :
- أن الجاحظ لم يخص البيان العربي ببحث شامل يبين فيه طاقات اللغة العربية في مجال التأليف، وفي مجال إقناع المستمع عن طريق المناظرة والخطابة.
- الرد على الشعوبية الذين كانوا يعيبون على العرب خطبهم وتقاليدهم في إلقاء تلك الخطب، ومنها الإمساك بالعصا. وقد نصَّب الجاحظ نفسه للدفاع عن فصاحة العرب.
- لم يكن كتاب البيان والتبيين مجرد مختارات من الأدب، بل إن للكتاب موضوعاً رئيسياً يسيطر عليه، وهو: استنباط أصول البيان كما تحدّث فيها السابقون، ومارسها عمليَّاً علماء الكلام.
- كان يعتمد الجاحظ في كتابه البيان والتبيين على طريقة السرد الاستطرادي الذي يؤدي إلى تشعُّب الموضوع مما أخطاء أُخِذت عليه في كتابه، منها: الاستطراد، التكرار.
- والحقيقة أن كتاب البيان والتبيين يعد موسوعة في الأدب العربي تغذى بثمرها القدماء والمحدثون.
الكامل في اللغة والأدب' كتاب في فن الأدب من تأليف المبرد، يقع الكتاب في أربعة أجزاء، وقد طُبع مرات عديدة. تم شرحه من قبل سيد المرصفي في ثمانية أجزاء كبيرة بعنوان "رغبة الأمل في شرح الكامل".
— هو محمد ابن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي الثمالي، عاش المبرد في عصر الثقافة المزدهرة والسياسة المصطخبة.
— اختلف في سبب تسميته، كما اُختلف فيما إذا كان اسمه بفتح الراء، أو كسرها، وفيما إذا كان مدحاً أو ذمّاً.
— تتلمذ المبرّد على يد الجاحظ، كما أخذ الثقافة اللغوية والنحوية من علماء اللغة والنحو من أمثال: الجرمي، والمازني، الزيادي، والرّياشي، بالإضافة إلى سعة اطلاعه على الكتب، كما أنه كان يكثر من حفظ الشعر.
— أبرز مؤلفاته: الكامل، المقتضب، الفاضل، ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن الكريم، كتاب المذكر والمؤنث ...و غيرها.
أهمية الكتاب
يعد كتاب الكامل أصلاً من أصول علم الأدب وركنًا من أركانه، وقد أقبل العلماء وطلاب الأدب على قراءته وإقرائه، ومنهم من شرحه ومنهم من علق عليه ونبه على أغلاطه.
ويعد الكتاب من أواخر ما كتب المبرد، ومن أهم كتبه عامة لأنه حوى طائفة كبيرة من مختار الشعر والنثر والأخبار، وفيه الكثير من التفسيرات اللغوية، والآراء النحوية.
— وذكر العلامة ابن خلدون في مقدمته مفهوم علم الأدب وأصوله ثم قال : (وقد سمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين : وهي أدب الكتاب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى ذلك فتبع لها وفروع عنها).
— وقال القاضي الفاضل (طالعته سبعين مرة، وكل مرة أزداد منه فوائد).
— وقد تحدث عن أهمية الكتاب أيضا أبو الفرج المعافى بن زكريا في كتابه (الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي) يقول: "وعمل أبو العباس محمد بن يزيد النحوي كتابه الذي سماه «الكامل» وضمنه أخبارا وقصصا لا إسناد لكثير منها، وأودعه من اشتقاق اللغة وشرحها وبيان أسرارها وفقهها ما يأتي مثله به، لسعة علمه وقوة فهمه ولطيف فكرته، وصفاء قريحته، ومن جلي النحو والإعراب وغامضها ما يقل وجود من يسد فيه مسده"
قدّم المبرّد لكتابه بمقدّمة موجزة وضّح فيها مادة الكتاب والغرض من تأليفه.
جمع المبرد في كتابه ضروباً من الآداب ما بين شعر، ونثر، مثل سائر، موعظة، خطب، ورسائل بليغة... إلخ؛ وذلك من أجل خدمة غرض نحوي أو لغوي.
كان منهج المبرد في كتابه هو: الإتيان بالنص، ثم يأخذ في شرحه لغوياً، ونحوياً، ثم يورد نصاً آخر.
احتوى الكتاب على: مختارات من الشعر والنثر والأمثال والأحكام، بالإضافة إلى إيضاحات لغوية، وشروح نحوية، ولمحات نقدية تكشف عن ذوقه النقدي.
حوى الكتاب على قدر كبير من أشعار الخوارج، ومن ثم فهو يعد مرجعاً مهماً من هذه الناحية.
يؤخذ على المبرّد أنه كثيراً ما يروي أخباره دون أسانيد، كما انه قد يسند الأقوال إلى غير قائلها الحقيقي.—