4. نظرية الجشطالتية في الإرشاد

نظرية الجشطالت(Gestalt theory)

إن السيكولوجيا الجشطالتية تعتبر ثورة على الثنائية الديكارتية التي ظهرت في القرن السابع عشر والتي قسمت العقل إلى جزئيات أولية من الأحاسيس والصور...لقد قاد فريتمر وكوفكا وكوهلر بصفتهم أقطاب هذه المدرسة تمردا على ذلك الضرب من التحليل العقلي، وكانت حركتهم تمثل نوعا جديدا من التحليل للخبرة الشعورية انطلاقا من المجال الإدراكي، حيث تسلك العضوية دائما ككل واحد وليس كأجزاء متميزة، فالعقل والجسم ليسا كيانين منفصلين، كما أن العقل لا يتكون من ملكات أو عناصر مستقلة وكذلك لا يتكون الجسم من أعضاء وعمليات منفردة، فالكائن العضوي وحدة واحدة، وما يحدث للجزء يؤثر في الكل، وهناك قوانين للكل تحكم أداء الجزء لوظائفه، ولا يمكن فهم الكيفية التي يؤدي وفقها الجزء لوظائفه إلا بكشف القوانين التي يؤدي وفقها الكائن العضوي الكلي لوظائفه حسب قوانين لا يمكن استخلاصها من الأجزاء، وهذا يعني أن الكل أكثر من مجرد مجموعة الأجزاء(العزة،2005، 226)  وهذا يعني كمحصلة أن الجزء لا يعني شيء خارج الكل الذي يحتويه.

4-1- ماذا يقصد بكلمة جشطالت؟

تعني كلمة جشطالت(Gestalt) في الألمانية الشكل أو الهيئة التي تميز شيئا ما على حد قول كوهلر، وقد استخدمها بيرلز بمعنى الجوهر، وفي أحيان أخرى استخدمها بمعنى الشعور، وقد فسر بيرلز كلمة جشطالت بأنها شيء منظم للخبرة، وفي موضع أخر تشير كلمة جشطالت إلى الكل(Whole) أو التكامل(Integration) أو نموذج(Pattern) أو الشكل(Formوكلمة الجشطالت عند بيرلز تشير أيضا إلى كلية الأنظمة المتكاملة بين الأجزاء المنفصلة في الشخصية وجمعها في كلية واحدة لتحقيق الذات.

4-2- ما هو العلاج الجشطلتي؟

يلخص سميكن(Smikin) مغزى العلاج الجشطلتي فيقول إن العلاج الجشطلتي عبارة عن نظام إدراكي قائم على التفسير يستبعد الجانب التاريخي للفرد(الماضي) من خلال اهتمامه بوعي الفرد بالتركيز على فكرة هنا والآن أثناء التفاعل بين المعالج والمريض على أساس أنا وأنت، ومن هنا فإن هدف العلاج الجشطلتي هو تسهيل تحرك المريض من الاعتماد على البيئة وتلقي المساندة منها إلى الاعتماد على الذات والنمو النضج وتكامل الشخصية وإعادة توحيد وإدماج الأجزاء المنفصلة من الشخصية(حافظ وآخرون،2012، 12).

رفض بيرلز الاعتقاد بان الإنسان محكوم بعوامل خارجية أو عوامل داخلية...وأن رفضه هذا منبثق من فكرتين أساسيتين، وهما:

- أن الإنسان مسؤول عن نفسه وعن أفعاله وحياته، وإن المهم عن خبرة الإنسان وسلوكه هو ليس لماذا(Why) وإنما هو كيف(How)، وإن هذا يؤكد أن الإنسان حر ولديه القدرة على التغيير(أبو أسعد و عريبات، 2012، 276)

وفي سياق متصل، ولكي يكتمل وعي الشخص بذاته وبالآخرين أشار نارانجوا(Naranjo) إلى عدد من القيم والتي تمثل تكامل الوعي عند الشخص، وهي:

1- عش الآن وكن منصبا على الحاضر بأكثر منك على الماضي أو المستقبل.

2- عش هنا وتعامل مع ما هو حاضر بأكثر منك مع ما هو غائب.

3- توقف عن التخيل وعش الواقع.

4- توقف عن التفكير فهو ليس بالضروري لكن فحسب تذوق وانظر.

5- عبر بأكثر أن تقوم بالتفسير أو التبرير أو الحكم.

6-  انفتح للكدر والألم تماما كما تنفتح للذة، ولا تقوم بالحد من وعيك.

7- لا تقبل(أي ينبغي) أو (كان ينبغي) إلا أن تصدر عنك، ولا تعبد أية صورة مغروسة.

8- تحمل المسؤولية كاملة لأفعالك ومشارعك وأفكارك.

09- سلم بأن تكون على النحو الذي أنت عليه.( حافظ وآخرون،2012،13)

4-3- المفاهیم الأساسیة في النظریة:

أشار(باترسون،1973، والشناوي،1994) نقلا عن ( الخطيب، 2009، 418) إلى مجموعة من المفاهيم جاءت بها هذه النظرية، منها ما يأتي:

1- مبدأ التكوين الكلي: يؤدي الإنسان وظائفه في وحدة كاملة، فهو كلئن كلي متحد يشعر ويفكر ويتصرف، فالجوانب العقلية والانفعالية والجسمية لا توجد مستقلة عن الإنسان، أو عن بعضها البعض.

2- مبدأ القاعدة الثنائية للتوازن: انبثقت هذه القاعدة من مفهوم التفكير المتمايز، أو التفكير في متقابلات أو أقطاب ثنائية، فكل حادث يبدأ من نقطة الصفر، ثم يبدأ منها التمايز إلى متقابلات أو متعاكسات، وهذا التمايز هو خاصية أساسية لأداء الإنسان العقلي وللحياة نفسها، ويؤدي إلى التوازن.

3- الغرائز: يرى بيرلز أن هناك غريزتين ضروريتين للمحافظة على الفرد هما: الجنس، وغريزة الجوع، وان جميع الغرائز الأخرى يمكن أن تصنف تحت إحدى هاتين الغريزتين.

4- العدوان والدفاع: العدوان عملية ديناميكية لاشعورية، بها يتصل الكائن مع البيئة لإشباع حاجاته، وليست وظيفتها التدمير، بل محاولة التغلب على المعوقات التي تمنعه من إشباع حاجاته، أما الدفاع فيمثل نشاط بيولوجيا للمحافظة على الذات، وله أشكال مختلفة لدى الكائنات الحية مثل هرب الكائن لدى مواجهته موقفا يهدده.

5- الواقع: يرى بيرلز أن الإنسان يتفاعل باستمرار مع بيئته، ليصل إلى حالة التوازن، ويفترض أن هناك عالما موضوعيا يشتق منه الفرد عالمه الذاتي باختيار أجزاء من العالم المطلق تبعا لميوله، وبذلك فهي تعود إلى ما أسماه بيرلز بالشكل والخلفية.

6- حد الاتصال: يتفاعل الفرد مع بيئته بصور شتى كي يشبع حاجاته، وهذا الاتصال مع البيئة ضروري للتغيير والنمو، ويكون الاتصال فعالا عندما يتفاعل الفرد مع الطبيعة أو مع الأفراد الآخرين دون أن يفقد فرديته، ونقطة التفاعل بين الفرد والبيئة يطلق عليها حدود الاتصال.

7- الأنـــــــــا: الأنا عند بيرلز ليس غريزة ولا يحتوي على غرائز بداخله وليس مادة محددة أو متغيرة، وتعمل الحدود ونقاط الإتصال على تكوينه، أما وظائف الأنا فتتلخص في:

- تنظم اتصال الكائن بالبيئة.

- تنظم المجال أو البيئة المحيطة بالكائن بشكل يتناسب مع درجة إلحاح الحاجة على الإشباع.

8- التقدير: وهو عملية يكتشف الفرد ذاته من خلالها، فالطفل يسعى للحصول على تقدير والديه من خلال لعبه، لأنه بحاجة إلى تقدير الآخرين.

4-4- أساليب الإرشاد المستخدمة في هذه النظرية:

هناك مجموعة من الأساليب الإرشادية التي يشتمل عليها الإرشاد الجشطالتي، وأهمها:

(الوعي بـ" هنا والآن"-  تكوين المسؤولية في المسترشد- استخدام الدراما والتخيل- أسلوب المكوك- الصوت العالي والصوت السفلي- أسلوب المقعد الخالي- العمل مع الأحلام- الواجبات المنزلية).

4-5- التطبيقات النفسية والتربوية للعلاج الجشطالتي

يمكن الاستفادة من العلاج الجشطالتي في المجال النفسي والتربوي من خلال محورين هامين هما:

أولا: فيما يتعلق بإنماء قدرة الطالب على الوعي بالذات والمجال:

حيث يتعين إنماء قدرة الطالب على تأمل ذاته وتقبلها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال كتابة اليوميات والمذكرات وتسجيل الأحداث الهامة في حياة الطالب والتي تمثل خبرات هامة بالنسبة له، مثل التفوق أو التحول من تخصص إلى تخصص أخر أو الانضمام إلى فريق الكرة أو التمثيل بالمدرسة أو الاشتراك في أي مسابقة، وكذلك محاولة التعرف على دلالة أحلام الطالب وتفسيرها، وتوعية الطالب بكيفية التعامل مع البيئة والمجال الذي يعيش فيه.

ثانيا: فيما يتعلق بدور المدرسة في دعم قدرة الطالب على الوعي بالذات والمجال:

وإذا كان العلاج الجشطالتي يعترف بكلية الشخص ووحدة الذات مع المجال، فيترتب على ذلك أن المدرسة عليها أن تغير من نظرتها إلى المنهج المدرسي بحيث لا يقتصر على الوحدات الجزئية، وتجزئة المنهج إلى فصول ووحدات، بل يكون المنهج وحدة كلية متكاملة وتتكامل المناهج الدراسية معا، وهنا لابد وأن يقوم المدرس بدور الموجه والمرشد للطلاب وحل مشكلاتهم المختلفة التي يواجهونها سواء التي ترتبط بالدراسة أو التي لا ترتبط بالدراسة، وربط المقررات الدراسية بخبرة ووعي الطلاب، كذلك يقوم المدرس بتعويد الطالب حل مشكلاته بنفسه في ذات الوقت والوعي بذاته والمجال الدراسي.(حافظ وآخرون،2012، 71)

4-6- نقد نظرية الجشطالت

- الإرشاد الجشطالتي لا يحاول أن يعالج الماضي عن طريق التحليل، ويركز العلاج على السلوك في هنا والآن.

- إغفال الإرشاد الجشطالتي لجانب الهو في شخصية الإنسان.

- إن طابع نظرية الجشطالت ضبابي، حيث تعتمد على التنظير أكثر من اعتمادها على الجانب العملي.

- إن التجريب عند الجشطالتين قليل الضبط وغير كمي ولا إحصائي.

- لا ينفع الإرشاد الجشطالتي مع الأفراد المفتقدين للسلوك الاجتماعي مثل السيكوباتية.(بلان، 2015، 185)