2. تعريف تقويم الأداء

تتواجد في الأدبيات التربوية العديد من تعريفات تقويم الأداء أو التقويم القائم على الأداء، منها من ترتكز على جانب معين كطبيعة المهمات التي يجيب علها الطالب، ومنها من ترتكز على مكونات عملية تقويم الأداء، ومنها من ترتكز على كيفية انجاز المهمات أو الأنشطة، ومنها من ترتكز على ما يظهره الطالب من انجازات وتفاعله مع النشاط المنجز.

تقويم الأداء هو مقاربة بديلة للطرق التقليدية لتقويم تحصيل الطلاب، فبينما يتطلب التقييم التقليدي من الطلاب الإجابة على الأسئلة بشكل صحيح، وغالباً ذات اختبار المتعدد أو من خلال إجابة مكتوبة من نوع معين، فان تقويم الأداء يتطلب من الطلاب إظهار المعارف والمهارات، بما في ذلك العمليات التي يتم من خلالها حل المشكلات في سياق محدد. حيث تقيس تقويمات الأداء المهارات كالقدرة على دمج المعارف عبر مجالات النطاق، والمساهمة في عمل المجموعة، أو تطوير خطة عمل عند مواجهة موقف جديد، وإلى حد كبير كان تقييم الأداء من خلال تقييم الملف، شائعاً جدًا في الولايات المتحدة خلال التسعينيات من القرن الماضي.

تقويم الأداء مصطلح يستخدم حالياً على نطاق واسع من قبل الراغبين في الابتعاد عن الاختبارات التقليدية خاصة ذات الاختيار من متعدد، وتهدف تقويمات الأداء إلى نمذجة أنشطة التعلم الحقيقية التي نرغب في أن يتفاعل معها الطلاب، ومهارات الاتصال الشفوي والكتابي، وأنشطة حل المشكلات، وما إلى ذلك، بدلاً من تجزئتها كما هو الحال في اختبارات الاختيار من متعدد؛ الهدف هو أن التقويمات لا تشوّه التدريس بل تدعّمه. وقد يشمل تقويم الأداء ملف التقويم، وهو التقويم الذي وضعه المعلم في المدرسة لأداء الطلاب، وتقويم الأداء سوف يتعامل حصرياً مع التقويم الذي يتم إجراؤه باستخدام المهمات التي تعتمد على الأداء (Gipps, 1994).

يشكل تقويم الأداء أو التقويم القائم على الأداء مفهوما حديثا للنظر في أساليب التحقق من اتقان الطالب  للمعارف والمهارات المتعلقة بالمادة الدراسية، واتقانه لمهارات التفكير العليا، حيث لا تتوقف كفاءة الطالب على ما يمتلكه من معارف، ولكن على ما يستطيع أن يقوم به فعليا من خلال قدرته على توظيف ما تعلمه في مواقف متعدّدة، ويظهر ذلك من خلال الانجاز أو الأداء.

يتم استخدام مجموعة متنوعة من الأساليب في تطوير الاختبارات التعليمية، بدءًا من صيغ البنود التقليدية مثل الاختيار من المتعدد والبنود ذات النهايات المفتوحة إلى تقويمات الأداء، بما في ذلك الملفات القابلة للتصحيح والمحاكاة والألعاب. وقد تتضمن أمثلة تقويمات الأداء حل المشكلات باستخدام الوسائل اليدوية، أو عمل استنتاجات معقّدة بعد جمع المعلومات، أو شرح الأساس المنطقي شفهيًا أو كتابيًا لإجراءات محدّدة في ظل ظروف معينة.

وهناك العديد من الأمثلة التي يمكن أن تدل على تقويم الأداء، مثل كتابة تقرير عن تجربة علمية في المختبر، أو إنجاز تصميم بناية أو عمارة، أو تقديم عرض عملي عن بحث أو نموذج معين، أو تركيب مكونات الحاسوب أو محرك ميكانيكي، أو  حل مشكلة رياضية، أو كتابة مقالة صحفية...وغيرها.

قُدّمت في الأدبيات التربوية العديد من تعريفات تقويم الأداء (أو التقويم القائم على الأداء)، حيث ركزت بعضها طبيعة المهمات التي ينجزها الطالب، وبعضها ركزت على مكونات عملية تقويم الأداء، وركزت أخرى على كيفية انجاز المهمات، في حين ركزت أخرى على ما يظهره الطالب من انجازات وتفاعله مع المهمة المنجزة.

ونظرًا لأن تقييمات الأداء يمكن أن تكون متنوعة مثل كتابة المقالات، والغناء في الاختبارات الموسيقية، وتشخيص مقنن للمرضى، فإننا نحتاج أولاً إلى تقديم تعريف مشترك لمصطلحي "الأداء" و"تقييم الأداء". فالأداء هو عبارة عن سلسلة من الاستجابات تهدف إلى تعديل البيئة بطرق محددة، فهو مجموعة من الانجازات الفعلية الذي يقوم بها الطالب لغرض القيام بعمل معين. فالأداء يشير إلى ما يمكن عمله في ظروف واقعية (Gipps, 1994).

تقويم الأداء هو أحد الطرق التي يتم بواسطتها قياس مستوى الطلاب بالاعتماد على الطريقة التي ينجزون بها مهمة معينة، فهذه الطرق تحثهم على انجاز المهمات التي تساعد على استنتاج استدلالات والوصول إلى أجوبة أصيلة. وتتضمن ثلاث خصائص تقويم الأداء؛ معايير تقويم متعددة، فيجب الحكم على أداء الطلبة باستخدام أكثر من معيار واحد، وأن تكون المعايير محددة مسبقاً، فيجب أن تكون معايير التقويم واضحة ومحددة مسبقاً من طرف المقوّم، وتقدير الأحكام التي تعتمد على القرارات البشرية لتحديد درجة الأداء الحقيقي (Popham, 2017).

من الناحية الشكلية يتكون تقويم الأداء من الهدف أو الغرض من التقويم، والمهمات، وإجابة تتطلب التركيز على أداء معين، وطريقة منظمة لتقدير أو تصحيح الأداء (Johnson, Penny & Gordon, 2009). وأغلب الكتابات أوضحت بأن تقويم الأداء يتكون من جزأين: المهمة التي يتعين على المجيب إنجازها، ومحكات الحكم على جودة الاجابة، فالطالب ينجز المهمة - تقديم عرض أو إنشاء منتج – والمقوّم يُقّيم أداءه بإصدار حكم على مستوى جودته باستخدام قاعدة تقدير (Chappuis, Stiggins, Chappuis & Arter, 2012) .

ومن الناحية المفاهيمية تقويمات الأداء هي التقويمات التي يبرهن فيها المتقدّم (أو الطالب) للاختبار فعليا المهارات، حيث يهدف الاختبار إلى قياسها من خلال انجاز المهمات التي تتطلب تلك المهارات  (AERA, APA., & NCME, 2014, p. 221). فتقويم الأداء هو أي أسلوب تقويم يتطلب من الطلاب عملياً تنفيذ عملية معقدة واسعة (مثلا: تقديم مناقشة شفهية، أو عزف مقطوعة موسيقية، أو تسلق حبل معقود) أو تقديم إنتاج مهم (مثلا: كتابة قصيدة، تقديم تقرير عن تجربة، أو إنشاء لوحة فنية)، وتتميّز تقويمات الأداء بتعقيد المهمة بالمقارنة مع الإجابات القصيرة، أو مشكلات الرياضيات مجردة السياق، أو المهمات المقالية القصيرة التي تندرج ضمن تقويمات الورقة والقلم النموذجية (Nitko & Brookhart , 2014).

وببساطة يتضمن تقويم الأداء عرض الطالب لمهاراته أو كفاءاته في إنشاء منتج أو تكوين إجابة أو إعداد عرض تقديمي معين  (Linn, 2010)، وفي الواقع بدلاً من طرح أسئلة حول كيفية القيام بشيء معين، يقوم الطلاب بأداء المهارة أو السلوك، فالفكرة هي أن الطلاب يستخدمون معارفهم ومهاراتهم لبناء شيء معين، ويمكن أن يكون هذا بسيطاً مثل إظهار مهارات الكتابة بواسطة لوحة المفاتيح، أو معقداً مثل تركيب آلة يتم التحكم فيها عن بُعد (McMillan, 2018). وينصب التركيز على قدرة الطلاب على أداء المهام من خلال إنتاج عملهم بـأنفسهم بمعارفهم ومهاراتهم، وفي بعض الحالات يكون عرضاً تقديميًا، مثل الغناء أو العزف على البيانو أو أداء الجمباز، وفي حالات أخرى يتم التعبير عن هذه القدرة من خلال منتج، مثل إعداد ورقة أو مشروع أو فيديو (McMillan, 2018).