1. المنظور الإسلامي لحقوق الطفل
1.5. الحق الرابع: حق حفظ النسب
النسب من الأمور التي ترتبط بالمجتمع؛ إذ عليه يقوم بناء الأسرة التي هي نواة المجتمع.
حق الطفل في نسبه:
من ألزم حقوق الطفل وأهمها أن يعرف أصله ونسبه، وأن ينسب إلى أبيه الذي هو من صلبه، وأن يوثق هذا النسب توثيقاً رسمياً في سجلات الدولة.
فالنسب من أهم الحقوق وأشدها تأثيراً في شخصية الطفل ومستقبله، والنسب يحقق مصلحة للمجتمع، فهو من الروابط الوثيقة التي تربط المجتمع بعضه ببعض بأسره وقبائله وعشائره وعمائره.. الخ.
وقد اهتم الإسلام بنسب الإنسان اهتماماً بالغاً لافتاً للأنظار ولم يكن هذا الاهتمام أمراً هامشياً أو عرضياً لأنه يتعلق بصلب الحياة، ولما يترتب عليه من سلامة العلاقات، ولما يستتبعه من حلال وحرام، ولما يقتضيه من حقوق وواجبات، وهو إلى جانب ذلك أمر منسجم مع الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها، فالطفل من خلال نسبه يجد من يرعاه ويهتم بشئونه، ويسهر على تربيته، ويساعده على البقاء فلا يضيع في خضم الحياة ومعتركها، ومن خلاله يجد المحضن الذي يلقى فيه الدفء، والعناية الفطرية الحقيقية، كما أن الطعن في أنساب الناس من الكفر لقوله e: "اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت"([1]).
وحرم الإسلام التبني تحريماً قاطعاً لا لبس فيه، قال الله تعالى: ]وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدى السبيل[[الأحزاب: 4]، وقال الله تعالى: ]ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله[[الأحزاب: 5].
وقد عدَّ النبي e انتساب الولد إلى غير أبيه من المنكرات الشنيعة التي تستوجب لعنة الله والملائكة والناس، فقد ورد عن رسول الله e أنه قال: "مَن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً"([2]) أي لا يقبل الله منه توبة ولا فدية، ومن أكبر الذنوب في الإسلام أن ينكر الأب نسب ولده، كما أن من أكبر الذنوب أن ينسب الإنسان لنفسه ولد غيره؛ لما في ذلك من مصادمة للحق، وتزوير للحقائق، وتمويه على الحياة والأحياء.
فمِن الواجب أن ينسب الإنسان إلى أبيه وإذا لم يعرف نسبهم فهم إخوان في الدين وموالى عوضا عما فاتهم من النسب، ولهذا جاء في الحديث: "ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلا كفر"([3]).
ومن المعروف أن الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الطفل أباحت التبني، وتفرض هذه الاتفاقيات على الدول الموقعة عليها أن تضع في تشريعاتها الداخلية إباحة التبني، بحجة الحرص على مصالح الأطفال والإشفاق عليهم من الضياع وإنقاذ حياتهم بعد أن يفقدوا أسرهم نتيجة الحروب، أو غيرها.
وهذا مرفوض في الشريعة الإسلامية ولدى المسلمين شكلاً وموضوعاً؛ لأن من نتائج هذه الإباحة أن ينتشر الزنا وتختلط أنساب الناس، ولأنه تزوير للعلاقات الإنسانية، ولأنه يقيم العلاقات الأسرية على أساس من الحرام، وفيه ما فيه من اعتداء على حقوق الإنسان التي أعلنتها تعاليم الإسلام في الزواج والمواريث وغيرها من الحقوق.
فالإشفاق على الأطفال لا يكون بتزوير أنسابهم وتزييف آبائهم وأمهاتهم، وتذويب عقائدهم، وتحوير أديانهم، وإن مثل هذا الحرص على الأطفال ينطوي على منابذة لمبادئ الأديان السماوية، ومصادمة لفطرة الإنسان ومعارضة للحقوق والواجبات والعلاقات.
ومن أخطر ما يترتب على ذلك أن يسلم أطفال المسلمين إلى أسر غير مسلمة ويؤخذوا إلى أقطار غير أقطارهم فتحولهم من مسلمين إلى غير مسلمين وكفى بذلك خطراً وضرراً، أو أن يُرعَوا من قبل منظمات غربية بحجة عدم وجود هذه الرعاية في البلاد العربية والإسلامية.
وللعلم: فإن فقد الطفل لأسرته ليس علاجه التبني المحرم، إنما هنالك بدائل متعددة تتفق مع الفطرة وتتفق مع العقل، وتتفق مع مصالح الأطفال، وتتفق مع مصالح الإنسان وحقوق الإنسان، مثل كفالة اليتيم أو رعاية الأطفال.
ومن المعلوم أن التزوير في الوثائق والمحررات تحرمه القوانين وتعاقب عليه بأشد العقوبات، فما بال بعض الدوائر الرسمية العالمية تبيح التزوير في الأنساب التي هي أخطر من المحررات الحقوقية التجارية.
ويتفرع عن حرمة التبني: حرمة التلقيح الصناعي إذا تم بين غير الزوجين، وهو وضع نطفة رجل في رحم امرأة لا تحل له بقصد إنجاب الولد، فهو جريمة مُنْكَرَة في حكم الشريعة، تلتقي في الحرمة والإثم مع الزنا في إنجاب ولد عن طريق محرم آثم.
ومن أجل المحافظة على الأنساب وغيرها من مصالح العباد حرم الله الزنا، واشترط العدة على المرأة المطلقة والمتوفى عنها زوجها التي فارقها زوجها لاستبراء الرحم منعاً لاختلاط الأنساب، فقد قال e: "أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب الله عنه، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين"([4]).