خصائص الجمهور
نشأت دراسات الجمهور وتطورت كما سبقت الإشارة، في ظل ظروف المنافسة الاقتصادية والسياسية الليبرالية التي تسعى إلى البحث على أنجع السبل وأقصرها لكسب رضا أكبر عدد ممكن من الزبائن أو من الناخبين، حتى الدراسات التي تنجزها هيئات وفرق بحث جامعية غالبا ما تمولها شركات تجارية أو مؤسسات سياسية مما يؤدي إلى التركيز على الأهداف التي ترمي الجهات الممولة إلى تحقيقها.
ونتيجة لذلك، فإن الاستعمالات الشائعة لمفهوم الجمهور تعتبر هذه الظاهرة الاجتماعية المعقدة مجرد حصيلة عددية للمتفرجين على مسرحية أو مقابلة رياضية...أو بصفة أكثر شمولا: هو مجموع قراء صحيفة أو نشرة، ومجموع المستمعين لمحطة إذاعية، ومشاهدي قناة تلفزيونية، ومجموع زوار موقع إلكتروني على شبكة الإنترنت، هذا المفهوم نجده أكثر شيوعا واستعمالا في معظم الأبحاث الخاصة التي تنجزها وسائل الإعلام نفسها باسمها ولحسابها، لأن أهمية أي وسيلة إعلامية بالنسبة للمعلنين والقادة السياسيين، تكمن في حجم جمهورها.
فالجمهور حسب المفهوم العددي، هو مجموع الأشخاص الذين يفترض أن تصلهم وحدة إعلامية لمحطة إذاعية، أو لقناة تليفزيونية، أو لصحيفة أو لموقع إلكتروني، أو مجموع جمهور هذه الوسائل مجتمعة، وهو بالتحديد مجموع الأشخاص الذين تتوفر فيهم ولديهم خصائص معينة تهم المرسل للرسالة الإعلامية من مثقفين، وشباب، وربات بيوت ، وأجراء، ومستهلكين...الخ.
إن تطبيق هذا المفهوم بهذا الشكل المبسط لا يعكس الواقع ويخفي اعتبارات أخرى هامة وضرورية ليس فقط لفهم هذه الظاهرة، ولكن حتى بالنسبة للحملات التسويقية والانتخابية، وقد تفطن منذ نهاية الستينات من القرن الماضي الباحث "كلوس" إلى بعض التعقيدات والصعوبات التي يخفيها الاعتبار العددي للجمهور، إذ بين هذا الباحث مختلف درجات مساهمات الجمهور التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند تحليل جمهور وسيلة إعلامية معينة تحليلا عدديا، حيث يزعم أن هناك، عدة أنماط من جمهور الوسائل المادية والتقنية التي تمكنهم من استقبال الرسائل الإعلامية لوسيلة معينة، ومن هنا، فإن كل الذين يمتلكون جهاز استقبال تلفزيوني أو إذاعي يشكلون الجمهور المفترض لهما، وجمهور الصحيفة المفترض يقاس غالبا بعدد نسخ السحب والمبيعات والمرتجعات، أما جمهور الواب المفترض، حسب هذا المنظور، فهو أكثر تعقيدا، لأنه يتطلب توفر جهاز كومبيوتر، وخط هاتفي ن وآلة مودم، إلى جانب اشتراك في الإنترنت عن طريق ممون محلي خاصة في البلدان التي لم تصبح فيها خدمات الإنترنت مجانية بعد.
3. السمات الديموغرافية لجمهور وسائل الإعلام
3.3. السمات الموظفة في بحوث الإعلام
وقد أصبح لهذه السمات دلالات اجتماعية منذ أن لاحظ "روبرت ميرتون" أن عناصر بعض الفئات مثل فئات السن، والنوع والتعليم والدخل، يمكن أن تتماثل في سلوكياتها تجاه الرسائل الإعلامية في إطار العلاقة كلها أو بعضها بهذه السمات.
فهي تشكل اتجاها في بحوث الإعلام يهدف إلى تحليل تركيبة جمهور المتلقين لمعرفة أنواعه التي تميل إلى وسيلة إعلامية معينة في أوقات مختلفة ونوع المحتوى، وذلك لأسباب سياسية ، اقتصادية...
ولقد انتشر استخدام هذه السمات من خلال الدراسات التي تقوم بها المراكز والوكالات والمؤسسات المتخصصة في التسويق التجاري والسياسي، حتى أصبحت صناعة قائمة بذاتها في المجتمعات الليبرالية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتستخدم الدراسة الإعلامية لهذه السمات تبعا لطبيعة وأهداف أبحاث الجمهور، إلا أن فئات النوع، السن، ومستوى التعليم، والدخل نجدها أكثر السمات الديموغرافية استعمالا نظرا لدورها في تكوين خبرات الفرد وموقعه في سياق حياته الخاصة والاجتماعية ن ونظرا لتأثيرها في شخصيته ونموذج سلوكه الاجتماعي بصفة عامة، وسلوكه الاتصالي بصفة خاصة.
وانطلاقا من استعمالها الواسع في أبحاث الجمهور، نتطرق فيما يلي لهذه الفئات الأربع وعلاقتها بطبيعة المواقف الممكن اتخاذها تجاه الرسائل الإعلامية.
1/- النوع (genre): يقسم الجمهور وفقا لسمة النوع إلى ذكور/إناث، اعتمادا على عوامل بيولوجية وفيسيولوجية نظرا لثبوت تباين استجابة كل نوع للرسائل الإعلامية تبعا لاختلاف مصالح وحاجيات كل من الذكور والإناث التي يمكن إشباعها من خلال التعرض لوسائل الإعلام ن وكذلك اختلاف درجة قابلية الإقناع.
وتستعمل عادة فئة إناث/ذكور للدلالة على النوع فقط دون الخوض في الفئات النوعية، لأن رجال/ نساء أو فتيان /فتيات تتضمن الإشارة إلى فئات عمرية، غير أن البحوث الأكثر دقة تتناول النوع مقترنا بالعمر أو المهنة أو مستوى التعليم أو الوضعية الاجتماعية والاقتصادية.
2/- السن (Age): ويستخدم علماء السكان الفئات الخماسية أو العشرية لتبيان الهرم السكاني في دراسة التركيب العمري لسهولة التصنيف والتبويب، إلا أن هذه الفئات العمرية لا تقدم دلالات عملية لتفسير السلوك الاتصالي للجمهور عبر مختلف مراحل العمر التي تنتقل بالفرد من الطفولة إلى الكهولة والشيخوخة، حيث تتمايز مصالح الفرد واهتماماته.
ولقد استخدمت البحوث المبكرة حول جمهور وسائل الإعلام الفئات العشرية حسب طبيعة وأهداف الدراسة، حيث استخدم "لازرسفيلد" فئات (21-29)، (30-39)، (40-49)، (+60) لاهتمامه بالسلوك الانتخابي لقراء الصحافة التي كانت تشكل في أربعينات القرن الماضي الوسيلة الإعلامية الأكثر انتشارا.
أما ولبرشرام، فقد استخدم فئات (10-19)،(20-29)، (30-39) لنفس الأسباب المتعلقة بالقدرة على القراءة التي تمكن من التعرض إلى رسائل الصحافة.
وبدورها استخدمت مؤسسة BBC البريطانية في السبعينات فئات (5-9)،(10-14)،(15-19) لأهداف الدراسة الرامية إلى علاقة السن بتأثير أفلام العنف التلفزيونية على سلوكيات الأطفال المراهقين.
3/- مستوى التعليم (Education): تمكن هذه السمة من تحديد مستوى المعارف والخبرات التي قد يتحصل عليها الفرد من خلال أسلوب التعليم، والتي توجه سلوك الفرد نحو الرسائل الإعلامية ويعتبر إدماج فئة الأميين وضعيفي التعليم ضرورة موضوعية في الدراسة الاجتماعية والإعلامية بالنسبة للمجتمعات التي ترتفع فيها هذه النسبة من الأفراد، خاصة إذا تعلق الأمر بوسائل الإعلام المسموعة والمرئية، وتتوزع فئات هذه السمة على النحو التالي:( أمي (لا يقرأ ولا يكتب)، يقرأ ويكتب ( فئة الذين تعلموا خارج النظام المدرسي، بفضل برامج محو الأمية)، المرحلة العليا (ما بعد التدرج)، وقد تدمج فئة مع أخرى حسب طبيعة البحث وإشكاليته، وعينة الدراسة الميدانية، ويفيد هذا التوزيع في طرح أسئلة الإثبات في دراسة الرأي العام، ويعبر عن دلالات سلوكية في التعامل مع الرسالة الإعلامية.
4/- الحالة الاقتصادية أو الدخل: تحدد فئة الدخل قدرة الأفراد على اقتناء الوسيلة الإعلامية الملائمة لوضعهم الاقتصادي، وعلى استهلاك السلع والخدمات، ولذلك تنال اهتماما كبيرا في وصف الجمهور لارتباطها الوثيق بتخطيط الحملات الاشهارية، بالإضافة إلى أنها تعكس الوقت المتاح للقراءة أو الاستماع أو المشاهدة.
وفي التفرقة بين مستويات الدخل، يلجأ الباحثون عادة إلى أخذ الخيارين: وضع مستويات ثلاثية أو خماسية تعبر عن الحالة الاقتصادية/ مثل :عالية، متوسطة، منخفضة، أو عالية، فوق المتوسطة، متوسطة، تحت المتوسطة، منخفضة ، ويستعمل أيضا نوع السكن (شقة، فيلا...) أو مكان الإقامة ( ريف ، مدينة، حي شعبي ...)، أو ملكية الأجهزة التكنولوجية، أو الحالة العائلية (أعزب، متزوج، أب ، أم..)، أو اللغة، أو مكان الميلاد وغيرها من السمات التي تتفق مع طبيعة البحث وأهدافه.
- وعلى الرغم من كثرة البحوث التي تناولت علاقة فئات السمات العامة أو الشخصية أو السكانية بالعادات والأنماط الاتصالية مع وسائل الإعلام، واستندت على نوع هذه العلاقة واتجاهها وشدتها في تفسير السلوك الاتصالي، فإنها لم تقدم تفسيرات للمتغيرات الوسيطة في تنظيم البناء الإدراكي والمعرفي لهذه الفئات، مثل الخبرات المتراكمة التي ترتبط بعامل السن، أو الصفات السوسيولوجية التي ترتبط بعامل النوع، والتي تنعكس في مظاهر متعددة من السلوك المتباين حسب الفئات المستخدمة.
ولذلك فإن نجاح استخدام فئات هذه السمات منفردا يرتبط إلى حد بعيد بالأهداف أو الطموحات المحدودة للاستخدام، التي تتمثل في قياسات الحجم، ومعدلات التعرض، وكثافته، بين الوسائل الإعلامية المختلفة أو محتواها، وبالتالي ينجح السؤال المطروح لمن؟.( عبد الحميد،، 1993، ص 36،37).