4. الجوانب الحضارية لمملكة الفونج
4.1. الجانب الإجتماعي
باستمرار الهجرات العربية ودخول الإسلام في النوبة ، ثم قيام دولة الفونج الإسلامية حدثت نقلة جذرية في طبيعة التكوين الاجتماعي للسكان ، وطبيعة نظم الحكم وحياة المجتمع ، فقد زال ما كان قائماً من فوارق بين الراعي والرعية ، واستردت الرعية حريتها الفردية ، بعد أن كانت تعاني من عبودية مطلقة للملك ، وأصبحت تنعم بحياة كريمة في ظل التقاليد القبلية العربية والإسلامية .
وبذلك قضي الإسلام على نظام يقوم على أسس إقطاعية ليقيم مكانة مجتمعاً يقوم على مبدأ الإنسانية ويتمتع بالحرية والمسئولية الاجتماعية والمساواة الكاملة ، ويترجح لنا أن ذلك كان من أهم الأسباب التي جعلت السكان المحليين يسارعون لدخول الإسلام والإنضواء في بوتقة المجتمع الجديد إذ أن الإسلام أنقذهم من العبودية لملوكهم .
وبذلك فقد تشرب المجتمع الجديد العادات والتقاليد الإسلامية والعربية، وبالتدريج تغلبت العربية على اللهجات المحلية، وأصبح المجتمع الجديد مجتمعا إسلاميا في تكويناته واتجاهاته ومثله وأهدافه وأشواقه، وانمحت الفروق الواسعة بين فئات المجتمع، ولم يلمس الرحالة الأجانب وجود طبقات اجتماعية، فالأثرياء وحتي الملــــوك والسلاطين يأكلون ويلبسون مثل ما يفعل أفراد الشعب.
وكان جانب المساواة الاجتماعية بين أفراد الشعب وطبقاته المختلفة من أهم العوامل التي ساعدت علة تحقيق وحدة اجتماعية حقيقية في المجتمع النوبي في عهد دولة الفونج الإسلامية ، فالإسلام يقيم الروابط الوثيقة على أساس التقوى وليس على أساس اللون أو العنصر ، وهذا ما ساعد على اختلاط القبائل العربية بالقبائل النوبية المحلية وانخراط الجميع في التكوين الاجتماعي الجديد علي أساس مباديء الدين الإسلامي ، وقد روي صاحب الطبقات أن الفقيه عمار أراد أن يزوج ابنته لتلميذه عبدالله بن صابون وهو مملوك لأمراة ، وقال في ذلك : " ماوجدت لها كفؤا غيره" ، قال تعالى :"إن أكرمكم عندالله اتقاكم ".