2. النظريات الطبيعية والاجتماعية
نظريات الطبيعية والإجتماعية أو النظرية ما بعد مالتوس بعد أن ظهرت عيوب مالتوس وازداد في الوقت نفسه الاهتمام بالتغيرات الاجتماعي ة في تفسير الظاهرة السكانية كان منتظر اً أن تظهر تفسيرات جديدة حول زيادة السكان لقد وضع مالتوس أسلوبا في النظريات السكانية اتبعته اغلب النظريات التي ظهرت بعده لتفسير زيادة السكان إلا أنها كانت تنتهي عادة بنتائج أكثر تفاؤلا مما انتهت عليه نظرية مالتوس ونميز بين نوعين من النظريات ، مجموعة النظريات الطبيعية من ناحية ومجموعة النظريات لاجتماعية من ناحية أخرى.
1 النظريات الطبيعية: تعتمد النظريات الطبيعية أساسا على الاعتقاد بأن طبيعة الإنسان نفسه وطبيعة العالم -الذي يعيش فيه تتحكمان في نموه بنسبة معينة، وهذا النوع من النظريات يرينا كيف كان علماء الحياة يحاولون إيجاد قانون نمو السكان يتمكنون به من معرفة ما حدث في الماضي وما سيحدث في المستقبل دون أي تدخل من الإنسان من ناحية القيم أو الاتجاه ات ومن أبرز علمائه:
1-1 هربرت سبنسر: إعتقد سبنسر بوجود قانون طبيعي يعفي الإنسان من أية مسؤولية من التحكم في زيادة عدد أفراده، ويرى أن الطبيعة حققت هذه الغاية عن طريق إضعاف إهتمام الإنسان بالتناسل في حين
يؤدي به تخصص المزيد من الوقت و الجهد إلى التنمية الشخصية و العلمية و الاقتصادية ، لقد أكدت نظرية سبنسر على العلاقة بين زيادة السكان و الحضارة بمعنى: كلما تعقدت الحضارة كلما زاد الجهد الفسيولوجي للإنسان وهو ما يترتب عليه قلة الإنجاب وبإختصار فان التقدم الحضاري ونضجه غير ملائم للإخصاب المرتفع .
1_2 كورادو جيني: تتمثل أفكاره في: يسلم بأن المجتمع يمر بثلاث مراحل، هي النشأة والتكوين والتقدم والازدهار والاضمحلال والفناء، افترض أنه في كل مرحلة من مراحل تطور وتغير المجتمع يمكن أن نلاحظ خصائص محددة تميز نمو السكان ونتائج تترتب على هذا النمو تؤثر في مختلف جوانب المجتمع البيولوجية والمورفولوجية والاقتصادية وغيرها. ثم أخذ يبحث عن الشواهد الواقعية التي تؤكد الارتباط بين نمو السكان وتغير المجتمع فلاحظ:
أ- مرحلة النشأة: تتميز المجتمعات في مرحلة النشأة بمعدل خصوبة مرتفع ويصاحب ذلك عدم وجود اختلافات اجتماعية واضحة بين سكانه وفئاته إلى طبقات مثلاً، وهذا ما كان عليه الحال في مجتمعات مثل كريت وطروادة وأثينا وأسبرط وحتى المجتمعات الحديثة مثل أمريكا واستراليا وكندا ونيوزيلاندا، ولكن نتيجة لما كان يترتب على الخصوبة المرتفعة من زيادة في حجم السكان وكثافتهم بدأ ينعكس أثر ذلك على بناء المجتمع وأخذ يصاحبه تبايناً في الأوضاع الاجتماعية واختلافاً في الطبقات.
ب- مرحلة التقدم والازدهار: عندما ينتقل المجتمع إلى هذه المرحلة يحدث تناقصاً في الخصوبة كنتيجة، لأن المواليد في المجتمع يجيئون عن نسبة صغيرة من سكان الجيل السابق على هذه المرحلة، وما يترتب على الهجرة والحروب التوسعية من نتائج تلك التي تقع على عاتق الشباب حيث يفقد المجتمع أفضل عناصره من حيث الخصوبة ويقل عدد سكانه. النتائج الاقتصادية لنقص السكان: يترتب عليه أن ينتعش الاقتصاد ويرتفع مستوى المعيشة، كما يترتب على النمو الاقتصادي ازدهاراً في الفنون والموسيقى والأدب ويصبح المجتمع أكثر ديموقراطية.
ج- مرحلة الاضمحلال والفناء: يقل عدد السكان، ويتناقص في الريف لنمو التصنيع والتوسع في هجرة العمالة من الريف إلى الحضر، فضلاً عن النقص الشديد في معدل الخصوبة في المراحل السابقة.
1- 3- توماس سادلر: كان يرى بأن القانون الطبيعي الذي يحكم نمو السكان على النقيض تمام اً من القانون الذي طرحه مالتوس، فكان من رأيه أن ميل البشر إلى الزيادة سوف يتناقص بالطبيعة كلما زاد الازدحام وأن أعدادهم تتوقف عن الزيادة حينما يستطيع عدد من الناس تحقيق أكبر قدر من السعادة مع تساوي جميع الأشياء الأخرى ، وفي هذا الصدد يقول " إن مبدأ الزيادة في أعداد البشر يمكن التعبير عنه بإيجاز شديد كالآتي: أن توالد الب شر إذا تساوت جميع الأشياء الأخرى يتناسب تناسب عكسي اً مع تركزهم وأن التغير في هذا التوالد لا يتحقق بسبب التعاسة والبؤس ولكنه يتحقق بفعل سعادة النوع ورخائه ".
1- 4 توماس دبلداي: لقد رأى دبلداي أن التزايد في عدد السكان يرتبط ارتباط اً عكسي اً بمورد الغذاء، فكلما تحسنت موارد الغذاء المتاحة للإنسان كلما أبطأت الزيادة في أعدادهم و في كل المجتمعات فإن الفقر يشجع على الخصوبة العالية لدى السكان، ومن تم نرى زيادة مستمرة في عدد الذين لا يحصلون إلا على قدر من الغذاء، بمعنى آخر أن الزيادة في صفوف السكان الأشد فقر اً أما الأغنياء الذين يتمتعون بكفاية الغذاء فإن عددهم في تناقص مستمر، وبين هاتين الطبقتين الفقراء والأغنياء توجد طبقة وسطى يحصل أفرادها على كفايتهم من الغذاء ويعيشون عيشة وسط اً ويكون عدد سكانها ثابت، إذا نستخلص أن الزيادة أو النقص في مجموع السكان الكلي يتوقفان عل ى التناسب العددي بين هذه الحالات الثلاث في كل مجتمع .
2- النظريات الاجتماعية: تقوم النظريات الاجتماعية على أساس آخر هو أن نمو السكان ليس موضوعاً لأي -قانون طبيعي ثابت وإنما نتيجة للظروف الاجتماعية التي يحد فيها الناس أنفسهم أي أن نوع نمو السكان يخضع لعدد كبير من العوامل المختلفة التي يتحدد عددها تبعا لأنواع البنيات الاجتماعية التي يعيش فيها الناس.
2-1 - الكسندر كار سوندرز: باحث انجليزي اهتم بدراسة الظواهر السكانية وعرض قضاياه النظرية في مؤلف له بعنوان )سكان العالم( وتتلخص قضاياه فيما يلي:
يسلم بأن السكان في أي مجتمع إما أن يكونوا قلة أو كثرة أو عند حل أمثل، ويمكن أن نفرق بين أنواع كثافة السكان هي الكثافة الفيزيقية والكثافة الإحصائية والكثافة الاقتصادية.
يفترض أن هناك علاقة بين حجم السكان وبين موارد الثروة في المجتمع من أرض زراعية أو ثروة معدنية أو غيرها من موارد لازمة للإنتاج، ويصف المجتمع الأمثل الذي يكون في حالة الوسط بين القلة والكثرة
وبلغ إنتاجه أقصاه مع عدم الزيادة في عدده. أخذ يحصر الأدلة على صحة افتراضه وذلك بالنظر إلى حقيقة دخل الفرد في المجتمع والمترتب على موارد الثروة به. وبناء على هذه الشواهد يذهب إلى أنه يمكن استخلاص مقياس يمكن بواسطته التعرف على مستوى القلة أو الكثرة أو الحجم الأمثل الذي قد يصل إليه السكان ويتمثل في أنه إذا كان متوسط دخل الفرد آخذ في الزيادة دل هذا على أن عدد السكان في هذا المجتمع عند حد القلة، إما في حالة استقرار الدخل كان العدد عند الحد الأمثل، أما في حالة الهبوط تدريجياً فإن عدد السكان يكون عند حد متزايد.
2-2- كنجزلي ديفز: عالم اجتماعي أمريكي أعار موضوع السكان جانباً كبيراً من اهتماماته ووضع عدة مؤلفات ومقالات في هذا الصدد، وعرض قضاياه النظرية في مقال له بعنوان نظرية التغير والاستجابة في التاريخ الديموغرافي الحديث، ويمكن أن نلخص قضاياه على النحو التالي:
يرفض كنجزلي ديفز النظريات التي تحاول تفسير التغير الاجتماعي بالرجوع إلى عامل واحد فقط، لكنه يميل إلى التوازن الاجتماعي وهو التوازن بين عدد السكان ومتطلبات البناء الاجتماعي ويقصد بذلك الموارد التي يجب تخصيصها للمحافظة على البناء الاجتماعي، أو بعبارة أخرى لتحقيق الأهداف الدينية والتربوية والفنية والترفيهية والسياسية التي يرمي إليها المجتمع. إذا اختل هذا التوازن نتيجة لزيادة عدد السكان يميل السكان إلى التكيف مع هذه الظروف بالمتغيرات الوسطية كتأخير سن الزواج أو الإجهاض أو تنظيم الأسرة أو التعقيم.
يرى أن السبب الحقيقي الذي أدى إلى هبوط عدد المواليد هو إمكانية الرفاهية المتزايدة من الفرص الجديدة المتاحة، فتزداد بالتالي تكاليف التنشئة الاجتماعية التي تهدف إلى إعداد الطفل للاستفادة من هذه الفرص الجديدة، فالتغير الذي حدث في مستوى الرفاهية والإمكانات الجديدة التي أتيحت أمام الأفراد أدى إلى ظهور استجابات متنوعة كتأجيل سن الزواج وانتشار وسائل منع الحمل والإجهاض.
2 – 3- آرسين ديمون: يرى أن الفرد في المجتمع يميل إلى الإرتفاع إلى مستويات إجتماعية أعلى في شكل حراك اجتماعي " الطموح الاجتماعي "، وفي ارتفاعه هذا يصبح أقل قدرة من الناحية الاجتماعية على
الأنجاب، وهو يعتبر أن انهماك الفرد في تحسين أحواله الشخصية يعد علامة من علامات تدهور المجتمع وضعف الروح القومية وهو عامل من عوامل تفكك الأسرة وضعف الإنسان كم ا ي شير إلى أن الهجرة إلى المدن هي عامل سلب آخر في تنمية المجتمع.
2 – 4 - كارل ماركس: ينكر كارل ماركس أن الفقر والشقاء يرجعان إلى ميل طبيعي في الإنسان إلى إنجاب عدد من الأطفال )كما قرر مالتوس من قبل(، ويرى أن الفقر والبؤس إنما يدنيان بوجودهما في زمان ومكان معينين إلى النظام الذي يكون سائد اً فيهما فيعجز عن تشغيل أفراد المجتمع تشغيلا كاملا ، وقرر ماركس "أيضا أنه لا يوجد قانون عام ثابت للسكان وإنما لكل عصر ولكل مجتمع قانون خاص به ويفترض
"ماركس" أن ه لا يوج د س كان فائضون عن الحاجة ولا فقر أو بؤس إذا تحول النظام الرأسمالي إلى النظام الإشتراكي أي ظروف الزمان الاقتصادية هي التي تخلق مشكلة السكان وليست بعض المتغيرات الثابتة في الطبيعة كم ا ين ادي جماع ات النظريات الطبيعية الذين يبحثون عن قانون واحد ثابت ينطبق على كل زمان ومكان، ومع كل أبعاد هذه النظرية الإيديولوجية فلقد ثبت بالدليل القاطع فشلها نظريا وواقعيا فمعظم الدول الاشتراكية تعاني من الإنفجار السكاني وهي تعاني كذلك من التخلف الاجتماعي والاقتصادي.