3. المبحث الثاني: أهم الفلاسفة الذين حاولوا التوفيق بين الفلسفة والدين:
1 - الكندي:
هو أبو يوسف يعقوب بن اسحق سمي بالكندي نسبه إلي بلدتة كندة مـن بنـي كهلان ببلاد اليمن، وهو فيلسوف العرب وأول من فلسف منهم آخذ بمـذهب المشـاءين وتأثر بفلسفة أرسطو مصطبغة بالأفلاطونية المحدثة، ولد ونشأ بالكوفة وكان أبوه أميـراً عليها، درس وتع لّم في البصرة، ثم بغداد علوم الدين واللغة والأدب بدأ حياتـه العقليـة متكلما ً، وشارك المعتزلة في بحوثهم المتعلقة بالعدل والتوحيد والاستطاعة والنبوة، ولـه فيها رسائل يذكرها القفطي في ) أخبار الحكماء(، وابن أبي أصيبعة في )طبقات الأطباء) ، وكان عالماً في الطب والفلسفة والمنطق والفلك والرياضيات والجغرافيـا والموسـيقي ، ولكنّ أكثر علمه في الفلسفة، كانت وفاته سنة 252 هـ . وهو أوّل فيلسوف حاول التوفيق بين الفلسفة والدين، وجمع في بعض تصـانيفه بين أصول الشرع وأصول المعقولات، وأتخذ من التأويل منهجا للتوفيـق بـين الـوحي والعقل وقد مهد الكندي بمصنفاته ونظرياته مجال البحث لمن جاء بعده مـن الفلاسـفة والعلماء. وأحرز مكانة عند الخلفاء العباسين -المأمون والمعتصم والمتوكل - من أشـهر مؤلفاته في الفلسفة كتب الفلسفة الأولي، الفلسفة الداخلة، المسائل المنطقية، البحـث فـي تعليم الفلسفة، مسائل في المنطق .
أكدّ الكندي في رسالته إلى المعتصم بالله وحدة الغاية بين عمل الفلسفة وما يأتي عن طريق الأنبياء والرسل؛ فقال: لأنّ في علم الأشياء بحقائقها: علـم الربوبيـة، وعلـم الوحدانية، وعلم الفضيلة، وجملة علم كل نافع، والسبيل إليه، والبعـد عـن كـل ضـار، والاحتراس منه واقتناء هذه جميعا هو الذي أتت به الرسل الصادقة عن الله جل ثنـاؤه؛ فإن الرسل الصادقة إنما أتت بالإقرار بربوبية الله وحده، وبلـزوم الله وحـده، وبلـزوم الفضائل المرتضاة عنده. المجردة والكلية؛ لأنها موجهة إلى الخاصة.ولذا هاجم الكندي وخصوم وأعداء الفلسفة، ودافع عن الفلسفة دفاعاً شـديدا ً، فيقول:"إنّ عداء هؤلاء للفلسفة إمّا لضيق فطنهم عن أساليب الحق، وإمّا لدرانة الحسد المتمكن من نفوسهم البهيمية، أو هو ناشئ عن سوء قصد منهم، إ نّهم غربـاء عـن الحق، وإن تتوجوا بتيجان الحق من غير استحقاق...إنّهم يعادون الفلسفة دفاعـاً عـن كراسيهم المزورة التي نصبوها من غير استحقاق، بل للترؤس والتجارة بالدين، وهم عدماء الدين، .. ويحق أن يتعرى من الدين من عاند قنية علم الأشياء بحقائقها وسماها كفراً.([1]) وهكذا يعتقد الكندي بوجود الاتفاق بين الفلسفة والدين ويجمع بينهما على أهداف وحقائق واحدة، ويرى أنّ غرض الفيلسوف في عمله إصابة الحق وفي عمله العمـل بالحقّ، وأنّ الفلسفة أشرف صناعة، ودراستها واجبة على من أقرها ومـن أنكرهـا، وهي تسير في ركاب الدين خادمة له. ([2])
2 ـ الفارابي:
هو أبو نصر محمَّد بن محمَّد طرخان أوزلغ الفارابي الفارسي الأصل، ويُعرف بالمعلم الثاني .ولد في مقاطعة فاراب من بلاد الترك سنة 259 هـ، ونشـأ فـي بلدتـه، وحصل فيها على مبادئ العلوم، رحل إلى إيران فتعلّم اللغة الفارسية، وانتقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى بغداد، فتعلّم فيها اللغة العربية، ولما دخلها كان بها أبو بشر متى بـن يونس الفيلسوف المشهور، فحضر حلقة درسه درس الرياضيات، والطـب، والفلسـفة، رحل إلى مدينة حرّان، وفيها يوحنا بن حيلان الفيلسوف النصراني، فاستفاد منه، وأخـذ عنه .كان يحسن اللغة اليونانية، وأكثر اللغات الشرقية المعروفة في عصره . تناول جميع كتب أرسطو، ومهر باستخراج معانيها، والوقوف على أغراضه فيها، وكان مـن أكبـر فلاسفة المسلمين، ولـم يكن منهم من بلغ رتبته في فنونه، وأبو علي بن سينا انتفع مـن تصانيفه وتتلمذ عليها. له مؤلفات كثيرة، بلغت أكثر من مئة مؤلف منها، الفصوص، آراء أصول المدينة الفاضلة، إحصاء الإيقاعات، المدخل إلـى صـناعة الموسـيقى، والآداب الملوكية، مبادئ الموجودات، إبطال أحكام النجوم، أغراض ما بعد الطبيعـة، السياسـة المدنية، جوامع السياسة، النواميس، الخطابة، حركة الفلك سرمدية، فيلسـوف العـرب، كتاب التعليقات، إحصاء العلوم، رسالة في العقل وغيرها.([3]).
يرى الفارابي أنّ الدين الإسلامي لا يناقض الفلسفة اليونانية، وإن كانت هناك فروق ومتناقضات ففي الظواهر لا في البواطن، ويكفي لإزالة الفروق أن نعمد إلـى التأويل الفلسفي ونطلب الحقيقة المجردة من وراء الرموز والاسـتعارات المختلفـة. فالدين والفلسفة يصدران عن أصل واحد هو العقل الفعال،([4]) ومن ثـمّ فـلا فـرق بينهما، ولا خلاف بين الحكماء والأنبياء وبين أرسطو ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. وحاول أن يثبت أن لا خلاف بين الفلسفة اليونانية، وبـين عقائـد الشـريعة الإسلامية، وعنده أنّ الفلسفة والدين أمران متفقان، لأنّ كلا منهما حـق، والحـق لا يخالف الحق.([5])
وكذلك آمن الفارابي بوحدة الحقيقة مما حدا به إلى التوفيق بـين الحكيمـين أفلاطون وأرسطو كخطوة أولى في سبيل التوفيق بين الوحي والعقل، على أساس أنّ كلا من النبي والفيلسوف يستمد الحقيقة من العقـل الفعـال واهـب الصـور، وأنّ الاختلاف بينهما إ نّما هو اختلاف في طريقة الوصول، وكيفية عرض هذه الحقـائق؛ ذلك أنّ النّبي بحكم ما عنده من قوة المخيلة يتصل اتصالاً مباشـراً بالعقـل الفعـال؛ فتفيض عليه الصور والحقائق بدون عناء، وتعرض هذه الحقائق في قالـب مبسـط ومشخص ً تقريبا للأذهان؛ لأنها موجهة إلى عامة الناس وجمهـورهم فـي حـين أن الفيلسوف بحكم ما عنده من القوة العاقلة، وبتدخل من العقل الفعال يدرك الحقائق في صورها. لذلك نجد عند الفارابي"أن النبي والفيلسوف يرتشـفان مـن معـين واحـد ويستمدان علمهما من مصدر رفيع، والحقيقة النبوية و الحقيقة الفلسـفية همـا علـى السواء نتيجة من نتائج الوحي، وأثر من آثار الفيض الإلهي على الإنسان".([6])
بل يذهب الفارابي إلى أبعد مـن ذلـك حـين يقـدر أن موضـوعات الـدين وموضوعات الفلسفة واحدة، يقول فـي كتابـه )تحصـيل السـعادة (فالملـة محاكيـة للفلسفة...وهما تشتملان على موضوعات بأعيانها، وكلاهما تعطي المبـادئ القصـوى للموجودات، وتعطيان الغاية القصوى التي لأجلهـا كـون الإنسـان، وهـي السـعادة القصوى، والغاية القصوى، وكل ما بين الدين والفلسفة من فرق عنـد الفـارابي هـو أن الفلسفة تعطينا الأدلة والبراهين العقلية والدين يعطينا الأدلة والبراهين الإقناعية.([7])
مما سبق يتبين أنّ الفارابي يرى أنّ الدين والفلسفة يرميان إلى تحقيق السعادة عن طريق الاعتقاد الحق، وعمل الخير وأن موضوعاتهما واحدة، والمعـارف كلهـا صادرة عن واجب الوجود بواسطة العقل الفعال وحياً كانت تلـك المعرفـة أم غيـر وحي، فلا فرق بين الفلسفة والدين من جهة غايتهما، ولا من جهة مصادرهما.
3 - ابن سينا: الفيلسوف ابن سينا:هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، ينتمي إلى الطائفة الإسماعيلية ذكر يحي بن أحمد الكاشي قول ابن سينا عن نفسه فقال:" وكان أبي ممن أجاب داعي المصريين ويعدّ من الإسماعيلية، وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل على الوجه الذي يقولونه ويعرفونه هم وكذلك أخي، وكانوا ربّما تذاكروا ذلك وأنا أسمع وأدرك ما يقولونه ولا تقبله نفسي وابتدءوا يدعونني إليه".([8]) كان ابن سينا عالماً وفيلسوفاً وطبيباً وشاعراً ولُقِّب بالشيخ الرئيس والمعلم الثالث بعد أرسطو والفارابي، كما عرف بأمير الأطباء وأرسطو الإسلام،ولد ابن سينا في قرية (أفشنة) الفارسية في صفر من سنة 370 هـ. ثم انتقل به أهله إلى بخارى، وفيها تعمّق في العلوم المتنوعة من فقه وفلسفة وطب، وبقي في تلك المدينة حتى بلوغه العشرين. ثم انتقل إلى خوارزم، حيث مكث نحواً من عشر سنوات( 392-402 هـ)، ومنها إلى جرجان، فإلى الرّي. وبعد ذلك رحل إلى همذان وبقي فيها تسع سنوات، ومن ثم دخل في خدمة علاء الدولة بأصفهان. وهكذا أمضى حياته متنقلاً حتى وفاته في همذان، في شهر شعبان سنة 428هـ.
ومن أساتذته: أبو بكر أحمد بن محمد البرقي الخوارزمي، وقد تلقى على يديه علوم اللغة، ودرس الفقه على يد أستاذه إسماعيل الزاهد، وعلوم الفلسفة والمنطق على أبي عبد الله الناتلي، وتتلمذ ابن سينا على كتب الفيلسوف أبي نصر الفارابي، وكتب الفيلسوف اليوناني أرسطو.
أمّا مؤلفاته فكثيرة، ومنها: 1- الشفاء في أربعة أقسام هي: المنطق، الرياضيات، الطبيعيات، الإلهيات 2- النجاة 3- الإشارات و التنبيهات 4- القانون في الطب4-منطق المشرفين 5- رسالة في ماهية العشق6- أسباب حدوث الحروف7- مجموعة من الرسائل منها: رسالة في الحدود، رسالة في أقسام العلوم العقلية، رسالة في إثبات النبوات8- رسالة حي بن يقظان 9-رسالة أضحوية في أمر المعاد.
وقد كفّر جمع من أهل العلم ابن سينا، بل حكم عليه بعضهم بالزندقة والإلحاد، ومن هؤلاء: أبو حامد الغزالي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن قيم الجوزية، لقوله بعدة عقائد فاسدة منها: قدم العالم، وعدم علم الله تعالى بالجزئيات، وإنكاره البعث الجسماني.([9])
وأمّا أصل فلسفته: فيقول ابن تيمية: "وابن سينا تكلم في أشياء من الإلهيات والنبوات والمعاد والشرائع لم يتكلم فيها سلفه ولا وصلت إليها عقولهم ولا بلغتها علومهم، فإنّه استفادها من المسلمين، وإن كان إنّما أخذ عن الملاحدة المنتسبين إلى المسلمين كالإسماعيلية، وكان أهل بيته من أهل دعوتهم من أتباع الحاكم العبيدي، الذي كان هو أهل بيته وأتباعه معروفين عند المسلمين بالإلحاد، أحسن ما يظهرونه دين الرفض، وهم في الباطن يبطون الكفر المحض".)[10]( ويقول: "وابن سينا لمّا عرف شيئاً من دين المسلمين وكان قد تلقى ما تلقّاه عن الملاحدة، وعمّن هو خير منهم من المعتزلة والرافضة، أراد أن يجمع بين ما عرفه بعقله من هؤلاء، وبين ما أخذه من سلفه، فتكلم في الفلسفة بكلام مركّب من كلام سلفه ومما أحدثه، مثل كلامه في النبوات وأسرار الآيات والمنامات، بل وكلامه في بعض الطبيعيات والمنطقيات... فابن سينا أصلح تلك الفلسفة الفاسدة بعض إصلاح،حتى راجت على من لم يعرف دين الإسلام من الطلبة النظار، وصاروا يظهر لهم بعض ما فيها من التناقض".([11])
ويقول عبد الرحمن بن خلدون:" ثمّ كان بعده- أرسطو- في الإسلام من أخذ بتلك المذاهب واتبع فيها رأيه حذو النعل بالنعل إلا في القليل، وذلك أن كتب أولئك المتقدمين.. تصفّحها كثير من أهل الملة(الإسلام) وأخذ من مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلوم، وجادلوا عنها واختلفوا في مسائل من تفاريعها، وكان من أشهرهم:أبو نصر الفارابي وأبو علي ابن سينا".([12])
يرى ابن سينا ما رآه أستاذه الفارابي من قبل من أنّ الفلسفة متآخية مع الدين ومؤدية إلى ما يؤدي إليه، فنجده في مجموع رسائله(في الحكمـة والطبيعيـات).( ([13] يقول:"ومبادئ هذه الأقسام التي للفلسفة النظرية مستفادة من أرباب الملة الإلهية على سبيل التنبيه، ومتصرف على تحصيلها بالكمال بالقوة العقلية على سبيل الحجة ".وفي رسـالته )في أقسام العلوم العقلية ( بعد أن تكلم عن أقسام الحكمة يقول:" فقـد دللـت على أقسام الحكمة )أي الفلسفة (، وظهر أنه ليس شيء منها يشتمل على مـا يخـالف الشرع، فإنّ الذين يدعونها ثم يزيغون عن منهاج الشرع إنّما يضـلون مـن تلقـاء أنفسهم، ومن عجزهم وتقصيرهم، لا أنّ الصناعة نفسها توجبه فإنّها بريئة منهم.( ([14]
4 ـ ابن رشد:
هو محمدُ بن أحمدَ بن محمد القرطبي، يعرف بالحفيد تميزاً عـن جـدِّه الفقيه الذي يحمل اللقبَ َ ذاتهُ. ولد بقرطبةَ سنة 520 هجريَّة) 1126 ميلاديَّة (ونشأ بها ودرس الفقهَ والأصولَ وعلمَ الكلامِ، وكان ينشد التوفيق بين الفلسفة والـدين، وعُنِـىَ بكلامِ أرسطو وترجمه إلى العربيَّة وزاد عليه .كان طبيباً وفيلسوفاً يميل إلى علـوم الفلاسفة فكانت له الإمامةُ.يقال عنه أنه ما ترك الاشتغال بالعلم سوى ليلتـين: ليلـة موتِ أبيه وليلة عرسِه.تُوفى بمراكش سنة 595 هجريَّة 1198 ميلاديَّة.)[15](
لقد استفاد ابن رشد من محاولة الفلسفة الذين سبقوه في التوفيق بين الفلسـفة والدين أمثال ابن سينا والفارابي وابن طفيل، وكان توفيق ابن رشد يقصد به البرهنـة على أنّ طبيعة الدين تتلاءم مع طبيعة الفلسفة، ومعنى ذلك أنه كان يهدف إلى إظهار العلاقة القوية بين الدين والفلسفة، أو الحكمة والشريعة-علـى حـد تعبيـره- وقـد خصص لهذه الغاية كتابيه ) فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة مـن الاتصـال (و(الكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة) ذلـك بالإضـافة إلـى معالجاتـه لهـذا الموضوع في كتابه )تهافت التهافت) في مناسبات مختلفة ومواضع متعددة.فابتداءً انّه يقرّ بكون الفلسفة تفحص عن كل ما جاء في الشرع، ً معترفا بأنّها قد تدرك ما تبحث عنه، وقد لا تدركه، الأمر الذي يعـول فيه على الشرع.([16])
وقد صنّف ً كتابا لموضوع التوفيق )فصل المقال فيما بين الحكمة والشـريعة من الاتصال ص (2 ومما قال فيه: "الفلسفة والمنطق والشريعة، هل أوجـب الشـرع الفلسفة؟ فإنّ الغرض من هذا القول أن نفحص على جهة النظر الشرعي هل النظر في الفلسفة وعلوم المنطق مباح بالشرع أم محظور أم مأمور به، إما على جهة النـدب، وإما على جهة الوجوب ".ويرى ابن رشد أنّ العلاقة بين الدين والفلسـفة نابعـة مـن الشرع ذاته، حيث يرى أنّ الشرع قد حث على دراسة الفلسفة، عن طريق دعوته إلى النظر العقلي في الموجودات، وأنّ النظر الصحيح لا يمكن أن يؤدي إلى مخالفة مـا ورد به الشرع، بل يقطع بذلك قطعاً.
يقول ابن رشد :"إذا كانت هذه الشريعة حقاً وداعيةً إلى النظر المؤدي إلـى معرفة الحقّ، فإنّا معشر المسلمين نعلم على القطع أ نّه لا يؤدي النظر البرهاني إلـى مخالفة ما ورد به الشرع، فإنّ الحقّ لا يضاد الحقّ بل يوافقه ويشهد له .. وإنّ النظـر في كتب القدماء واجب بالشرع، إذ كان مغزاهم كتبهم ومقصدهم هو المقصـد الـذي حثنا الشرع عليه، وأنّ من نهى عن النظر فيها من كان أهلاً للنظر فيها وهـو الـذي جمع أمرين أحدهما ذكاء الفطرة والثاني العدالة الشرعية والفضيلة الخلقية -فقد صـد الناس عن الباب الذي دعا الشرع منه الناس إلى معرفة الله و باب النظر المؤدي إلى معرفته حق المعرفة".([17]) وقال أيضا :"إنّ الحكمة هي صاحبة الشريعة،والأخت الرضيعة فالإذاية ممن ينسب إليها أشدّ الإذاية مع ما يقع بينهما من العداوة والبغضاء والمشـاجرة ، وهمـا المصطحبتان بالطبع، المتحابتان بالجوهر والغريزة".([18]) والحق أنّ ابن رشد أخذ يوافق بين الفلسفة والنصوص الشرعية، بضروب شتى من التأويل المتكلف. ومن المعلوم أنّ موقفه من الفلسفة ومحاولته التوفيق بينهـا وبـين الشريعة الإسلامية قد سببت له ً كثيرا من المتاعب والمحن.
[1]- انظر رسالة الكندي إلى المعتصم بالله ص .82 -81
[3]-انظر ترجمته عيون الأنباء، 224 -223 /3 ، البداية والنهاية .237 /11
[4]- العقل الفعال:هو الوحي كما يتصوره الفلاسفة، وسيأتي توضيحه في مبحث كلام الله عند السلف.
[5]- انظر التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية:د.عبد الرحمن بدوى ص 80 -.78 تاريخ الفلسفة العربية :حنا الفاخوري وخليل الجسر ص .106
[6]- في الفلسفة الإسلامية منهج وتطبيقه: د.إبراهيم مدكور.96 /1
[7]- كتاب تحصيل السعادة: الفارابي ص 41 -40 ، طبعة مصرية .
[8]- في رسالته: نكت في أحوال الشيخ الرئيس ابن سينا، تحقيق الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، منشورات المعهد العلمي الفرنسي بالقاهرة 1952م ص10.
[9]- انظر ترجمته: عيون الأنباء في طبقات الأطباء: ابن أبي أصيبعة، مكتبة الحياة- بيروت- 1965م ص437-459، تاريخ الحكماء: ابن القفطي، طبعة ليبزج، ألمانيا 1903م ص وما بعدها 413، ظهير الدين البيهقي: تاريخ حكماء الإسلام، تحقيق محمد كرد علي، المجمع العلمي العربي- دمشق- مطبعة الترقي 1946م ص52-72.
[10] - الرد على المنطقيين: أحمد ابن تيمية، إدارة ترجمان السنة-لاهور، باكستان- 1396ه-1976م، ص141-142 مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن محمد بن قاسم، مكتبة النهضة الحديثة- مكة 9/133.
[11] - الردّ على المنطقيين ص144-145.
[12] - مقدمة ابن خلدون، دار إحياء التراث العربي_ بيروت- ص515.
[13] - ص 3 طبع هندية بمصر ، سنة 1908 م
[14] - تسع رسائل في الحكمة والطبيعيات ص .118
[15] - انظر حياته وثقافته: النزعة العقلية في فلسفة ابن رشـد:د.عـاطف العراقـي، الطبعـة الخامسـة، ومقدمة الكشف عن مناهج الأدلة لابن رشد: للـدكتور محمود قاسم.
[16] - انظر تهافت التهافت، طبعة بيروت ص .503
[17]- فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ص 32 -31
[18]- المرجع السابق ص .67