2. عوامل نشأة و تطور علم السكان
1- عوامل تطور علم السكان : نشأ علم السكان كمحصلة لتضافر مجموعة من العوامل والظروف ،والتي عملت على ايجاد الحاجة الماسة لوجوده وخلق البيئة المناسبة لذلك ،وهي التي مكن ايجازها في :
- الانفجار السكاني : ظل النمو السكاني طيلة العهود الماضية يتسم بطابع دوري ،يمر فيه معدل النمو بدورات ارتفاع وانخفاض على مستوى العالم كله ،وهو ما جعل خط النمو السكاني ثابتا عند نفس المستوى تقريبا ،مع بعض الارتفاعات والانخفاضات الضئيلة والمؤقته ،غير أن الذي حدث منذ منتصف القرن السابع عشر ناقض المألوف عليه ،وسمح بتحقيق قفزة نوعية في عدد السكان منذ ذلك الحين ،حيث أصبحو يقدرون بـ 2.5 مليار نسمة في ظرف 3قرون ، بعدما لم يكن يتجاوز عددهم 1.5 مليار نسمة في سنة 1650 ،حيث أن متوسط الزيادة في عدد السكان كل 10 سنوات اعتبارا من القرن 17 كان يقدر بـ 2.7% ،وقد أصبح هذا المتوسط في النصف الأول من القرن 18 يقدر بـ 3.2% ،قبل ان يرتفع في النصف الثاني من ذلك القرن الى 45 % ، في حين قدرت في النصف الأول من القرن 19 بـ 5.3% ،وفي النصف الثاني منه بـ 6.5 % أما في مطلع القرن 20 فكان عدد سكان العالم يتزايد بما معدله 8.3 % في كل 10سنوات ،وهي الفترة التي لا تضاهي في الحقيقة أكثر من مجرد دقائق ،بالنسبة لمئات الألوف من السنون التي مرت من تاريخ الانسان على سطح الارض ،فلا غرو اذن أن يرتفع عدد العاكفون على دراسة النمو السكاني ،عندما يتطلعون للمستقبل على ضوء أوضاع الماضي القريب ،متسائلين عن سر ذلك ،وتداعياته ،وامكانية تدارك ما وقع منه.....الخ
- تقدم البحث في علم الاحصاء : سمح التوسع المسجل في مجال استخدام المسوح الميدانية سواء في مجال تحديد العوامل المؤثرة في معدلات المواليد وتوقيت الولادة ... أو غيرها من الجوانب الاخرى ،وكذا التطور الحاصل في مناهج وتقنيات البحث والتحليل المنتهجة ،كما هو الحال بالنسبة لتحليل اتجاهات الخصوبة ،بفعل عمليات الاقتباس والاستعارة والتكامل الناشئ بين العديد من الحقول المعرفية ، على نمو وتقدم البحث بها نحو مستويات أكثر دقة ومصداقية ، في مجال مقاربة الحقيقة العلمية ،وتشجيع تزايد الاعتماد عليها من قبل الكثير من دوائر الحكومية والهيئات الرسمية ،لا سيما في مجال القدرة على التنبؤ وفعالية اتخاذ القرار
- التطور العلمي والتكنولوجي : أتاح التطور الهائل الذي حدث في مجال العلوم الطبية منذ مطلع القرن السابع عشر ، وما صاحب ذلك من تطور مماثل في المجال الصيدلانية ، من القضاء على الكثير من الأمراض والأوبئة ،والتي ظلت متوطنة في الكثير من مناطق العالم منذ عقود طويلة ، كأمراض الكوليرا ، الملاريا ، السل ،كساح الأطفال ، الحمى القرمزية .....والتي مافتئت تفتك سنويا بارواح الآلاف من الناس من مختلف الفئات العمرية ،الأمر الذي نتج عنه انخفاض محسوس في معدلات الوفيات ،في مقابل تزيد تدريجي في مستويات الرعاية الصحية المقدمة ،وانسحاب أثر ذلك سريعا على معدلات المواليد ، مما تسبب في احداث التغيرات سكانية عميقة في عدة مجتمعات .وهو ماكان مدعاة لإثارة اهتمام الكثير من المفكرين آنذاك والذين سارعو الى حاولة فهم وتلمس عوامل هذا التغير وافرازاته اللاحقة...
- نشأة هيئات دولية متخصصة : لعب العامل الدولي (الخارجي) دور جد فعال في تعزيز مكانة الديموغرافيا ،وتوسيع نطاق انتشارها في الكثير من مناطق العالم لاسيما النامي منه ،وذلك من خلال حجم الجهود التي كانت ترعاها منظمة الامم المتحدة كالمكتب الاحصائي للأمم المتحدة ،منظمة الصحة العالمية ،منظمة الأمم المتحدة للسكان... والتي نجحت في في انشاء مراكز اقليمية للدراسات السكانية في كل من القاهرة،بومباي ،سان سلفادور بالشيلي...أو من كانت خاضعة منها لوصاية بعض الدول كفرنسا ،انجلترا ،استراليا ،الولايات المتحدة الامريكية ،اليبان ... أين استهدفت جميعها من وراءذلك تحقيق جملة من الأغراض،أبرزها الآتي :
- دعم وتعزيز قدرات البلدان من أجل استخدام سليم للبيانات السكانية
- تبادل الخبرات في مختلف جوانب تنفيذ خطط العمل الخاصة بالسكان والتنمية .
- اقتراح خطط وبرامج عمل وآليات في مجال التصدي أو تشجيع النمو السكاني .
- تقديم الدعم للجهود الخاصة بالتنفيذ جدول أعمال برنامج الأمم المتحدة الخاص بالسكان .
2- نشأة علم السكان :
إن التفكير السكاني قديم قدم الإنسان نفسه حيث اهتم الناس والمفكرين والفلاسفة بالمسألة السكانية، وفي هذا الصدد ظهرت كتابات سكانية على يد كونفوشيوس الصيني، وأفلاطون وأرسطو في اليونان، وابن خلدون عند العرب، إلا أن هذه الكتابات لم تستند إلى المنهج العلمي، فكانت مجرد اجتهادات فكرية وفردية تمخضت عنها آراء فلسفية، أو تصورات فردية أو وصايا دينية، أو سياسات إصلاحية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ولم تكن بناءاً متماسكاً لنظرية علمية، وإنما تميزت جل أفكارهم على عدم الاستناد على منهج علمي فكانت بمجملها اجتهادات فكرية فردية، إلا أنه يمكن اعتبارها تمهيداً للبحث العلمي في المجال السكاني، فقد ساهمت تلك الأفكار والتصورات في فتح الباب فيما بعد أمام العلماء والمفكرين في وضع نظرياتهم في هذا الخصوص، ومن هنا سوف نستعرض أهم هاته الأفكار وعلاقتها بالمنظور السكاني
1- التفكير السكاني في الحضارة الصينية: يعد كونفوشيوس أول فيلسوف صيني يفلح في إقامة مذهبيتضمن كل التقاليد الصينية عن السلوك الاجتماعي والأخلاقي ففلسفته قائمة على القيم الأخلاقية الشخصية وعلى أن تكون هناك حكومة تخدم الشعب تطبيقاً لمثل أخلاقي أعلى، كما يعتبر أبرز علماء وفلاسفة الصين إهتماماً بالقضية السكانية فقد أشار إلى فكرة الحجم الأمثل للسكان من خلال قانون تحقيق التوازن بين عدد السكان وموارد العيش، وأعتقد أن من مسئولية الحكومة أن تنقل السكان من المناطق المزدحمة بالسكان إلى المناطق الأقل في عدد السكان، وأوضح أيضاً العوامل العديدة التي تؤثر في نمو السكان وحص رها في عوامل نقص الغذاء والحروب والأوبئة والزواج المبكر، والتكاليف المبالغ فيها عند الزواج 2 .
2- التفكير السكاني في الحضارة اليونانية: يمثلها كل من الفلاسفة أفلاطون وأرسطو.
- أفلاطون: وكان موضوع الحجم الأمثل للسكان Optimum Size Of Population في الوحدة السياسية اليونانية ونعني بها المدينة الفاضلة، بالمعني الذي تقوم فيه الحكومة بالمحافظة على رفاهية وأمن المواطنين وهو المحور الذي دارت حوله كل الأفكار التي تركها لنا افلاطون في مؤلفاته " الجمهورية " و " القوانين " فيمل يتعلق بدراسة السكان 3 . أما عن الحجم الذي يبلغه السكان بحيث يسهل تسيره من طرف الحكومة ويتحقق من خلاله الاكتفاء الذاتي ويحقق أمن المواطنين وقد حدد أفلاطون العدد ب 5040 نسمة مع ملاحظة أن العبيد لا يحسبون ضمن المواطنين، ويوضح أفلاطون في كتابه القوانين مقدار العدد الأمثل للسكان في المدينة، ومبرراته ومن حيث الأساليب التي يمكن بها للحكومة أن تضغط من أجل الحفاظ على هذا الحد ويوضح مبررات اختياره لهذا العدد على أنه حد أمثل قائلا: أن هذا العدد يقبل القسمة على كل الأعداد من 1 إلى 10 كما أنه يقبل القسمة على العدد رقم12 " لأنه كان يعتقد أنه من المناسب تقسيم أ ا رضي المدينة إلى اثني عشر جزءاً من ناحية، ومن ناحية أخرى كان (أفلاطون( يظن أن لهذا العدد الأمثل دلالة ومغزى دينياً وأسطورياً لدى المواطنين الأمر الذي يؤدي بالمواطنين إلى تقديس هذا العدد في حياتهم، أما بالنسبة للأساليب التي يمكن للحكومة أن تضغط بها من أجل الحفاظ على هذا الحد، نجد أن أفلاطون يقرر أنه اذا ا زد عدد سكان المدينة عن هذا الحد الأمثل يجب أن يتدخل الحكام لإنقاصه عن طريق تحديد الزواج والنسل ومنع الهجرة إلى البلاد ، و اذا نقص عدد سكان المدينة عن هذا الحد يجب تشجيع النسل ، وأن تجازى الأسر المنسلة بالمال، ويباح للأجانب بالتجنس بالجنسية اليونانية وتستطيع الدولة التدخل لتدبير الزواج والنسل من خلال وضع القيود لتنظيم العملية."
- أرسطو: إتجه في معالجته لموضوع السكان اتجاهاً أكثر واقعية من أستاذه أفلاطون، هذا فضلاً عن أنه تناول عديداً من المسائل السكانية مثل توزيع السكان ونمو السكان والحد الأمثل للسكان. فيما يتعلق بالتوزيع السكاني فقد أشار إلى توزعه على وحدات المجتمع، ويقسمها بين الأسرة ثم القرية ثم المدينة، ثم يعالج موضوع توزيع السكان على المهن، ويقسمهم إلى من يقومون بالمهن الطبيعية " الزراعة والصيد وتربية الحيوان "، وإلى من يقومون بمهن غير طبيعية مثل التجارة والصناعة، إلى جانب ذلك تناول التوزيع العمري للسكان واجرى تفرقة بين الرجل والمرأة على أساس الاستعدادات الجسمية والعقلية. وفيما يتعلق بالنمو السكاني نجده يحذر من النمو غير المتناسب بين طبقات المدينة، وما ترتب على ذلك من ثورات فيشبه المدينة بالجسم الإنساني ويرى أنه كما يجب أن تنمو أجزاء الجسم الإنساني بالتناسب فكذلك يجب أن ينمو السكان بتناسب مماثل بحيث لا يطغي عدد السكان في طبقة ما على العدد في طبقة أخرى 5 . واذا كان أرسطو قد عنى بموضوع الحد الأمثل للسكان فإنه لم يبين على خلاف أفلاطون هذا العدد بالتحديد ولكنه اعتقد في ضرورة وجود حجم ثابت للسكان تتحكم فيه الحكومة، لأن الدولة العظمى على حد تعبيره ليست هي الدولة ذات الحجم الكبير من السكان ويرى كذلك ضرورة تدخل الدولة بالأساليب التي يمكن أن تحقق التناسب بين حجم السكان في المدينة وبين مواردهم وخاصة مساحة الأرض وقدرتها على إشباع حاجات السكان إلى الحد الذي نجده يوافق على الإجهاض أو التخلص من أي طفل يولد وبه عيب في التكوين.
3- التفكير السكاني لدى الرومان: لقد كان كتاب وفلاسفة الرومان بوجه عام يؤيدون مبدأ الحجم الكبير للسكان فقد كان الفكر السائد أن الزيادة عدد السكان ضرورة تقتضيها أهداف الدفاع والحماية من خطر المجتمعات المجاورة وشغل الأقطار التي تم غزوها، ولهذا كانت الحاجة إلى القوة العسكرية كقوة دافعة إلى سياسة التحفيز على الزيادة السكانية لذلك كانوا أكثر استهجاناً للعزوبة وأكثر تدعيماً لفكرة الزواج المبكر وإنجاب عدد كبير من الأطفال لرفع عدد المواليد .
تعتبر الحضارة الرومانية قديم اً من أكبر الحضارات توسع اً حيث كانت تقوم على مبدأ التوسع والنفوذ والاستعمار للانتشار في أكبر رقعة جغرافية ممكنة لبسط قوتها وهيمنتها على العالم والاستفادة من الثروات المنتشرة هنا وهناك ولتحقيق ذلك يجب أن يكون لها جيش كبير يسهل لها عملية التوسع، فلذلك كانت تشجع وتحث على زيادة عدد السكان من خلال التشجيع على الزواج المبكر وتحفيز الأسر على زيادة الإنجاب ومحاربة العزوبة وقلة الإنجاب والإجهاض وكل ما من شأنه أن ينقص من عدد السكان .
4- نظرة الأديان السماوية للقضية السكانية: لم تغفل الأديان السماوية عن قضية النمو السكاني فكل الديانات تشجع على الإنجاب، فالإنجاب في الديانة اليهودية يعتبر نعمة من الله أما العقم فيعتبرونه نقمة كبيرة وينهج المسيحيون أو النصارى نفس نهج اليهود بحبهم لكثرة النسل وتحريم الإجهاض وعارضوا الطلاق وتعدد الزوجات. أما الاسلام فيحث على الزواج و الترغيب فيه ودعي إلى كثرة النسل 7 استدل في ذلك على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، يقول الله تعالي في محكم تنزيله: "وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يغُنِهِمُ اللَّه منْ فَضْلِهِ وَاللَّه وَاسِعٌ عَلِيمٌ " 8، في ظاهرها، الرب جل وعلا يأمر عباده أن ينكحوا الأيامى، وهن اللاتي لا أزواج لهن،وكذلك الصالحين من عبادهم وإمائهم يزوجوهم، حتى لا يتعطل المؤمن والمؤمنة لأن العزوبة فيها خطر عظيم، ويقول صل الله عليه وسلم " تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة " 9 ]أخرجه البيهقي عن سعيد بن أبي هلال في سننه [، وشجع الرسول صل الله عليه وسلم الشباب على الزواج والتفكير فيه في قوله عَنْ عَبْد الله بن مسعود قال: كُنا مَعَ النبي صَل الله عَلَيْهِ وَسَلمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا فقَالَ لَنَا رَسُولُ ا الله صَل الله عَلَيْهِ وَسَلمَ " يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فلْيَتَزَوّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَم يَسْتَطِعْ فعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء " 10 صحيح البخاري، كما توعد الله والإسلام بالذين يقتلون أولادهم خشية الفقر في قوله: " وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحن نَرْزقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ " 11 ، أي لا تقتلوا أولادكم خشية أن تفتقروا أو يفتقروا بعدكم فإن الله يرزقهم ويرزقكم، وإملاق تعني الفقر.
5- نظرة إبن خلدون في قضية السكان:
يرى إبن خلدون في اختلاف المجتمعات من حيث السكان قليلاً كان أو كثيراً عامل نقيس به درجة تحضر بلد ما ورفاهيته، فبالنسبة لابن خلدون كلما زاد عدد الأفراد زادت درجة التعاون في انجاز الأعمال وهذا حسب رأيه يزيد من الإنتاج الذي يزيد بدوره من درجة إشباع الحاجات والرغبات فالتعاون المتأتي من العدد الكبير للأفراد يؤدي إلى ما يزيد عن الحاجة الضرورية للسكان وهذا يزيد من الترف والرفاهية وإنتاج فرص عمل فهناك حلقة مفرغة بين حجم الإنتاج والسكان فكلما زاد حجم السكان زاد الإنتاج ومنه الزيادة في الترف والزيادة في الترف تحفز على الزيادة السكانية، وفي موضع آخر في مقدمته يشير لنا أن المدن المزدهرة حضارتها والمتقدمة في ميدان العلوم والصناعة تتميز بإرتفاع العمران ) السكان ( وكلما قل سكان المدن فقدت المدن علومها وفنونها وانتقلت بدورها إلى المدن الأكثر عمرانا فبالنسبة لابن خلدون اذن وفرة العيش والزيادة في الإنتاج والتطور العلمي والترف والرفاهية عوامل تساهم في ارتفاع حجم السكان. كما ربط إبن خلدون بين البناء الديموغرافي ومراحل تطور المجتمع مؤثرة على المواليد والوفيات من خلال الظروف المجتمعة في كل طور، فحسبه المجتمعات تمر مراحل هي:
أ مرحلة الأولى "الشباب": تتميز بارتفاع عدد المواليد والخصوبة وإنخفاض الوفيات ومنه ترتفع -
معدلات النمو السكاني والزيادة الطبيعية ويرجعها ابن خلدون إلى أنه في هده المرحلة السكان
تكون لديهم ثقة أكبر في أنفسهم وأكثر نشاطا وأكثر إقبالا على العمل.
ب مرحلة الثانية "الشيخوخة": هي آخر تطور المجتمعات يزداد فيها إنتشار الأمراض والأوبئة -
والمجاعات والتمرد السياسي الأمر الذي يؤدي إلى إرتفاع عدد الوفيات ويقول أنه في المراحل
الأخيرة من تطور المجتمعات تتدنى الآمال والطموحات فتنخفض معدلات النسل لأنه ربط بين
الإنجاب مدفوعا بالطموح والآمال، وفي نهاية قراءة المقدمة نجد أن إبن خلدون قد تحدث عن
العوامل التي تؤثر في حجم السكان وتشمل الأوبئة وسماها بالطواعين والمجاعات والحروب وهي نفس العوامل التي ذكرها مالتوس وسماها بالضوابط الاجتماعية الإيجابية وأضاف إبن خلدون في الأخير عامل هو الفساد السياسي.
هذه النظرة السريعة والموجزة ،لبعض الاجتهادات التي راجت في الفكر السكاني على مر الحضارات السالفة ،وان كانت تعكس آراء عامة وغير مؤسسة بشكل اكاديمي ،فإنها تعكس وبشكل جلي مدى تجذر الاهتمام بالمسألة السكانية لديهم ،وأن مجمل ما آثاروه من قضايا متنوعة أصبح بعد ذلك مواضيع بحث متعددة ومتنوعة تبناها رواد العصر الحديث ،حيث في مطلع القرن العشرين ،بدأت تتشكل في فرنسا على الأقل معالم مدرسة في علم السكان ، من خلال أعمال مجموعة من الباحثين على غرار L.March في بداية الأمر ، متبوعا بكل من Michel Haber، Henri Bunle ، ثم Adolphe Landry.........الخ وقد ازداد هذا الوضع تحسنا أكثر بعد الحرب العالمية الثانية ،بعد أن صحا الضمير الوطني على الصعيد السياسي ،تحت تأثير ظاهرتين متعارضتين عملتا في نفس الاتجاه ،وهما الافقار السكاني في فرنسا وتقدم المجتمع نحو الشيخوخة والانقراض منذ 1939 ،والتزايد السكاني المفرط في الدول النامية ،حيث ترجم ذلك عمليا بانشاء المعهد الوطني للدراسات السكانية ،ومن بعده المعاهد الجامعية الخاصة بتدريس علم السكان ،والتي يأتي على رأسها معهد جامعة باريس سنة 1957،حيث سمحت هذه الاخيرة بسد نقص كبير في مجال المختصين في الدراسات السكانية ،بعد أن نجحت فرنسا في تكوين كوكبة من علماء السكان ،والذين باتوا يعدون حجة في العالم بأسره ،وسمحو بإبراز ميادين أخرى لتنقيب والبحث السكاني المعاصر ،كما هو الحال بالنسبة لـ الفريد سوفي ،رولان بريساRolana Pressat ... وتوجيه البعض منهم للاسهام في تكوين مختصين في دول أخرى لاسيما النامية منها .