2. الدراسات اللسانية في كتاب الخصائص

الدراسات اللسانية عند ابن جني:

يحتوي كتاب ابن جني على إشارات متعددة للدراسات اللسانية وسأحاول عرض هذه الإشارات متعددة  لنتبين استشراف ابن جني لآفاق اللسانيات.

أولا من ناحية علم الأصوات: كان عمل ابن جني ذا أهمية كبيرة في كونه السباق إلى بعض النقاط التي تدل بوضوح على اكتمال ونضج دراسة الأصوات عنده.

يعد ابن جني أول من أفرد للأصوات كتاب مستقلا ويدل على ذلك قوله( وما علمت أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض،ولا أشبعه ذلك الإشباع) ( سر صناعة الإعراب 1- (56)

وهو أول من فرق بين الصوت والحرف،حسب ما ظهر لبعض الكتاب فالصوت غير مختص ( سر صناعة الإعراب 1-10) في حين أن الحروف أينما وقعت في الكلام يراد بها حد الشيء وحدته وذلك أن الحروف حد منقطع الصوت وغايته وطرفه( سر صناعة الإعراب 1- 13-14)

كما تكتسي دراسة ابن جني أهمية من خلال بيانها لبعض القضايا، ومن الجدير ذكره أن الخليل كان يعتمد همزة الوصل المفتوحة.

ومن خلال هذا يمكن القول بأن دراسة ابن جني تعتبر الأنموذج الأكثر نضجا الذي انتهى إليه النحويون القدماء وقد ساعده تأخره الزمني عنهم فجاء بخلاصة دراسة القدماء إضافة إلى شرح وتفصيل الدرس الصوتي عند القدماء.

ثانيا : من ناحية علم الدلالة

لقد درس ابن جني في إطار علم الدلالة الفعل الرباعي الذي قرر أنه يتكون من مقطعين وستة صوتيمات  سقط  صوتيم واحد من كل مقطع بسبب إدغام المقطعين، فالفعل دحرج يتكون من فعلين عند ابن جني وهما"دحر"و"رجّ- رجج" الأول يعني دفع الشيء إلى الوراء، والثاني يعني تحريكه ولدى اجتماع المقطعين أفاد معنى دحرج الذي يعني رجّ الشيء في مكانه ليسهل دفعه إلى الوراء، وهكذا أعطى إدغام المقطعين قيمة معنوية مدلولا مركبا.

ثالثا:من ناحية العلاقة بين الألفاظ والمعاني.

وهو ما اتفق عليه الخليل وابن جني أن الحروف هي أصوات خالصة مشبها ابن جني صوتها بصوت الناي( سر صناعة الإعراب 1-8-9)وقد عقد في الخصائص بابا لمناسبة الألفاظ للمعاني وقال ( هذا موضع شريف نبه عليه الخليل وسبويه وتلقته الجماعة  بالقبول،قال الخليل كأنهم توهموا في صوت الجندب استطالة ومدا فقالوا صرّ في صوت البازي تقطيعا فقالوا صرصر)(ابن جني الخصائص 1-505)

رابعا: من ناحية علم الاشتقاق.

يعد ابن جني أول من أطلق اسم الاشتقاق على مفردات هذا العلم بل توسع فيه ونوّع أمثلته،فمهد بذلك الطريق أمام اشتقاق جديد يعتمد على إيجاد معنى مشترك عام للألفاظ التي تشترك في حرفين وتتغاير في الحرف الثالث الذي يعطي الكلمة معنى مختلفا عن أختها ويخص ذلك المعنى لها.

من ذلك استعملوا تركيب "ج ب ل" و"ج ب ن" و"ج ب ر" لتقاربها في موضوع واحد وهو الالتئام والتماسك ومنه الجبل لشدته وقوته وجبن إذ استمسك وتوقف  وتجمع ومنه جبرت العظم ونحوه أي قوته.

وختاما ،إن العلماء القدماء كانوا على قدر كبير من الدقة والعمق في تناول الموضوعات وعلى جانب أكبر من استعاب ظواهر اللغة وفهم قوانينها.