2. مجال علم الاجتماع الثقافي
2.1. منظومة الأفكار والقيم والمعتقدات
وهي التي تنتج بقية المنظومات، ولا يقتصر مفهوم الأفكار على الجانب المعنوي منها، فالأفكار هي أولا وقبل كل شيء الطبيعة أو البيئة التي نعيش فيها، فلا يمكن إعطاء اسم للون غير موجود، فوجود اللون هو ما يوجد اسمه، وهذا يعني أن الفرد لا يخلق هذه الأفكار، وإنما يعيد ترتيبها وتسميتها بعد أن يكتشف أهميتها والأسرار المودعة فيها، ومن هنا فإن المقصود بالأفكار، ناتج تفاعل العقل مع محيطه ، أما القيم كما يراها علماء الاجتماع، فهي مقياس أو معيار، للانتقاء بين بدائل وممكنات اجتماعية متاحة أمام الشخص في الموقف الاجتماعي، ويعني المعيار وجود مقياس يضاهي به الأفراد فعالية الأشياء ودورها في تحقيق مصالحهم، أما الانتقاء فيكون عملية معرفية عقلية يقوم بها الشخص ليوازن بين الأشياء ومدى نفعها لشخصه، إلا أن عملية الانتقاء أيضا محكومة بشروط وظروف اجتماعية ، ويكون مفهوم البدائل هو مجموعة الوسائل والأهداف التي تتجه نحو حاجاتهم المتعددة والمتنوعة. وفي رأي فرويد " إن الأفكار أوهام تخدعنا بها الرغبة الإنسانية لتصل إلى هدفها، وتعرية الأوهام من صبغة الحق التي يلصقها بها العقل المخدوع هي واجب العلم ، كما أن نتاجات العقل عنده هي تبريرات خلقها الإنسان المتمدن لمعارضة دفع الرغبة الجارف وذلك استنادا إلى طبيعة الإنسان الحيوانية. " (عبد الله العروي، مفهوم الإيديولوجيا، ص 42). وحتى يتأتى للمجتمع تأدية وظيفته بشكل سليم يعمل أفراده على التوافق على قيم معينة وترتيبها، وهذا ما يشكل هوية الجماعة ووحدتها . وتلعب المعتقدات الدور الأساسي في هذه المنظومة ، ذلك لأنها العنصر المتميز بالثبات والتأثير الدائم على الاتجاهات والميول، وهي عادات العقل الفكرية، التي تدلّ على الصواب والخطأ، وهي حاكمة على القيم المولّدة لسلوك الإنسان، وبالتالي فإن المعتقدات يمكنها التسلط ليس فقط على فكر الإنسان، وإنما على مشاعره وسلوكه أيضاً ، فقد تتغير الأفكار والقيم كونها عمليات مرتبطة بحالة الإنسان الظرفية، لكن المعتقدات نادرا ما يمسها التغيير كونها عناصر مفروضة على الإنسان من محيطه عكس العناصر الثقافية الأخرى التي يكتسبها إراديا، وبعبارة أدق يمكن القول أن المعتقدات تسيطر على الفرد بينما يسيطر هو على العناصر الأخرى لهويته وثقافته، فبحسب المعتقد يضع الناس نظرتهم للحياة ويبنون منهج أفكارهم وتصوراتهم وتفسيراتهم، فأن تمحو من عقل إنسان معتقد بسيط ، يتطلب محو سلسلة من البناءات الفكرية المستغرقة في ماضيه، ويقول الدكتور أحمد بن نعمان أن " الدين هو أهم عنصر يشكل المقومات الأساسية للمجتمع، وهو الذي يولد النظم الثقافية السائدة في المجتمـــع إذ لا يوجد شيء ألصق بالثقافة من الدين. " (أحمد بن نعمان، هذي هي الثقافة ، ص 127). كما أن التراث الشعبي يلتصق بحياة الأفراد وسلوكياتهم في المحيط الاجتماعي ضمن البيئة الواحدة، كما يلتصق بحياة الإنسانية في شكلها العام عبر الزمان والمكان، ويكشف نفسية الناس من خلال العلاقات الاجتماعية وتناقضاتها المرتبطة بمصالح الأفراد.( أحمد بن نعمان، نفسية الشعب الجزائري، ص 95). على أن هذا التراث هو عرضة للتغير والزوال مع مرور الزمن ،عكس المعتقدات.