1. أولا: الشراكة بين القطاع الحكومي و القطاع الخاص و المجتمع المدني
لقد جاءت الشراكة بين القطاعات الثلاثة، نتيجة لفشل الحكومات ومؤسساتها في تقديم المنتجات والخدمات بكفاءة وفعالية، وبما يتناسب أو يستجيب لاحتياجات ورغبات المواطنين وتطلعاتهم، لمواكبة ثورة المعلومات والاتصالات في المجتمعات المختلفة، كما أكدت التوجهات العالمية على أن التنمية الاقتصادية تكون أكثر سرعة وعدالة، إذ عبرت رسالة مشتركة للمجتمع ككل، ولم تقتصر على فئة بعينها.
وقد طرح موضوع الشراكة في التسعينات في الخطاب العالمي للأمم المتحدة والمؤتمرات العالمية (مؤتمر البيئة في البرازيل سنة 1992) والمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في النمسا 1993، ومؤتمر القاهرة للسكان والتنمية 1994، ومؤتمر التنمية لاجتماعية بالدنمارك 1994، ومؤتمر المرآة العالمي بيكين 1995، ومؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية 1996، وقد أكدت هذه المؤتمرات جميعا على أهمية الشراكة بين القطاعات الثلاثة.
وفي عام 1989، ظهر مفهوم الحكم الراشد في كتابات البنك الدولي عن كيفة تحقيق التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد في الدول الإفريقية جنوب الصحراء، حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو الاقتصادي، ويعني المفهوم وفقا للبنك الدولي نوع العلاقة بين الحكومة والمواطنين، وليس مجرد التركيز على فعالية المؤسسات المتعلقة بإدارة شؤون المجتمع والدولة، ولذلك يركز المفهوم على قيم المساءلة والشفافية، والقدرة على التنبؤ، والمشاركة الواسعة من جميع قطاعات المجتمع، وقد ظهر مفهوم Governance في إطار التغيير الذي حدث في طبيعة دور الحكومة من جانب، وتطور علم الإدارة العامة من جانب آخر، فعلى المستوى العملي، لم تعد الدولة هي الفاعل الرئيسي في صنع وتنفذي السياسات العامة، بل أصبح هناك فاعلون آخرون مثل المنظمات والمؤسسات الدولية، والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع الدولي.
وعلى الجانب الأكاديمي، ظهرت محاولات الاستفادة من أساليب إدارة الأعمال (استرداد التكلفة ورسوم الانتفاع، والإسناد إلى الغير) في مجال الإدارة العامة، كما حلت مجموعة من القيم الجديدة (التمكين، والتركيز على النتائج) محل مجموعة من القيم القديمة (الأقدمية، والتدرج الوظيفي)، وقد تجلى ذلك في دعوة Gaebler &Osborn في بداية التسعينيات، لإعادة اختراع الحكومة، بما يمكنها من تأدية وظائفها بكفاءة أعلى.
وإذا كانت الدولة هي الفاعل الرئيسي في عملية التنمية، فلقد أدركت العديد من الدول أهمية القطاع الخاص في المساهمة في التنمية المحلية، ورفع مستوى معيشة المواطنين، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى الخدمات لهم، فالقطاع الخاص يتميز بالقدرة على الابتكار والتجديد وتقديم الخدمات بالمواصفات المطلوبة، وتستطيع الحكومة تقوية القطاع الخاص، من خلال توفير البيئة الاقتصادية المناسبة والمستقرة لذلك القطاع.