المحاضرة الرابعة
الموقع: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
المقرر: | نظريات التنظيم و التسيير |
كتاب: | المحاضرة الرابعة |
طبع بواسطة: | Visiteur anonyme |
التاريخ: | Saturday، 23 November 2024، 1:34 AM |
1. أولا: الشراكة بين القطاع الحكومي و القطاع الخاص و المجتمع المدني
لقد جاءت الشراكة بين القطاعات الثلاثة، نتيجة لفشل الحكومات ومؤسساتها في تقديم المنتجات والخدمات بكفاءة وفعالية، وبما يتناسب أو يستجيب لاحتياجات ورغبات المواطنين وتطلعاتهم، لمواكبة ثورة المعلومات والاتصالات في المجتمعات المختلفة، كما أكدت التوجهات العالمية على أن التنمية الاقتصادية تكون أكثر سرعة وعدالة، إذ عبرت رسالة مشتركة للمجتمع ككل، ولم تقتصر على فئة بعينها.
وقد طرح موضوع الشراكة في التسعينات في الخطاب العالمي للأمم المتحدة والمؤتمرات العالمية (مؤتمر البيئة في البرازيل سنة 1992) والمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في النمسا 1993، ومؤتمر القاهرة للسكان والتنمية 1994، ومؤتمر التنمية لاجتماعية بالدنمارك 1994، ومؤتمر المرآة العالمي بيكين 1995، ومؤتمر الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية 1996، وقد أكدت هذه المؤتمرات جميعا على أهمية الشراكة بين القطاعات الثلاثة.
وفي عام 1989، ظهر مفهوم الحكم الراشد في كتابات البنك الدولي عن كيفة تحقيق التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد في الدول الإفريقية جنوب الصحراء، حيث تم الربط بين الكفاءة الإدارية الحكومية والنمو الاقتصادي، ويعني المفهوم وفقا للبنك الدولي نوع العلاقة بين الحكومة والمواطنين، وليس مجرد التركيز على فعالية المؤسسات المتعلقة بإدارة شؤون المجتمع والدولة، ولذلك يركز المفهوم على قيم المساءلة والشفافية، والقدرة على التنبؤ، والمشاركة الواسعة من جميع قطاعات المجتمع، وقد ظهر مفهوم Governance في إطار التغيير الذي حدث في طبيعة دور الحكومة من جانب، وتطور علم الإدارة العامة من جانب آخر، فعلى المستوى العملي، لم تعد الدولة هي الفاعل الرئيسي في صنع وتنفذي السياسات العامة، بل أصبح هناك فاعلون آخرون مثل المنظمات والمؤسسات الدولية، والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع الدولي.
وعلى الجانب الأكاديمي، ظهرت محاولات الاستفادة من أساليب إدارة الأعمال (استرداد التكلفة ورسوم الانتفاع، والإسناد إلى الغير) في مجال الإدارة العامة، كما حلت مجموعة من القيم الجديدة (التمكين، والتركيز على النتائج) محل مجموعة من القيم القديمة (الأقدمية، والتدرج الوظيفي)، وقد تجلى ذلك في دعوة Gaebler &Osborn في بداية التسعينيات، لإعادة اختراع الحكومة، بما يمكنها من تأدية وظائفها بكفاءة أعلى.
وإذا كانت الدولة هي الفاعل الرئيسي في عملية التنمية، فلقد أدركت العديد من الدول أهمية القطاع الخاص في المساهمة في التنمية المحلية، ورفع مستوى معيشة المواطنين، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى الخدمات لهم، فالقطاع الخاص يتميز بالقدرة على الابتكار والتجديد وتقديم الخدمات بالمواصفات المطلوبة، وتستطيع الحكومة تقوية القطاع الخاص، من خلال توفير البيئة الاقتصادية المناسبة والمستقرة لذلك القطاع.
2. ثانيا: تجارب بعض الدول في إدارة التنمية المحلية التشاركية
فيما يلي عرض لتجارب بعض الدول في مجال التنمية المحلية:
1. فرنسا:
في بعض الدول الأوروبية ينشئ القطاعان العام والخاص شركات لتمويل وتشغيل مشروعات البنية الأساسية، وتوضح تجربة فرنسا أهمية وصعوبة تنظيم المؤسسات الموردة للخدمات الأساسية، فعلى الرغم من نجاح هذه التجربة، إلا أنها تتطلب آليات رقابة، نظرا لما تربط بها من اهتمامات بالفساد شابت عقود الامتيازات وعدم الخبرة لدى بعض البلديات في التعاقد مع القطاع الخاص على تقديم الخدمات، وللتغلب على هذه المشكلات، تم إنشاء هيئة الخدمات العامة 2000، لمساعدة البلديات في مفاوضات العقود ووضع اللوائح، كما تم إصدار العديد من القوانين منذ 1995 التي أكدت على المزيد من الشفافية والمكاشفة العامة من جانب الحاصلين على الامتيازات، وأدت هذه التطورات إلى حدوث تحسن كبير في الوضع وإعادة الثقة في عقود الامتيازات.
2. إيطاليا:
في إيطاليا يتم إسناد الخدمات العامة مثل النظافة إلى منظمات خاصة، على أن يقتصر در السلطات المحلية على تحديد مستوى الخدمات وتمويلها كليا أو جزئيا، فضلا عن الاهتمام المتزايد بالعمل التطوعي في تقديم العديد من الخدمات الثقافية والاجتماعية.
3. كوريا الجنوبية:
للوحدات المحلية دور بارز في عملية التنمية المحلية في كوريا الجنوبية، من حيث العمل على الارتقاء بمستوى معيشة المواطن وتحقيق الرخاء والرفاهية للمجتمع بصفة عامة، ولذلك تنتهج عدة سياسات مختلفة مثل:
أ. الخصخصة:
بعد أن واجهت كوريا في النصف الأخير من القرن العشرين أزمة اقتصادية حادة، انتهجت الحكومة بقوة نحو القطاع الخاص والخصخصة كأحد أهم وسائل الإصلاح الاقتصادي، ومن ذلك بدأت تتجه نحو القطاع الخاص، وتقليل حجم العمالة وغيرها من الإجراءات، فساعد ذلك على تحقيق قدر من التنمية للدولة.
ب. التعاقد الخارجي:
اتجهت إليه كوريا من ثمانينات القرن الماضي، كأحد أفضل الوسائل لتوفير الخدمات العامة في الدولة، حيث كان من المتوقع أن يقلل هذا النظام من تبديد الموارد من خلال التنافس بين الجهات الخاصة والذي من شأنه أن يعزز من كفاءة الحكومة في الإمداد بالسلع والخدمات اللازمة، ومثال على ذلك: تعاقد المدن الكبرى في كوريا لتقديم خدمة جمع القمامة من المدينة، ولكن عدم التنسيق بين الحكومة من ناحية والشركات المتعاقدة من ناحية أخرى أدى إلى قيام المتعاقدين برفع أسعار الخدمات أو حتى تقليل جودتها، مما كان يضطر الحكومة للتدخل لتحسين مستوى الجودة، فيزيد ذلك بشكل كبير من تكاليف إنتاج الخدمات.
ج. الشراكة:
تدخل الحكومة في شركات مع جهات أخرى من أجل تنفيذ مشروعات معينة، وانتشر هذا الأسلوب بكثافة في كوريا حيث سجلت إحدى الإحصائيات أكثر من 191 مشروع شراكة، وهناك 3 أنواع للشراكة، فهناك مع المنظمات والجهات الخاصة مثل الشركات والمنظمات غير الحكومية، والجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات، كما توجد شراكة مع المواطنين أو المجموعات، بينما يوجد نوع أخير من الشراكة وهي الشركة مع جهات قطاع عام، إلا أنها أقل أنواع الشراكة حدوثاً.
د. المشاركة الشعبية: يستطيع المواطنون المشاركة في التنمية المحلية، من خلال وسائل وسبل مختلفة أهمها:
- تقديم مطالبهم عن طريق أعضاء المجالس المحلية، وحق المواطنين في مساءلة المسئولين خاصة جماعة الضغط، وأحيانا تنظم الهيئات المحلية جلسات للاستماع لآراء المواطنين فيما يتعلق ببعض السياسات المهمة.
ه. جماعات وهيئات المجتمع الدولي:
منذ النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، بدأت القوى المدنية تتنامى وتقوى وتبرز، بحيث ارتفع عدد المنظمات غير الحكومية بشكل ملحوظ (يوجد في كوريا ما يقرب من 20 ألف منظمة غير حكومية)، منها على سبيل المثال: الهلال الأحمر لجمهورية كوريا، الاتحاد الكوري للنشاط البيئي، واتحاد المستهلكين الكوري والمعهد الكوري لسياسات المرأة، ومن أبرز هذه المنظمات المدنية على المستوى المحلي الائتلاف الجماهيري للعدالة الاقتصادية (CCEJ)والتضامن الشعبي للديمقراطية المشاركة (PSPD )،)، وتعرف كلتاهما مجهودها الملحوظة في دعم الاستقلال المحلي.
وتم إنشاء في عام 1989 (CCEJ) وكانت تتضامن من أجل الديمقراطية والعدالة وتنمية المجتمع الكوري وقد لعبت هذه المنظمة من خلال فروعها المحلية دورا فعالا في نوعية وتثقيف القادة المحليين من أجل مشاركة سياسية فعالة وتنمية محلية مستدامة، واستطاعت (CCEJ) من خلال فروعها المحلية مراقبة أمور كل من الإداريين المحلية، والمركزية، إلى جانب تعليم المواطنين وتوعيتهم بضرورة المشاركة في العملية الديمقراطية، وتسعى (CCEJ) إلى التركيز على المحليات، ومن خلال المنظمات الشعبية المستقلة المتمركزة حول احتياجات عالية الكفاءة للتنمية على المستوى القومي، وعلى جانب الآخر تركز الـ PSPD التي تم إنشاؤها عام 1994 على قضايا الإصلاح السياسي ومنها قضية استقلال المحليات.
4. دول أوروبا الشرقية:
فيما يلي عرض لدور الوحدات المحلية والقطاع الخاص:
أ. الوحدات المحلية:
تختلف مساهمات الإدارة المحلية في تقديم الخدمات بحسب نطاق وحجم الصلاحيات المخولة لها وإن كانت كل هذه الإدارات تتشابه في بعض الخصائص فيما يخص تقديم هذه الخدمات فعلى سبيل المثال تساهم جميع الهيئات المحلية في دو أوروبا الشرقية في تقديم خدمات الطرق العامة، خدمات التعليم الأساسي، التخطيط المحلي، المنتزهات العامة، مؤسسات الحضانة.
وعليه فالمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه فكرة تقديم الخدمات من خلال السلطات المحلية التقرب إلى الجماهير باعتبارها الأقدر على التعبير عن احتياجاتهم والأقدر على توصيلها، فالدول تختلف في نظرتها للمستوى الذي يمكن من خلاله تقديم الخدمات التي يمكن تقديمها للمواطنين من خلال السلطات المحلية، وفي صربيا فإن السلطات المحلية لها الحق في تقديم الخدمات التي نص عليها القانون للمواطنين، ونتيجة لهذا الاختلاف فكثيرا ما يؤدي إلى نوع من الغموض والارتباك في قدرة هذه السلطات المحلية على توصيل الخدمات للمواطنين فهي غير قادرة على تحديد الخدمات التي من حقها أن تقدمها، وبالتالي يكون مستوى تقديم الخدمات بشكل أساسي على نطاق الاستقلال الذي تتمتع به هذه المحليات ونطاق وقدرة السلطات المخولة لها من الحكومة المركزية وخاصة فيما يتعلق بصنع القرارات.
ب. دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات العامة:
يتم تقديم هذه الخدمات من خلال بعض الهيئات التي تنشئها الوحدات المحلية أو التابعة للوزارات المركزية، وبالرغم من أن عملية تقديم الخدمات الاجتماعية ما هي إلا نتاج للعملية السياسية التي تتضمن في طياتها حسابات الموازنة، إلا أن السلطات المحلية تنادي الآن من خلال تشريعاتها بضرورة إدماج القطاع الخاص في عملية توصيل الخدمات سواء كاد القطاع الخاص الأهلي أو الشركات العالمية، هذا الإدماج يتم من خلال أكثر من إستراتيجية مثل حقوق الامتياز، والترخيص، ولكن هناك إستراتيجية التعاقد التي أدت إلى تقليل النفقات، ورفع الكفاءة والقدرات المحاسبية لدى الإدارات المحلية.
وفي رومانيا قامت الحكومة عام 1994 بتطبيق نظام التعاقد مع الغير في لرعاية الصحية، وهذا النظام هدف إلى دعم الرعاية الصحية الأولية، ودعم الرعاية الوقائية وخاصة في المناطق الريفية، اعتمد هذا النظام على المنافسة ما بين الأطباء والحوافز المالية القائمة على الأداء، وقد أدى هذا النظام إلى رعاية صحية أفضل، ترتبت عليها زيادة رضاء المواطنين، وزادت مرتبات الأطباء، ولكن المشكلة كانت في عدم ثقة المرضى في الرعاية الصحية الأولية التي تقدمها الحكومة بالمجان.
وقد انتهجت الحكومة الرومانية سياسة تهدف إلى تحسين الخدمة الصحية الأولية والانتقال منى العلاج إلى الرعاية الوقائية وتحسين الخدمات خاصة في المناطق الريفية، وبدأت بتطبيق نظام العقود في 8 مقاطعات من 40 مقاطعة داخل الدولة، لتخدم حوالي 4 ملايين نسمة فينا بين عامي 1994، 1996، وتطور هذا النظام نحو إنشاء تأمين صحي يتم تمويله نسبة 7 بالمائة من الناتج المحلي، يعتمد هذا النظام على عمل عقود مع الأطباء من خلالها أصبحوا موظفين داخل المستشفيات لمدة عام واحد في الثماني مقاطعات، كانت وظيفة تتلخص في الرعاية العلاجية والوقائية المجانية للمواطنين اللذين يرعاهم كل طبيب، هذه العقود هي ما تسمى بطبيب الأسرة، ويمكن للأسرة أن تختار الطبيب الخاص بها وأن تغيره بعد ثلاث أشهر، كل طبيب لابد أن يكون لديه ما بين 500، 1500 مريض، ويحص على المرتب الخاص به، سواء طلب الفرد الخدمة لأم ولم يطلبها، ويمكن للطبيب أن يحصل على مرتب أكبر بحيث انتقل إلى المناطق التي تعاني عجزا في عدد الأطباء، كما يزيد المرتب في الظروف الصعبة، في الليل وفي العطل.
وفي عام 1998، تم إصدار قانون للتأمين والذي جسد تجربة العقود في الثماني مقاطعات وأصبح الأمر معمم على مستوى الدولة، هذا النظام أدى إلى ارتفاع مستوى الرعاية الصحية كما وكيفا.
5. بريطانيا:
بدأ الحديث عن منح دور أكبر للقطاع الخاص في عملية التنمية على المستويين القومي والمحلي مع قدوم حكومة حزب العمال(1979-1997) وفي أثناء تلك الفترة، عملت الحكومة المركزية على تأكيد إيجابيات المسئولية المالية للوحدات الحلية، ومراعاة اعتبارات التوازن بين السعر الذي يدفعه الجمهور في الخدمة وتكلفتها الفعلية، واستخدمت وسائل رقابية ضاغطة على الوحدات المحلية لدفعها في طريق الخصخصة.
كما تم دعم سياسة تغليب الكفاءة كمعيار أساسي لاتخاذ القرار بواسطة مجموعة من القوانين التي تناولت بيئة تقديم الخدمات، حيث كانت الحكومة تهدف من ذلك التطور إلى الحد من السيطرة الاحتكارية للوحدات المحلي في مجال تقديم الخدمات، وأن تؤسس الخدمات، وأن تؤسس لاقتصاد مختلط، من أجل تحسين نوعية الخدمات المقدمة لدافعي الضرائب المحليين.
وتم إنجاز ذلك، من خلال الاعتقاد بأهمية التعاقد الخارجي أو تحويل الأنشطة الخدمية إلى خارج الوحدات المحلية، وتم التعامل مع ذلك من خلال المناقصات التنافسية الإلزامية، وفي بعض الخدمات مثل صيانة الطرق، وتنظيف الشوارع، وإدارة الإسكان، ودعم الخدمات، وفي مجال الخدمات التي لا يناسبها نظام المناقصات التنافسية الإلزامية (CCT)، أدخلت الحكومة نظام الاقتصاد المختلط بطرق أخرى، مثل فصل البائعين عن مقدمي الخدمة في نطاق الخدمات الاجتماعية، واستخدام التعاقد الخارجي مع متعاقدين من القطاع الخاص.
وبمجيء حكومة حزب العمال إلى الحكم عام 1997، لم تعبر الحكومة في البداية عن تفصيلها للقطاع الخاص في كل مجالات التنمية المحلية، إلا أنها تبنت دخول القطاع الخاص في مجالات معينة بغرض تحديث الخدمات، وتعد مبادرة التمويل الخاص (PFI)، وبرامج المشاركة العامة، الخاصة (PPP) من النماذج على تفضيل التمويل من خلال القطاع الخاص في ظروف معينة، وتقدم كل منها وسيلة بديلة لتمويل مشروعات الاستثمار العامة بدلا من الافتراض من الحكومة المركزية.