7. تتامية بور

بينما كان هايزنبرغ منكبا على علاقتي اللاتحديد والارتياب ،طوّر بور  تفسيره الخاص لنظرية الكوانتم ،وفي الوقت الذي استخدم فيه هايزنبرغ أسلوب الرياضيات لاستخلاص معنى النظرية الجديدة،إلا أن بور فكر فلسفيا في طبيعة الحقيقة الكمية ،وقد أضاف كل منهما للآخر وأثراه ،وكوّنا معا ما يعرف بتفسير كوبنهاغن.

  أكد بور أنه يتحتم علينا  عندما نسأل سؤالا عن الطبيعة أن نعمل على تحديد أوصاف الجهاز التجريبي الذي نستخدمه في الإجابة عن هذا السؤال،فلنفرض مثلا أننا نسأل:ما موضع الإلكترون وما هي كمية حركته أو سرعته؟إنه في الفيزياء الكلاسيكية ليس علينا أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أننا نغير حالة الشيء أثناء حصولنا على الإجابة عن السؤال،إذ يمكننا إهمال التفاعل بين الجهاز والشيء الذي نفحصه،ففي ميكانيكا نيوتن نبدأ بقياس موقع وسرعة الكوكب الذي نودّ دراسته،ثم نترجم نتائج الملاحظات إلى صورة رياضية بأن نستنبط من الملاحظات أرقاما لإحداثيات الكوكب وكمية حركته،ثم نستخدم معادلات الحركة كي نستنبط من قيم الإحداثيات وكمية الحركة في وقت معين ما ستكون عليه هذه القيم أو غيرها من خصائص النظام في وقت لاحق،وبهذه الطريقة يمكن للفلكي أن يتنبأ بخصائص النظام في وقت لاحق أنه يستطيع بالضبط أن يتنبأ بالضبط بخصائص النظام في وقت لاحق،إنه يستطيع بالضبط أن يتنبأ بوقت خسوف القمر،وليست هذه الحالة فيما يتعلق بالأشياء الكمية كالالكترون لأن إجراء المشاهدة نفسه يغير حالة الالكترون.

   فالباحث التجريبي إذا أراد أن يقيس وضع الإلكترون بدقة عالية وقام بتجهيز أداة قياس فلا يوجد أي قانون في نظرية الكوانتم يمنعه من تحديد الجواب ومن شأنه أن يعتقد أن الإلكترون جسيم أي أنه شيء موجود عند نقطة محددة في الفضاء ،ومن جهة أخرى إذا كان هذا التجريبي مهتما بقياس طول موجة الالكترون وقام بتجهيز أداة قياس أخرى  فإنه سيصل إلى إجابة محددة،وبإجراء التجربة بهذه الطريقة يمكنه أن يستنتج أن الالكترون موجة وليس جسيما،ولا يوجد أي تعارض بين مفهوم الموجة ومفهوم الجسيم،لأن نتائج التجربة كما رأى بور تعتمد على الفرضيات التجريبية ذاتها،ويحتاج قياس الموضع وطول موجة الإلكترون إلى تركيبات تجريبية مخالفة،ويجيب بور عن سؤال عدم استطاعتنا قياس الموضع وتحديد كمية الحركة في نفس الزمن قائلا:"لكي نتمكن من قياس إحداثيان الفضاء ولحظات الزمن،يجب استخدام مسطرة قياس وساعة،ولقياس كميات الحركة والطاقات تلزم ترتيبات تحتوي على أجزاء متحركة لتلقي صدمة الشيء وتبنيها،فإذا كانت ميكانيكا الكوانتم تصف التفاعل بين الشيء موضع القياس وبين أداة القياس ذاتها فإن كلا الترتيبين مستحيلان"[1].

    إن الموجة والجسم مفهومان متممان أي أن وجود أحدهما يمنع وجود الآخر،وهذان المفهومان في التشبيه بين اللغة والرياضيات هما تمثيلان مختلفان للشيء نفسه،ومن هنا يمكن أن نصف شيئا كالإلكترون بأسلوبين كل منهما مانع للآخر كموجة أو جسيم بدون أي تناقض منطقي،فإن معرفة موضع الجسيم متمم لمعرفة سرعته أو كمية حركته،فإذا عرفنا أيهما بدرجة دقة عالية فلا يمكن أن نعرف الآخر بدرجة عالية،على أننا لا بد أن نعرف كليهما لتحديد سلوك النظام،إن الوصف الزمكاني للأحداث متمم لوصفها الحتمي.



فرنير هايزنبرغ:الفيزياء والفلسفة،ص ص 31،32.[1]