فلسفة نظرية الكوانتم

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: مقياس فلسفة العلوم
كتاب: فلسفة نظرية الكوانتم
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Monday، 22 July 2024، 9:28 PM

1. تمهيد

انطلاقا من التطورات التي شهدتها الفيزياء المعاصرة الممثلة في النظرية النسبية العامة والخاصة ،وتطورات المجال الذري مع أبحاث العلماء المستمرة وتجاربهم،كما بدأت الأبحاث في الطاقة مع ماكس بلانكMax Blank(1858-1947) الذي نادى بأن الطاقة مثلها مثل المادة والكهرباء لا تظهر إلا بصورة منفصلة متقطعة،أي على شكل حبات أو وحدات محددة تسمى في الاصطلاح العلمي بالكوانتم quantum جمع كوانتا quanta والتي تعتبر أصغر كمية من الطاقة يمكن إطلاقها أو امتصاصها،إذن :فما المقصود بنظرية الكوانتم؟وماهي المفاهيم الفلسفية التي انبثقت عنها؟

2. طبيعة الضوء

  لقد كان الرأي السائد إلى حدود نهاية القرن 19م أن تجليات الطاقة في مختلف الميادين تتم يشكل متصل ،فالطاقة الكهربائية تسري في الأسلاك بشكل متصل مثلها مثل أنواع الطاقة الأخرى،وهذا يعني أنه من الممكن تخفيض شدة التيار الكهربائي إلى أقصى حد دون أن يحدث أي انقطاع،ومثال ذلك الطاقة الحرارية،فلقد كان الإعتقاد السائد :أن درجة حرارة جسم ما يمكن رفعها أو خفضها بكيفية متصلة ،أي بكميات يمكن الزيادة فيها أو النقصان منها،دون التقيد بكمية محددة لا تقبل التجزئة[1]،فظهرت بذلك النظرة الجسيمية للضوءla theorie corpusculaire والتي تذهب إلى أن الضوء مكون من جسيمات ،لكنها فشلت في تفسير انعكاس الضوء على الأجسام،وانعكاس ضوء القمر،لكنها سرعان ما فشلت،لتظهر على إثرها النظرية الموجية مع كريستيان هوجينز الذي أعلن أن الضوء عبارة عن موجات،وهكذا تم استبدال الجسيمات بالموجات، فقُدّر لهذه النظرية أن تنتصر ،كونها تُشبّه الضوء بموجة تنتشر على صفحة الماء،بحيث يكون المصدر الضوئي مركز الذبذبة(الاهتزاز) الذي تتولد عنده الأمواج ،فتنتشر بعد ذلك في كل اتجاه.

   لكن هذه النظرية على الرغم من كونها تقدم تفسيرا معقولا لكثير من الظواهر الضوئية ،إلا أنها لقيت معارضة شديدة من طرف نيوتن،لأنه لا تتفق مع النظرية الميكانيكية العامة التي تُرجع جميع أنواع الحركة إلى الفعل وردّ الفعل.

   لكن مع نظرية أينشتاين وفكرته القائلة بأن شعاع الضوء ذو الترددات يتكون من حبات من الطاقة مقدارها   ثا.ز  والتي توصل من خلالها إلى أن الفوتونات وهي جسيمات تتضمن كذلك صفات شبيهة بموجات الضوء،وتوصل إلى أن طاقة هذه الجسيمات تتحد بواسطة صفة من صفات الموجات-التردد-،وهو ما يبين أن للضوء خواص مثل كل من الموجات والجسيمات ،ويتطلب العالم الميكروسكوبي أن نحشد حدسنا حول وجود وجود شيئ هو إما موجة أو جسيمة أو احتمال وجود الصفتين معا.



محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص365.[1]

3. مفاهيم أولية حول الكوانتم

بحلول القرن العشرين اهتمت الفيزياء الحديثة بالظواهر التي تقع على مستوى الذرات متحدية كافة الصعوبات التي وقفت في طريق الفيزياء الكلاسيكية،ومحدثة بذلك تغييرا كليا في التفكير خلال ثلاثين سنة مضت.

    وكان للبحث الذي قام به ماكس بلانك عام 1899 دورا كبيرا في تصحيح الفيزياء الكلاسيكية حتى تتناسب مع الحقائق التي شاهدها في الإشعاع،حيث توصل ماكس بلانك إلى استحالة قياس إشعاع الجسم الأسود باستخدام مفاهيم الفيزياء الكلاسيكية ،وبيّن هذا البحث سبب عدم تحوّل كل طاقة الأجسام إلى إشعاع.

  في نظريته حول الكوانتم يؤكد ماكس بلانك أن الإشعاع ذري في تركيبه مثل المادة مع اختلاف جوهري واحد،فهناك 92 نوعا مختلفا من ذرات المادة،ولكن أنواع الإشعاع المختلفة عددها لا نهائي،فالإشعاع ذا طبيعة موجية بالأحرى عند قوة معينة،ووجد أنه يمتنع بخصائص احتفظ بها مسبقا في ظواهر الميكانيكا الحرارية،حيث لاحظ بلانك أن الإشعاع ينبعث في وحدات منفصلة،وتسمى كل وحدة كمّا،وأن هذا الكم مقدار ثابت مهما اختلفت كتلة المادة  أو كثافتها ،وأن الإشعاع ينبعث من المادة الإشعاعية  في هيئة جزئيات لا موجات،لذا فالإشعاع من طبيعة ذرية جزيئية.

   ومثال ذلك أننا حين نسخن جسما لدرجة حرارة عالية فإنه يتوهج ويبعث شعاعا أحمر،وإذا زادت درجة الحرارة تحوّل لون الذهب إلى برتقالي ثم أصفر ثم إذا زدنا درجة الحرارة تحوّل إلى لون أبيض،فالثابت هو كم الطاقة الصادرة عن الذرة في الثانية الواحدة.

4. ظهور الكوانتم

لقد أوضحت الفيزياء الكلاسيكية أن معظم الأنظمة الفيزيائية القديمة ابتداء من فيزياء نيوتن حتى فيزياء الكوانتم(الكم) قد ارتكبت نفس الخطأ،وهو خطأ اعتبار أن المظهر هو الحقيقة ،فقد أغفلت وجود حقيقة أعمق تكمن وراء وجاءت نظرية الكوانتم لتبين أنه علينا الغوص في الطبيعة العميقة للحقيقة ،قبل أن نتمكن من فهم عالم المظهر إلى درجة تسمح لنا بالتنبؤ بنتائج التجارب ،لكن التغيير الذي أحدثته نظرية الكوانتم ليس مجرد استمرار لأفكار الماضي ،بل يبدو انقطاعا حقيقيا عنها في بنية الفيزياء الحديثة.

  تُصور لنا نظرية الكوانتم مفاهيم جديدة في فيزياء الذرة،حيث تعرض لنا صورتين متناقضتين للضوء:صورة جسيمية وأخرى موجية،فالصورة الجسيمية عندما تُصور لنا الظواهر تكون محتوياتها نفس مافي الصورة المألوفة للعالم العادي،أي عبارة عن مادة وإشعاع يتواجدان ويتحركان في المكان والزمان ،أما الصورة الموجية فتحتوي على اضطرابات شبيهة بالأمواج،وبنفس الشكل علمتنا نظرية الكوانتم الحديثة أن نفعل دون مفهوم القياس المطلق للزمان ودون مفهوم الحوادث الموضوعية في المكان والزمان[1].



[1]  حسين شعبان:النزعة العقلانية في فلسفة العلم المعاصر،منشأة المعارف،الاسكندرية،مصر،1998،ص65.

5. نظرية نيلزبور عن الأطياف الذرية

 لقد أدت تجارب راذرفورد الشهيرة عام 1911 فيما يخص انعكاس أشعة ألفا المنبثقة من الأجسام المشعة أثناء مرورها في المادة إلى إثبات أن كل كتلة الذرة تقريبا محطتها النواة المركزية حيث تتحد مع شحنات موجية من الكهرباء[1].

  ولقد وصف راذرفورد الذرة على أنه نموذج مصغر للمجموعة الشمسية أي مجموعة من الإلكترونات تدور حول نواة متماسكة في المركز،ويجب على الالكترون أن يستمر في حركته المدارية حول النواة كي يتجنب السقوط عليها ،وهذه الصورة لا تتفق مع الميكانيكا الكلاسيكية ،فوفقا لها يستمر الإلكترون يشع طاقته نتيجة لحركته المدارية ،وبذا يسقط حلزونيا بالتدريج نحو النواة التي ستمتصه في النهاية،ولذلك فالذرات تكون تركيبات مؤقتة وأحجامها تتبدل وتتعدل باستمرار[2].

  ظل هذا النموذج الشمسي للذرة غامضا بعض الشيء إلى غاية سنة 1913،عندما اكتشف نيلز بور عيوبا بها،فاضطر إلى إدخال أفكار جديدة هي أفكار نظرية الكوانتم حيث أدخل فكرة ذرية الطاقة على الذرة نفسها ،مفترضا أن الذرة لا يمكن أن تكون بأي حجم كان،بل تكون فقط بالحجم الذي يحتوي على عدد صحيح من الكمات أو الطاقة.

  ومن هنا توصلت فكرة بور إلى اعتبار الذرة تركيبا يطلق ويمتص الإشعاع على هيئة حزم عبر لحظات من الزمن ،وعلى هذا فإن طاقة الذرة لا تتغير باستمرار،ولكنها تقفز فجأة عند تلك اللحظات من قيمة لأخرى ولا يسمح لهذه التغيرات في الطاقة إلا على هيئة مقادير محسوبة بالضبط،هذه المقادير تشكل سلسلة من مستويات الطاقة متبة مثل درجات السلم،وطاقة الذرة  يمكنها أن تنقل من إحداها إلى الأخرى ،على حين لا يمكنها أن تظل معلقة في الهواء بين درجتين،وعندما تخطو إحدى الذرات إلى مستوى طاقة أقل فإن مكوناتها تعيد ترتيب نفسها فجأة وكأنه بيت هش ينهار[3].



[1]  لويس دي بروجلي:ص 17.

[2]  جيمس جينز:ص197.

 جيمس حينز:مرجع سابق،ص ص 198،200.[3]

6. مبدأ اللايقين عند هايزنبرغ

 لقد قامت الفيزياء الكلاسيكية على مبدأ الحتمية،فطبقا لهذه الفيزياء تحدد قوانين الطبيعة الماضي والمستقبل وصولا  إلى أدق التفاصيل،وكأن العالم شبيه بساعة بلغت حد الكمال .لكن مع تطور الدراسات الحديثة تخلى الفيزيائيون عن النظرة الحتمية للطبيعة،وتحول العالم من حتمية الساعة إلى الاعتماد على الصدفة،وهنا جاءت نظرية الكوانتم بتنبؤات إحصائية فقط،وإذا كان يُفترض في الفيزياء أن أن تتنبأ بدقة بما يمكن أن يحدث في الطبيعة ،ونظرية الكوانتم تحدد بدقة الاحتمالات ولا شيء غير ذلك،ويجد العالم المؤمن بالحتمية صعوبة في أن يتخلى عن الأمل في وجود حقيقة مبنية على الحتمية خلف الحقيقة الكمية ،ولكن في الواقع أن نظرية الكوانتم قد أوصدت كل باب أمام الحتمية حيث يرى هايزنبرغ أنه لا يمكن قياس موضع الالكترون وحساب حرمته آنيا أي في الحظة نفسها بدقة عالية.

   وفي عام 1925 تم اعتماد مبدأ اللاحتمية رسميا،فمبدأ هايزنبرغ الذي ينص على  اللاتعيين أ اللاتحقق أي استحالة القياس المتزامن وتحديد اللانهائي لموضع وسرعة الجزء الكوانتي هو مبدأليس ابستمولوجيا فحسب كما يبدو للوهلة الأولى بل هو مبدأ انطولوجي،وتكم قوة هذا المبدأ في القدرة على التعبير على اللاحتميات الفيزيائية بلغة رياضية دقيقة،كما يؤدي مبدأ اللاتعيين إلى نشوء ظاهرة مدهشة تعرف باسم ظاهرة "المرور في نفق الكم " ،فإذا أطلقت رصاصة من البلاستيك صوب حائط اسمنتي سمكه عشرة أقدام ،فإن الفيزياء الكلاسيكية تؤكد ما تنبؤك به غريزتك،أي أن الرصاصة سترتد إليك لا محالة،والسبب في ذلك ببساطة أن الرصاصة لا تملك الطاقة الكافية لتنفذ إليه،غير أنه على مستوى الجسيمات الأساسية فإن ميكانيكا الكوانتم تبين ما لا يدع مجالا للشك أن دوال الودة أي الموجات الاحتمالية للجسيمات الممكنة للرصاصة تملك قطعا صغيرا جدا سيخترق هذا الحائط،ويعني ذلك أن هناك فرصة ضئيلة لتخترق الرصاصة بالفعل الحائط ........وهذا يعود إلى مبدأ اللايقين لهايزنبرغ[1]،فاللاتحققية ليست أمرا ذاتيا،إنما هي حقيقة موضوعية تتعلق بطبيعة الجسيمات الميكروسكوبية وبنيتها المعقدة.

    مع العلم أن هذا اللاتحديد  في حالة الالكترون ليس مجرد قصور  عملي ناجم عن خصائص المجهر ،بل هو سمة أساسية متأصلة في العالم اللامتناهي في الصغر ،وليس هناك طريقة حتى من حيث المبدأ يمكن بها الوصول إلى معلومات دقيقة عن كل من موضع الجسيمات دون الذرية وسرعتها في آن واحد،إن علاقة اللاتحقق دليل على محدودية قدرتنا في القياس،فهو أي القياس مرتبط بالقانون الفيزيائي،وبالتلي تدفعنا إلى معرفة اللاتحديد،هذا ما يجعلنا واقعين تحت رحمة قوانين الطبيعة.ويوضح لنا هذا الفيديو المقصود بمبدأ اللادقة عند هايزنبرغ:



[1]  برايان غرين:مرجع سبق ذكره،ص ص 135،136.

7. تتامية بور

بينما كان هايزنبرغ منكبا على علاقتي اللاتحديد والارتياب ،طوّر بور  تفسيره الخاص لنظرية الكوانتم ،وفي الوقت الذي استخدم فيه هايزنبرغ أسلوب الرياضيات لاستخلاص معنى النظرية الجديدة،إلا أن بور فكر فلسفيا في طبيعة الحقيقة الكمية ،وقد أضاف كل منهما للآخر وأثراه ،وكوّنا معا ما يعرف بتفسير كوبنهاغن.

  أكد بور أنه يتحتم علينا  عندما نسأل سؤالا عن الطبيعة أن نعمل على تحديد أوصاف الجهاز التجريبي الذي نستخدمه في الإجابة عن هذا السؤال،فلنفرض مثلا أننا نسأل:ما موضع الإلكترون وما هي كمية حركته أو سرعته؟إنه في الفيزياء الكلاسيكية ليس علينا أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أننا نغير حالة الشيء أثناء حصولنا على الإجابة عن السؤال،إذ يمكننا إهمال التفاعل بين الجهاز والشيء الذي نفحصه،ففي ميكانيكا نيوتن نبدأ بقياس موقع وسرعة الكوكب الذي نودّ دراسته،ثم نترجم نتائج الملاحظات إلى صورة رياضية بأن نستنبط من الملاحظات أرقاما لإحداثيات الكوكب وكمية حركته،ثم نستخدم معادلات الحركة كي نستنبط من قيم الإحداثيات وكمية الحركة في وقت معين ما ستكون عليه هذه القيم أو غيرها من خصائص النظام في وقت لاحق،وبهذه الطريقة يمكن للفلكي أن يتنبأ بخصائص النظام في وقت لاحق أنه يستطيع بالضبط أن يتنبأ بالضبط بخصائص النظام في وقت لاحق،إنه يستطيع بالضبط أن يتنبأ بوقت خسوف القمر،وليست هذه الحالة فيما يتعلق بالأشياء الكمية كالالكترون لأن إجراء المشاهدة نفسه يغير حالة الالكترون.

   فالباحث التجريبي إذا أراد أن يقيس وضع الإلكترون بدقة عالية وقام بتجهيز أداة قياس فلا يوجد أي قانون في نظرية الكوانتم يمنعه من تحديد الجواب ومن شأنه أن يعتقد أن الإلكترون جسيم أي أنه شيء موجود عند نقطة محددة في الفضاء ،ومن جهة أخرى إذا كان هذا التجريبي مهتما بقياس طول موجة الالكترون وقام بتجهيز أداة قياس أخرى  فإنه سيصل إلى إجابة محددة،وبإجراء التجربة بهذه الطريقة يمكنه أن يستنتج أن الالكترون موجة وليس جسيما،ولا يوجد أي تعارض بين مفهوم الموجة ومفهوم الجسيم،لأن نتائج التجربة كما رأى بور تعتمد على الفرضيات التجريبية ذاتها،ويحتاج قياس الموضع وطول موجة الإلكترون إلى تركيبات تجريبية مخالفة،ويجيب بور عن سؤال عدم استطاعتنا قياس الموضع وتحديد كمية الحركة في نفس الزمن قائلا:"لكي نتمكن من قياس إحداثيان الفضاء ولحظات الزمن،يجب استخدام مسطرة قياس وساعة،ولقياس كميات الحركة والطاقات تلزم ترتيبات تحتوي على أجزاء متحركة لتلقي صدمة الشيء وتبنيها،فإذا كانت ميكانيكا الكوانتم تصف التفاعل بين الشيء موضع القياس وبين أداة القياس ذاتها فإن كلا الترتيبين مستحيلان"[1].

    إن الموجة والجسم مفهومان متممان أي أن وجود أحدهما يمنع وجود الآخر،وهذان المفهومان في التشبيه بين اللغة والرياضيات هما تمثيلان مختلفان للشيء نفسه،ومن هنا يمكن أن نصف شيئا كالإلكترون بأسلوبين كل منهما مانع للآخر كموجة أو جسيم بدون أي تناقض منطقي،فإن معرفة موضع الجسيم متمم لمعرفة سرعته أو كمية حركته،فإذا عرفنا أيهما بدرجة دقة عالية فلا يمكن أن نعرف الآخر بدرجة عالية،على أننا لا بد أن نعرف كليهما لتحديد سلوك النظام،إن الوصف الزمكاني للأحداث متمم لوصفها الحتمي.



فرنير هايزنبرغ:الفيزياء والفلسفة،ص ص 31،32.[1]

8. مدرسة كوبنهاجن

تُعرف مدرسة كوبنهاغن على أنها جماعة من الفيزيائيين (هايزنبرغ،بوردان،....) تجمعت حول نيلز بور بمعهد الفيزياء النظرية في كوبنهاجن في العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن الماضي،وقدمت تفسيرا فلسفيا لنظرية الكوانتم متأثرا إلى حد ما بالفلسفة الوضعية.

   لقد أدى تطور النظرية النسبية والنظرية الكوانتية وما يستوجبه من إعادة النظر في عدد من المفاهيم الفلسفية  المتعلقة بالعلم كالسببية والحتمية والقانون وغيرها،وما طرحته من إشكالات تمس أسس العلم مثل:ماهي النظرية العلمية؟وكيف تبنى؟وكيف ترتبط بالواقع العلمي والتجربة؟.....الخ.

    ظهر الإتجاه الفلسفي الذاتي في مدرسة كوبنهاجن في البداية لفهم العلاقة بين الذات والموضوع فهما وحيدا الجانب وذلك باختفاء الحدود بين الذات والموضوع،حيث أنكر الصفة الواقعية الموضوعية للشيء الفيزيائي الكوانتي مثل الإلكترون نكرانا كليا أو جزئيا،كما رفضت الحتمية استنادا إلى الصفة الإحصائية  لقوانين الميكانيك الكوانتي،حيث أبرز بور وبوردان أهمية القوانين الإحصائية منتقدين بذلك أينشتاين الذي اعتبرها حلا مؤقتا.

   تقوم مدرسة كوبنهاجن على جملة من الأفكار والآراء هي:

-لا يمكن الفصل فصلا واضحا بين الراصد سواء تعلق الأمر بالإنسان أو بالجهاز وبين المرصود،أي بين الذات والموضوع،وأن المرصود ليس له واقع موضوعي مستقل عن الراصد فلا يمكن أن توجد فيزياء موضوعية ،فالفيزياء الذاتية لا تعالج بنية الذرات بل أحداثا نحس بها عن الرصد ،وليس من الممكن جعل الرصد عملية موضوعية،ولا يمكن اعتبار نتائجه شيئا واقعيا بصفة مباشرة.

-قوانين الميكانيك الكوانتي تعني اللاحتمية واللاسببية في العالم الميكروسكوبي ،واللاحتمية تعني أنه علينا التخلي عن موضوعية العالم ،فالإلكترون مثلا لا يوجد كجسيم حقيقي عند نقطة في الحيز إلا إذا رصدناه مباشرة.

-لم تعد التفرقة بين الذات والموضوع  محددة أو دقيقة،والدقة الكاملة يكمن أن نتوصل إليها فقط إذا أدمجنا الذات مع الموضوع في وحدة واحدة.

9. خلاصة عامة

الفيزياء المعاصرة هي الإبحار في عالم الخيال العلمي(الافتراضي)،التفكير الخيالي الذي لا يمكن اختياره خلال أية تجربة،وهو الذي ساعد الفيزيائيين على التوصل إلى نظريات فيزيائية،بحيث أن التفسير الميتافيزيقي هو توسيع للتفسير العلمي.