6. مبدأ اللايقين عند هايزنبرغ

 لقد قامت الفيزياء الكلاسيكية على مبدأ الحتمية،فطبقا لهذه الفيزياء تحدد قوانين الطبيعة الماضي والمستقبل وصولا  إلى أدق التفاصيل،وكأن العالم شبيه بساعة بلغت حد الكمال .لكن مع تطور الدراسات الحديثة تخلى الفيزيائيون عن النظرة الحتمية للطبيعة،وتحول العالم من حتمية الساعة إلى الاعتماد على الصدفة،وهنا جاءت نظرية الكوانتم بتنبؤات إحصائية فقط،وإذا كان يُفترض في الفيزياء أن أن تتنبأ بدقة بما يمكن أن يحدث في الطبيعة ،ونظرية الكوانتم تحدد بدقة الاحتمالات ولا شيء غير ذلك،ويجد العالم المؤمن بالحتمية صعوبة في أن يتخلى عن الأمل في وجود حقيقة مبنية على الحتمية خلف الحقيقة الكمية ،ولكن في الواقع أن نظرية الكوانتم قد أوصدت كل باب أمام الحتمية حيث يرى هايزنبرغ أنه لا يمكن قياس موضع الالكترون وحساب حرمته آنيا أي في الحظة نفسها بدقة عالية.

   وفي عام 1925 تم اعتماد مبدأ اللاحتمية رسميا،فمبدأ هايزنبرغ الذي ينص على  اللاتعيين أ اللاتحقق أي استحالة القياس المتزامن وتحديد اللانهائي لموضع وسرعة الجزء الكوانتي هو مبدأليس ابستمولوجيا فحسب كما يبدو للوهلة الأولى بل هو مبدأ انطولوجي،وتكم قوة هذا المبدأ في القدرة على التعبير على اللاحتميات الفيزيائية بلغة رياضية دقيقة،كما يؤدي مبدأ اللاتعيين إلى نشوء ظاهرة مدهشة تعرف باسم ظاهرة "المرور في نفق الكم " ،فإذا أطلقت رصاصة من البلاستيك صوب حائط اسمنتي سمكه عشرة أقدام ،فإن الفيزياء الكلاسيكية تؤكد ما تنبؤك به غريزتك،أي أن الرصاصة سترتد إليك لا محالة،والسبب في ذلك ببساطة أن الرصاصة لا تملك الطاقة الكافية لتنفذ إليه،غير أنه على مستوى الجسيمات الأساسية فإن ميكانيكا الكوانتم تبين ما لا يدع مجالا للشك أن دوال الودة أي الموجات الاحتمالية للجسيمات الممكنة للرصاصة تملك قطعا صغيرا جدا سيخترق هذا الحائط،ويعني ذلك أن هناك فرصة ضئيلة لتخترق الرصاصة بالفعل الحائط ........وهذا يعود إلى مبدأ اللايقين لهايزنبرغ[1]،فاللاتحققية ليست أمرا ذاتيا،إنما هي حقيقة موضوعية تتعلق بطبيعة الجسيمات الميكروسكوبية وبنيتها المعقدة.

    مع العلم أن هذا اللاتحديد  في حالة الالكترون ليس مجرد قصور  عملي ناجم عن خصائص المجهر ،بل هو سمة أساسية متأصلة في العالم اللامتناهي في الصغر ،وليس هناك طريقة حتى من حيث المبدأ يمكن بها الوصول إلى معلومات دقيقة عن كل من موضع الجسيمات دون الذرية وسرعتها في آن واحد،إن علاقة اللاتحقق دليل على محدودية قدرتنا في القياس،فهو أي القياس مرتبط بالقانون الفيزيائي،وبالتلي تدفعنا إلى معرفة اللاتحديد،هذا ما يجعلنا واقعين تحت رحمة قوانين الطبيعة.ويوضح لنا هذا الفيديو المقصود بمبدأ اللادقة عند هايزنبرغ:



[1]  برايان غرين:مرجع سبق ذكره،ص ص 135،136.