4. علاقة الديمغرافيا بالطب و علوم الأحياء و التغذية
علاقة الديمغرافيا بالطب و علوم الأحياء و التغذية: كن التقدم الحاصل في مجال العلوم الطبية و الصيدلانية و الأحياء، من إعطاء نفس قوي للدراسات السكانية، من خلال تزويدها بالكثير من المعرف العلمية الدقيقة، و التي أجابت على الكثير من التساؤلات التي ظلت مطروحة، لا سيما ما تعلق منها بمجالي الخصوبة والوفيات، و هي العلاقة التي سنقف على بعض مضامينها فيما هو أتي.
علاقته بالطب: حرص فريق من العلماء على دراسة السكان من النواحي الصحية، فعمدوا إلى بحث نسبة الأمراض المتوطنة، و نسبة الوفيات و المواليد و متوسط العمر و القوة و الحيوية، و ربط هذه الأمور و ما إليها بالظروف و الأحوال البيئية الطبيعية و بالنظام التغذية، ومدى كفايتها للتعويض عن الجهود المبذولة أو صلاحيتها للنمو الصحي، كما يفسرها في ضوء الحالة الثقافية الاقتصادية بالنسبة للمستويات الاجتماعية المتباينة، و غيرها من العوامل التي لها صلة مباشرة بالحالة الصحية.
فمن الناحية البيئة مثلا، قد يلاحظ الدارس أن بعض البيئات الجغرافية، لا تسم أجوائها ودرجة حرارتها و رطوبتها بوجه عام بالنمو الصحي للسكان، فتزداد نسبة الأمراض المتوطنة و تكثر نسبة الوفيات بين المواليد. و قد يكون للكثافة الجغرافية للسكان أثرها كذلك، ففي بعض البيئات الريفية حيث تتوزع التكتلات البشرية، لا تكون فرص العدوى الوبائية بمثل الحال في البيئات الصناعية، التي يشتد فيها تركز السكان على نحو يزيد من احتمالات انتقال العدوى بنسبة أكبر، اللهم إذ كانت الأمراض المنبثقة تعد من طبيعة الأعمال ذاتها، أو من أثار ما تحويه البيئة الطبيعية من مصادر الأوبئة كالبرك و المستنقعات و المياه الملوثة.
علاقة الديمغرافيا بعلوم الأحياء: كثيرا ما يهتم الديمغرافي بالتغيرات البيولوجية التي تطرأ على جسم الإنسان، و بكل ما تعلق بالنواحي الفسيولوجية و التشريحية له، حيث تعتبر المعطيات المتعلقة بالخصوبة و الوفاة من أهم المتغيرات التي يهتم بها رجال الديمغرافيا عادة. فبالنسبة للأولى مثلا، نجد أن الكثير من العلماء أبدوا اهتمام بالغ بتتبع مستويات الخصوبة (الممكنة منها او الفعلية)، و عوامل اختلاف نسبتها من مجتمع إلى أخر،وكذا اختلافها بين مكونات المجتمع الواحد. ويظهر ذلك بوضوح في عديد الدراسات التي تم القيام بها، و التي بمقتضاها تم التمييز بين المجتمعات على أساس الخصائص المميزة للقدرة على الإنجاب، حيث يعتقد هوكور في هذا الإطار بأن كثافة السكان مسألة ترجع إلى مقدرة كل جنس على الإنجاب و إلى خصوبته التناسلية، و من أبرز تلك الدراسات ما قام به العالم الأمريكي نوتشاين NOTSIEIN من تحقيقات على الخصوبة في الطبقات الاجتماعية ببعض المناطق و مدن الولايات المتحدة الأمريكية. و ينتمي إلى هذه الشعبة الحيوية في الدراسات السكانية العلماء و المشتغلون بتحسين النسل سواء من الناحية البيولوجية أو الاجتماعية، حيت إعتمدت هذه الطائفة من العلماء على الانتفاع بالنواحي العلمية التي أظهرتها دراسات فرانسيس جالتون F. GALTON من ترقية مختلف أنواع الكائنات الحية، و محاولة الانتفاع بها و تطبيقها لترقية النوع البشري و تحسين الصفات الإنسانية عن طريق دراسة مستفيضة لنظريات الوراثة و أثر الورثة البيولوجية على الوراثة الاجتماعية، وهي البحوث التي تقدمت على يد كارك بيرسون وازدهرت بعد أن تأسس في انجلترا مركز قومي للبحوث الايوجينية (بحوث تحسن النسل) في سنة 1907، و أصبح لهذه الدراسات هيئات و جمعيات تربوية، تتولى نشر أرائها بين الفئات الاجتماعية المختلفة، و كذلك مجالات تقدم فيها أبحاثها و دراساتها المختصة، لمناقشة الوسائل العلمية لتحسن النسل، و متابعة التشريعات الاجتماعية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف الإنساني.
أما بالنسبة للوفاة، فقد حظيت هي الأخرى بقسط وافر من اهتمام علماء البيولوجيا، و من الشواهد العلمية الدالة على إرتباط الوفاة بالمتغيرات البيولوجية، ما ذهبت إليه بعض الدراسات المختصة في هذا الإطار، و التي أوضحت أن النساء في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يعشن فترة أطول من الرجال، و ذلك لأن الخلية الأنثوية تحتوي على إثنين من الكرومزوم (X) ، بينما الخلية الذكرية تحتوي على الكرومزوم (X) واحد. كما تخضع سياسة تحديد النسل كثيرا لاختيارات بيولوجية هامة و التي تتعلق أساسا باستئصال الرحم، الإجهاض، شيوع كثرة استعمال منع الحمل.
علاقتها بعلم التغذية: تتصل الدراسات السكانية أيضا ببحوث التغذية اتصالا وثيقا، إذ نجد من علماء السكان من يتخذ من سوء التغذية أو قوتها مقياسا للكثافة السكانية، فحيث تسوء التغذية يكون ذلك في الغالب عاملا من عوامل الزيادة السكانية، إلى جانب ما يحتمل أن يكون من تنظيم اجتماعي تدريجي، يرتكز على سوء التغذية و عدم تحقق العدالة الاجتماعية، الأمر الذي يترتب عليه أن يكون الاستهلاك الغذائي لبعض الطبقات، دون ما يحتاج إليه الفرد للاحتفاظ بمستوى صحي ملائم.
وهذا هو السر وراء انتشار الأمراض مثل البلاجرا الناجمة عن سوء التغذية، و العكس كذلك إذا ما كانت التغذية ملائمة، فإنه في هذه الحالة سوف يتخذ مظهرا من مظاهر اقتراب حجم السكان من حدة الأمثل، و الذي يسمح بتحقيق الرفاهية لسكانه، و ما يقال عن التغذية ينجر أيضا عن الخدمات الصحية و الثقافية و الرعاية الاجتماعية.