علاقة الديموغرافيا بالعلوم الأخرى

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مدخل الى الديموغرافيا
Livre: علاقة الديموغرافيا بالعلوم الأخرى
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 23 November 2024, 03:27

Description

يحتوي هذا الكتاب على عناصر المحاضرة الثانية بعنوان علاقة الديموغرافيا بالعلوم الأخرى

1. علاقة الديموغرافيا بالعلوم الاجتماعية

علاقة الديمغرافيا بالعلوم الاجتماعية:يتمتع علم السكان بروابط  وشيجة مع جل العلوم الاجتماعية، و التي تتقاطع جميعها عند محاولة فهم مقدار التغير الطارئ على الظاهرة السكانية (وفاة، هجرة، خصوبة، التركيب السكاني...) و اتجاهاته.. و ذلك تحت ضغط مجموعة الظروف و المتغيرات التي تحيط به في حياته اليومية، كالجماعة، المكان، الإنسان، العادات، التقاليد، الدين...

 بعلم الاجتماع :تتميز العلاقة بين علم الاجتماع و دراسة السكان بطبيعة خاصة، و ذلك رغم كون الدراسات السكانية تعد أقدم من علم الاجتماع، و أمها ظهرت و نمت من أصول متنوعة، إلا أنها أصبحت اليوم أكثر ارتباطا بعلم الاجتماع دون سواه من العلوم.

-  موضوع دراسة علم الاجتماع هو المجتمع من حيث بنائه و تغيره، و حيث أن السكان يشكلون العنصر الأساسي في المجتمع، فإنهم بالتالي يدخلون في دائرة اهتمام علم الاجتماع.

- يعتمد علم الاجتماع في تحليله للظواهر الاجتماعية على المعطيات الديمغرافية و المتغيرات السكانية، و يستفيد بها على المستويات المتباينة و خاصة الأسرة و المدينة، و جماعات الأقليات و الطبقات الاجتماعية ، و التدرج الاجتماعي و النسق السياسي و النظام الإقليمي و المكانة الاقتصادية و الاجتماعية، و ما غلى ذلك من مواضيع تقع في بؤرة اهتمام علم الاجتماع.

-  تحليل و دراسة العلاقة بين الظواهر السكانية و الظواهر الاجتماعية، يثري علم الاجتماع و يساعده على الوصول إلى قدر عالي من التعميم و تجريد المعطيات و الوقائع، مما يؤدي إلى تطوير نظرية علم الاجتماع. كما استفاد علم السكان كثير من علم الاجتماع، حيث حرص هذا الأخير على توفير الشروط النظرية و المنهجية لعلم اجتماع السكان ، و تثبيت دعائم استقلاله و تميزه عن مجموعة النظم الفكرية الأخرى. وذلك من خلال توفير القضايا الامبريقية و الاستقرائية عن المتغيرات السكانية و الاجتماعية، و تمكينه من الاستعانة بمناهج و أدوات البحث الاجتماعي في دراسة للظواهر السكانية.

 علاقة الديمغرافيا بعلم النفس : ترجع علاقة الديمغرافيا بعلم النفس إلى عقود طويلة مضت، و ذلك حينما لجأ كينز للاعتماد في تفسيره للعوامل المتحكمة في تحديد شقي الطلب الكلي الفعال (أي الطلب على الاستهلاك و الطلب على الاستثمار) إلى التحليل النفسي لسلوك المستهلكين و الرأسماليين، و لم يلجأ إلى القوانين الاقتصادية التي تظهر في مجال الإنتاج و التوزيع، حيث أدعى "أن الناس يميلون إلى زيادة استهلاكهم كلما تزايد دخلهم، و لكن ليس بنفس الكمية التي يتزايد بها الدخل". و هو القانون الذي رأى أنه ذو صلاحية مطلقة باعتباره متصل بالطبيعة الإنسانية، و لم يتوقف هامش التعاون عند هذا الحد، حيث أبدى العديد من علماء النفس في السنوات الأخيرة، اهتمام متزايد بمعالجة عدد من المواضيع ذات الارتباط الوثيق بالسلوك الديمغرافي، و التي من بين أكثرها تناولا نذكر عمليات تحديد النسل، و ذلك رغم كونها مسألة ديمغرافية بحتة، حيث حاول الكثير من المهتمين و الدارسين لهذا التخصص، معرفة الدوافع التي تصنع الفوارق في استجابات الأفراد، فتدفع البعض إلى كثرة الإنجاب و بعضهم الآخر إلى قتله.

 علاقة الديمغرافيا بالأنثروبولوجيا: يتسم مجال الأنثروبولوجيا بالشساعة، جراء تناوله ظواهر كثيرة و متنوعة تتصلب الإنسان، مما أدى إلى تشعبه إلى عدة فروع معرفية، أبرزه الأنثروبولوجيا الطبيعية و التي تدرس المواصفات الطبيعية للإنسان، و كذا الأنثروبولوجيا الاجتماعية و الثقافية و التي تهتم بالإنسان بوصفه ظاهرة اجتماعية، لها نمط معين في المعيشة و السلوك و العقائد و التقاليد. و هي معطيات التي بات يستفيد منها علماء السكان في بعض دراستهم، و لا سيما ما تعلق منها بالبحث في الأصول السلالية و الثقافية لسكان مجتمعات معينة،و لقد تمخض عن ذلك ما بات يعرف بتمييز العنصر و التفاوت في الخصائص النوعية لبعض السكان دون غيرهم. و من أمثلة ذلك الجهود التي بذلها نفر من العلماء لدراسة التغيرات النوعية و السلالية التي تطرأ على السكان تحت تأثير الهجرة و الانعزال، و الذين يأتي على رأسهم: وانجر WAGNER، راتزل RATZEL، ليو فرويببنوس LEO FROBENIUS، بينا ردي لا بولاي، فوي FOY، انكرمان ANKERMANN، ... و الذين قسم بعضهم سكان العالم على أساس دوائر و مناطق ثقافية و أثنولوجية، علة ما فعل راتزل و ليو فرويببنوس و بينا ردي لا بولاي، و الذين حاولوا إيضاح العلاقات المكانية و الإقليمية بين مختلف الأجناس البشرية، كما حاولوا إثبات وجود علاقات أساسية بين هذه الأجناس، تساعد على معرفة الثقافة الأصلية و الحياة الفكرية الأولى لأقدم السلالات، كما توضح العلاقات الزمانية بين الثقافات المتعددة المنتشرة بين السكان في مختلف القارات.

2. علاقة الديموغرافيا بالعلوم السياسية و الاقتصادية و الإحصاء

علاقتها بالعلوم السياسية و الاقتصادية و الإحصاء: امتد مجال اهتمام الديمغرافيا إلى ثلاثة ميادين معرفية أخرى، لا تقل أهمية عن سابقتها و هي: العلوم السياسية و الاقتصادية و الإحصاء، كما سنقف عليه في العرض التالي

1- علاقة الديموغرافيا بالعلوم السياسية : تلعب المتغيرات السياسية دور بالغ الأهمية في تشكيل الأحداث الديمغرافية، و على سبيل المثال نجد أنه صدر في اليابان عقب نهاية الحرب العالمية الأولى، قانون يبيح و يشجع على عمليات العقم و الإجهاض، و قد أدى ذلك بطبيعة الحال إلى انخفاض المواليد بهذه الدولة، و الأمر ذاته ينسجم على الصين كذلك اليوم، أين أثرت سياسة تحديد النسل المنتهجة من قبل السلطة السياسية، و التي تقضي بمنح كل أسرة الحق في إنجاب طفل واحد مع إمكانية تمديد هذا الحق إلى طفل ثاني في حالة ما إذا كان الطفل الأول بنت، إلى تغير جذري في التركيب السكاني للمجتمع الصيني. كما ان قوانين المتعلقة بعملية الهجرة (منع/ترخيص) و المتبعة في الكثير من الدول، تؤثر على عدد السكان و توزعهم بطريقة ملحوظة سواء كانت هذه الهجرة داخل البلد فقط أو إلى خارجها. 

2- علاقة الديمغرافيا بالعلوم الاقتصادية: تعتبر العلاقة بين الاقتصاد و الديمغرافيا حسب الكثير من الدارسين ذات طابع أزلي، سواء من حيث الارتباط المفاهيمي أو الفكري، كما أنها ذات تأثير متبادل، ففي حين يحدد تطور الاقتصاد من نواحي كثيرة طبيعة السمات الأساسية للنمو السكاني و تركيبته، فإن حجم السكان وتركيبتهم يؤثران أيضا بشكل لا يستهان به في وتيرة النمو الاقتصادي و مستوياته، و حتى نوعية الخيارات الواجب اعتمادها... و قد أصبحت التطورات العالمية المعاصرة على هذا الموضوع أهمية أكبر، جعلته محط اهتمام الحكومات، في إطار مساعيها الرامية إلى تحقيق الرفاهية الاقتصادية، و ذلك عن طريق دراسة العلاقة القائمة بين حجم السكان و الموارد الطبيعية والإنتاج القومي و مدى كفايته، حتى بات في حكم المؤكد ندرة وجود ظاهرة اقتصادية لا تتأثر بحجم السكان و العكس صحيح أيضا، و من شواهد ذلك نذكر:

- تأثير المتغيرات الاقتصادية على معدل الحراك السكاني (الهجرة)، إذ أنه في أوقات الكساد تقل الهجرة إلى داخل البلاد، و في أوقات الانتعاش الاقتصادي فغنها تزيد.

- كما ان الأحوال الاقتصادية تؤثر في الخصوبة، و الدليل على ذلك ما حدث في الثلاثينيات من القرن الماضي من كساد في الولايات المتحدة الأمريكية، و قد لوحظ بأن نسبة المواليد قد قلت في تلك الفترة، و أرجع العلماء ذلك إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة قد دفعت الشباب للإحجام عن الزواج.

- كما يستوجب لمعرفة المتطلبات المالية لسياسة التامين الاجتماعي في المستقبل، أن نعرف التركيب العمري للسكان في المستقبل.

- و قد أثمر هذا الارتباط اليوم، عن قيام حقلين معرفيين مشتقين منهما، الأول و يطلق عليه مسمى اقتصاد السكان، و الذي يعرف بأنه علم فرعي شامل لجميع الأسس والمبادئ المنهجية، الخاصة ببحث العلاقة بين تطور السكان و تطور المجتمع في جوانبه الاقتصادية، في إطار تشكيلة سوسيو-اقتصادية معينة. معتمدا بشكل كبير على المبادئ و القواعد المنهجية للاقتصاد السياسي.

أما الثاني فيعرف باسم الديمغرافيا الاقتصادية، و يشكل فرعا معرفيا آخر في منظومة العلوم الديمغرافية، و يتناول تأثير الجوانب الاقتصادية في عملية إعادة الإنتاج معتمدا في تحاليلها على المبادئ المنهجية و المقولات المحددة في علم الاقتصاد السكان.

 3- علاقة الديمغرافيا بالإحصاء: يشكل الإحصاء أحد الروافد المعرفية الهامة التي يتغذى مننها علم السكان، فالبيانات الخام التي يبحث رجل الديمغرافيا عن معرفتها سواء كانت في صورة تعدادات أو تسجيل للوقائع الحيوية... إلخ تنتج في أحيان كثيرة من عمليات تجميع تبادر بها مصالح إحصائية مختلفة، و لا يكون هدفها غالبا علم السكان و لا تمت بصلة مباشرة، كما هو عليه الحال بالنسبة لنتائج التحقيقات الميدانية المعدة بشكل خاص لدراسة موضوع ما، كمعطيات هيئات التأمين و الضمان الاجتماعي، و المعلومات الحصرية المستقاة من الدوائر الوطنية للإحصاء، و لكنها تشكل في النهاية المادة الأساسية التي يشتغل بها المختصين بها في علم السكان، أي أنها هي التي تقدم مادته الرئيسية عن أعداد السكان و خصائصهم، و كيفية توزيعهم عبر المكان و تطورهم عبر الزمان....كما ان أحد الأدوار الرئيسية عن لعلم السكان، هي تحويل معطيات الرصد الخام التي يحصل عليها بطريقة إلى عدة نتائج معدة، وذلك من خلال ما يصطلح على تسميته بعملية التحليل السكاني، و في ذلك كل المقاييس الإحصائية تكون قاعدة ثابتة في أغلب الأبحاث السكانية، و هذا لا يفاجئ أحدا طالما موضوع الدراسة يتقبل العمليات الحسابية بشكل جيد، و كمثال على دلك فإن الطلاق و الموت تنتجان عادة عن استطراد مجموعة معقدة من الوقائع، فمن الملائم لتوضيحهما أن لا نبحث فقط عن معرفة أعدادهما، بل أيضا معرفتهما حسب مجموعة متعددة من المعايير، يمثل بعضها آثار الظواهر السكانية على المجتمع ك: الجنس، العمر، الحالة، المدينة، مقر الإقامة، المستوى التعليمي، فئات الأسر ، النشاط الاقتصادي...أين يمكن حسابها بشكل مشترك أو منعزل، و بهذا الشكل فإننا سوف ندرس مختلف مظاهر السكان

3. علاقة الديمغرافيا بالإيكولوجيا و الجغرافيا

علاقة الديمغرافيا بالإيكولوجيا و الجغرافيا: كما يرتبط علم السكان بعلاقات متميزة بكل من بالإيكولوجيا و الجغرافيا، و من خلال حاجته الماسة إلى إدراك طبيعة المكونيين البيئي و البشري، و الذي يوضحه الشرح التالي:

 علاقتها بالإيكولوجيا : ترتبط الإيكولوجيا الاجتماعية ارتباطا قويا بقضية السكان، و ذلك لأن الزيادة السكانية المتسارعة لها دور كبير في فهم الكثير من المشاكل الايكولوجية المطروحة ، إذ أن تلك الزيادة ترفع من سرعة استنزاف الموارد، و تزيد من حدة الصراع على مساحات الأراضي المزروعة، كما تتسبب في إرتفاع معدلات التلوث، جراء التضخم المسجل في حجم النفايات المنزلية، و تزايد استخدام وسائل النقل مما يؤدي لتصاعد حجم التلثو الهوائي.

 علاقتها بالجغرافيا: تنقسم الجغرافيا إلى حقلين معرفيين، و هما الجغرافيا الطبيعية و التي تركز جل اهتمامها على دراسة مظاهر سطح الأرض الطبيعية ك: السلاسل الجبلية، الأنهار... و الجغرافيا البشرية أو جغرافيا السكان كما يسميها البعض، و التي ظهرت مع حلول القرن العشرين، حيث باتت تهتم بحسب الجغرافي الانجليزي كلارك، بتحليل التباين و الاختلافات المكانية لتوزيع و تركيب و هجرة، و نمو السكان و علاقتها بالبيئة  الطبيعية، في حين ترى الجغرافية الفرنسية BEAUJEU GARNIER بأنها تعني بدراسة الحقائق و الخصائص الديمغرافية في بيئتها.

   هذا المعنى يجعل منها تهتم أكثر بالجانب التحليلي للظاهرة السكانية، و ذلك بهدف تحديد أثر الإطار المكاني على عملية النمو السكاني، و توضيح مختلف العوامل التي تحكم علاقات السكان داخل الإطار، وذلك من خلال تحديد مراحل هذا النمو و إيضاح مدى ارتباطها بالظروف الجغرافية السائدة، و كيفية تأثيرها في توزيع السكان تركزا و تشتتا، معتمدا في ذلك على التحليل الرقمي الذي توفره الديمغرافيا كأساس وقاعدة لتحليلاته. كما تعد دراسة الهجرة السكانية من أبرز ملامح الارتباط بين العلمين، و ذلك لأن الهجرة ظاهرة ديمغرافية تتحكم فيها مجموعة متنوعة من العوامل، و التي تتطلب في قراءتها و استشعار أهميتها أساسا إحصائيا توفره الديمغرافيا، و في تحليلها أساسا جغرافيا تفسر من خلاله أسباب الوفود و دوافع النزوح. كما تعني العلاقة القائمة بين العلمين بدراسة مستقبل السكان و تخطيط مواردهم، حيث تعد في هذا الإطار الجغرافيا من أقدر التخصصات في مجال التخطيط، و ذلك عن طريق تحديد اتجاه النمو السكاني داخل رقعة إقليم ما، معتمدة في ذلك على دراسة الظروف التي تؤدي إلى توفر عوامل الجذب و الطرد به.  

4. علاقة الديمغرافيا بالطب و علوم الأحياء و التغذية

علاقة الديمغرافيا بالطب و علوم الأحياء و التغذية: كن التقدم الحاصل في مجال العلوم الطبية و الصيدلانية و الأحياء، من إعطاء نفس قوي للدراسات السكانية، من خلال تزويدها بالكثير من المعرف العلمية الدقيقة، و التي أجابت على الكثير من التساؤلات التي ظلت مطروحة، لا سيما ما تعلق منها بمجالي الخصوبة والوفيات، و هي العلاقة التي سنقف على بعض مضامينها فيما هو أتي.

 علاقته بالطب: حرص فريق من العلماء على دراسة السكان من النواحي الصحية، فعمدوا إلى بحث نسبة الأمراض المتوطنة، و نسبة الوفيات و المواليد و متوسط العمر و القوة و الحيوية، و ربط هذه الأمور و ما إليها بالظروف و الأحوال البيئية الطبيعية و بالنظام التغذية، ومدى كفايتها للتعويض عن الجهود المبذولة أو صلاحيتها للنمو الصحي، كما يفسرها في ضوء الحالة الثقافية الاقتصادية بالنسبة للمستويات الاجتماعية المتباينة، و غيرها من العوامل التي لها صلة مباشرة بالحالة الصحية.

فمن الناحية البيئة مثلا، قد يلاحظ الدارس أن بعض البيئات الجغرافية، لا تسم أجوائها ودرجة حرارتها و رطوبتها بوجه عام بالنمو الصحي للسكان، فتزداد نسبة الأمراض المتوطنة و تكثر نسبة الوفيات بين المواليد. و قد يكون للكثافة الجغرافية للسكان أثرها كذلك، ففي بعض البيئات الريفية حيث تتوزع التكتلات البشرية، لا تكون فرص العدوى الوبائية بمثل الحال في البيئات الصناعية، التي يشتد فيها تركز السكان على نحو يزيد من احتمالات انتقال العدوى بنسبة أكبر، اللهم إذ كانت الأمراض المنبثقة تعد من طبيعة الأعمال ذاتها، أو من أثار ما تحويه البيئة الطبيعية من مصادر الأوبئة كالبرك و المستنقعات و المياه الملوثة.

علاقة الديمغرافيا بعلوم الأحياء: كثيرا ما يهتم الديمغرافي بالتغيرات البيولوجية التي تطرأ على جسم الإنسان، و بكل ما تعلق بالنواحي الفسيولوجية و التشريحية له، حيث تعتبر المعطيات المتعلقة بالخصوبة و الوفاة من أهم المتغيرات التي يهتم بها رجال الديمغرافيا عادة. فبالنسبة للأولى مثلا، نجد أن الكثير من العلماء أبدوا اهتمام بالغ بتتبع مستويات الخصوبة (الممكنة منها او الفعلية)، و عوامل اختلاف نسبتها من مجتمع إلى  أخر،وكذا اختلافها بين مكونات المجتمع الواحد. ويظهر ذلك بوضوح في عديد الدراسات التي تم القيام بها، و التي بمقتضاها تم التمييز بين المجتمعات على أساس الخصائص المميزة للقدرة على الإنجاب، حيث يعتقد هوكور في هذا الإطار بأن كثافة السكان مسألة ترجع إلى مقدرة كل جنس على الإنجاب و إلى خصوبته التناسلية، و من أبرز تلك الدراسات ما قام به العالم الأمريكي نوتشاين NOTSIEIN من تحقيقات على الخصوبة في الطبقات الاجتماعية ببعض المناطق و مدن الولايات المتحدة الأمريكية. و ينتمي إلى هذه الشعبة الحيوية في الدراسات السكانية العلماء و المشتغلون بتحسين النسل سواء من الناحية البيولوجية أو الاجتماعية، حيت إعتمدت هذه الطائفة من العلماء على الانتفاع بالنواحي العلمية التي أظهرتها دراسات فرانسيس جالتون F. GALTON من ترقية مختلف أنواع الكائنات الحية، و محاولة الانتفاع بها و تطبيقها لترقية النوع البشري و تحسين الصفات الإنسانية عن طريق دراسة مستفيضة لنظريات الوراثة و أثر الورثة البيولوجية على الوراثة الاجتماعية، وهي البحوث التي تقدمت على يد كارك بيرسون وازدهرت بعد أن تأسس في انجلترا مركز قومي للبحوث الايوجينية (بحوث تحسن النسل) في سنة 1907، و أصبح لهذه الدراسات هيئات و جمعيات تربوية، تتولى نشر أرائها بين الفئات الاجتماعية المختلفة، و كذلك مجالات تقدم فيها أبحاثها و دراساتها المختصة، لمناقشة الوسائل العلمية لتحسن النسل، و متابعة التشريعات الاجتماعية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف الإنساني.

أما بالنسبة للوفاة، فقد حظيت هي الأخرى بقسط وافر من اهتمام علماء البيولوجيا، و من الشواهد العلمية الدالة على إرتباط الوفاة بالمتغيرات البيولوجية، ما ذهبت إليه بعض الدراسات المختصة في هذا الإطار، و التي أوضحت أن النساء في الولايات المتحدة الأمريكية مثلا يعشن فترة أطول من الرجال، و ذلك لأن الخلية الأنثوية تحتوي على إثنين من الكرومزوم (X) ، بينما الخلية الذكرية تحتوي على الكرومزوم (X)  واحد. كما تخضع سياسة تحديد النسل كثيرا لاختيارات بيولوجية هامة و التي تتعلق أساسا باستئصال الرحم، الإجهاض، شيوع كثرة استعمال منع الحمل.

 علاقتها بعلم التغذية: تتصل الدراسات السكانية أيضا ببحوث التغذية اتصالا وثيقا، إذ نجد من علماء السكان من يتخذ من سوء التغذية أو قوتها مقياسا للكثافة السكانية، فحيث تسوء التغذية يكون ذلك في الغالب عاملا من عوامل الزيادة السكانية، إلى جانب ما يحتمل أن يكون من تنظيم اجتماعي تدريجي، يرتكز على سوء التغذية و عدم تحقق العدالة الاجتماعية، الأمر الذي يترتب عليه أن يكون الاستهلاك الغذائي لبعض الطبقات، دون ما يحتاج إليه الفرد للاحتفاظ بمستوى صحي ملائم.

وهذا هو السر وراء انتشار الأمراض مثل البلاجرا الناجمة عن سوء التغذية، و العكس كذلك إذا ما كانت التغذية ملائمة، فإنه في هذه الحالة سوف يتخذ مظهرا من مظاهر اقتراب حجم السكان من حدة الأمثل، و الذي يسمح بتحقيق الرفاهية لسكانه، و ما يقال عن التغذية ينجر أيضا عن الخدمات الصحية و الثقافية و الرعاية الاجتماعية.