قضية الدلالة من أقدم ما شغلت به الحضارات من قضايا ساهم في دراستها الفلاسفة، واللغويون، والبلاغيون، وعلماء الاصول من العرب وغيرهم.ويعد البحث الدلالي محورًا من محاور علم اللغة الحديث.فقد بحثت الدلالة وقضاياها من جانبيين:
الأول: جانب نظري.
الثاني: جانب عملي خالص. ونجد هذا الجانب في المعاجم وتقنيات أداء المعاجم بمختلف أنواعها. فهناك مباحث تدخل تحت ما يسمى بالمعجمية أو علم المعاجم، ويكون محور البحث فيها مرتكزا على المفردات ودلالاتها، وأصولها، وتطورها التاريخي، ومعناها الحاضر، وكيفية استعمالها.وتدخل تحت هذه القضايا مسائل ذات علاقة بالتعدد الدلالي، والاشتراك اللفظي، والترادف، والتضاد، والمكونات الدلالية للفظ الواحد.وكل جزئية من هذه الجزئيات لها مباحث واسعة جدًا.نحو: دراسة الكلمات المفردة لمعرفة أصولها وتطورها. هذه الدراسات تدخل تحت ما يسمى بـ (المعجمية).
علم صناعة المعاجم:
يدرس أساليب صناعة المعجم.كيف نؤلف معجما؟ ماذا نضع في المعجم من المواد اللغوية؟ وجواب ذلك كله مقترن بمن سيوجه إليه ذلك المعجم.ومن سيستعمله؟ ولأي غرض سيستعمله؟ فالطفل الصغير حاجته من المعجم أقل بكثير من الطالب الجامعي.وحاجة المتخصص من المعجم أعمق، وأوسع بكثير من حاجة المستخدم العادي من عامة الناس.
والمعاجم اللغوية اليوم، لا تراعي حاجة المستخدم، لكن هناك منجد الطلاب لمحققين لبنانيين ساهموا بعض الشيء في هذا الجانب "المعجم المبتدئ"للطفل الصغير.
الاعتبارات التي تدخل في أساليب صناعة المعجم:
ماذا نضع في المعجم (المواد اللغوية)؟
ما مستوى اللغة التي توضع في المعجم (أدبية,علمية)؟
ما نوع اللغة المستخدمة (قديمة, أم حديثة)؟
من يستعمل المعجم؟وبالتالي نراعي مستوى اللغة والحاجة التي يريد تحقيقها من استخدام المعجم،من حيث نوع المفردات التي ستوضع.وكيفية ترتيبها وتصنيفها وتعريفها.
استخدام الألوان والرسوم والجداول كوسائل مساعدة في بيان المعلومة.وقضايا الإملاء كيف تكتب الكلمات وبالذات رسم الهمزة والألفات.
كيفية النطق:يفترض أن مستعمل المعجم عربي يحسن قراءة الحروف العربية.لكن لابد من كتابة صوتية تساعد غير الناطقين بالعربية على النطق الصحيح.
قضايا الترادف.هل كريم هي جواد؟ وجواد هي حصان؟ هل الوجه هو المحيا؟ هل الترادف تام أم هناك فروق تاريخية؟
الاشتراك: هل هناك اشتراك تام في المعنى، مثل: رأس الجبل.أشكو من صداع رأسي.فلان رأس الحية.عين.أرسل عيونه.العين المبصرة.عين الماء.فهل هذه الكلمات مشترك لفظي تام.هل سنعاملها على أنها لفظة واحدة، لها دلالات عدة؟ أم عدة مفردات تشترك فيلفظً فقط.
التضاد: أن يكون للدال الواحد معنيان متضادان.. (المسجور: المليء والفارغ)، (السليم: السليم والمريض تفاؤلًا بسلامته). (القافلة: التي رجعت من السفر، لأنها قفلت، اي رجعت.كما يطلقونهاعلى الجماعة الناهضة للسفر تفاؤلًا برجوعها سالمة).
وتصنف المعاجم إلى: معاجم تاريخية، ومعاجم الألفاظ، ومعاجم الموضوعات، ومعاجم المصطلحات... إلخ.
المعاجم التاريخية:
تبحث في تطور دلالات الكلمات. كيف كانت مستعملة؟ وإلى أين وصلت في الاستعمال؟ مثال: الكلمات تستخدم في معاني محسوسة، وتتحول إلى معاني مجردة.(العقل)ربط الناقة وأحكامها (عقل الناقة).ثم تطورت إلى معنى باطني.. عَقَلَ الشيء.. أي أدركه وألمّ به. الحج أصلها القصد، ثم أصبحت تطلق على فريضة الحج, الصلاة بمعنى الدعاء, ثم أطلقت على فريضة الصلاة.
فائدة المعجم التاريخي:
أن نأتي بكلمات من لغتنا بدل البحث عن كلمات جديدة.
نعرف التطور التاريخي للكلمة. مثل: (شرف) الأرض المرتفعة. ثم تطورت إلى معاني مجردة. لكن تظل الكلمة بمعناها القديم موجودة في دلالتها، كما في: شرفة البيت, شريف النسب. فكل هذا يكشفه المعجم التاريخي.
يتتبع المعجم التاريخي الكلمات وأصولها، فليس جميع ما في القرآن من كلمات عربية أصلًا مثل (الصراط) من أصل لاتيني. ومثل؛ الياقوت والمرجان والسندس والاستبرق.
(الكحول) كلمة عربية أصلها "غور". والكوريوم تحريف لاسم الخوارزمي. وأميرال أعلى رتبة عسكرية مقتطعة من (أمير البحر).
معاجم الألفاظ :
سلك المعجميون مسالك متعدّدة في ترتيب ألفاظ معاجمهم، بحيث أصبحت طرقاً معروفةً لمن يريد جمع ألفاظ اللغة وترتيبها، فيختار أحدها ويبني عليها معجمه، وهذا النوع من المعاجم يعتني بترتيب الألفاظ وِفقاً لحروفها ومن أمثلتها:
معجم العين :
استخدامه صعب على عامة الناس من حيث الترتيب، والتصنيف. كذلك تعريف معاني المفردات تعريف قاصر في كثير من الأحيان, ورتب المعجم بحسب نظام التقليبات الصوتية مثال : (لعب) نجدها في باب العين لأنه الأبعد مخرجاً .
المعجم الوسيط:
وضعه مجمع اللغة العربية بالقاهرة, حيث قَدَّم للقارئ والمثقف ما يحتاج إليه من مواد لغوية في أسلوب واضح قريب المأخذ سهل التناول , و ألفاظه مرتبة ترتيباً ألفبائي .
إن علم الدلالة من أهم جوانب البحث اللغوي في علم اللغة. والاهتمام به قديمًا وحديثًا.