1 ــــــ تعريف القياس النفسي والتربوي. يمكن القول أنّ القياس، بالمعنى الواسع، بأنه تعيين أرقام للأشياء أو الأحداث وفقا لقواعد. وحقيقة أن الأرقام يمكن تعيينها تحت قواعد مختلفة تؤدي إلى أنواع مختلفة من المقاييس وأنواع مختلفة من القياس. وتصبح المشكلة بعد ذلك هي تفسير: (أ) القواعد المختلفة لتعيين الأرقام، (ب) الخصائص الرياضية (أو بنية المجموعة) للمقاييس الناتجة، و (ج) العملية الإحصائية المطبقة على نمط القياس مع كل نوع من المقاييس (Stevens, 1946)
ويعرف القياس أيضا بأنه التحديد الرقمي للسلوك أو الخصائص وفق قواعد محددة، بحيث تتضمن عملية قياس أي خاصية: أساليب قياس دقيقة ومناسبة أو عمليات، وقواعد محددة لتعيين قيم عددية للخاصية أو لأداء الفرد على اختبار يقيس هذه الخاصية (Brown, 1984) وطبقا لهذه التعريفات نجد (Thorndike & others, 1991) أشار إلى أن القياس يتضمن ثلاث عمليات أو خطوات أساسية هي:
- تحديد الخاصية المراد قياسها أو تقديرها.
- تحديد مجموعة الاجراءات التي يمكن عن طريقها ابراز هذه الخاصية حتى يمكن ملاحظتها، فيسهل قياسها.
- بناء أو تصميم مجموعة من الأساليب أو الأدوات لترجمة هذه الملاحظات إلى مصطلح أو صيغ كمية أو قيم رقمية.
وفي ضوء ما تقدم يمكن أن نعرف القياس، على أنه التعبير الرقمي لمقدار امتلاك الفرد لخاصية ما أو قدرة معينة بمقياس معين، وفي إطار قواعد معينة.
2-أوجه المقارنة بين اختبارات القياس النفسي والقياس التربوي:
يظهر من المهم جدا التمييز بين نوعين رئيسيين من القياس، وهما القياس النفسي والقياس التربوي، فالاختبار المطور لقياس الفروق بين الأفراد يسمى اختبار نفسي Psychomotrice Teste، هذا البعد من الاختبار يطلق عليه "القياس النفسي "Psychometric" ، بمعنى القياس هنا يظهر الفروق بين الأفراد واستقرارها، وهو الاهتمام التقليدي لعلم النفس. أما البعد الآخر للاختبار والذي يطلق عليه "بعد القياس التربوي Edumetric Dimension»، يكون الاهتمام فيه قياس الفروق في إطار الفرد الواحد، تلك الفروق المرتبطة بالتطورات الشخصية للمفحوص مثال الاختبارات المعدة لقياس مكتسبات المتعلمين بعد تعرضهم لخبرات معينة يكون التركيز فيها على أبعاد القياس التربوي أكثر من أبعاد القياس النفسي (1974 (Carver
3ـــــ مستويات القياس النفسي : لقد ذكرنا أن القياس هو التقدير الكمي لخاصية ما أو قدرة معينة، ويكون لهذا التقدير قواعد وخصائص رياضية تسمى مستوى القياس، والمستوى نظام لتعيين قيم أو درجات للخصائص موضع القياس، وقد حدد (Stevens, 1946) في مقال بعنوان "نحو نظرية مستويات القياس " أربع مستويات للقياس، المستوى التصنيفي، المستوى الرتبي، المستوى الفئوي(المجال)، المستوى النسبي.
3-1. المستوى الاسمي(التصنيفي) Echelles Nominales: يعتبر هذا المستوى من أبسط مستويات القياس، يناسب المتغيرات النوعية، ويتضمن تصنيفا أو تقسيما إلى فئات على أساس خاصية معينة أو عدة خصائص مميزة، حيث يجب أن توضع كل الأشياء التي يتم قياسها في فئات حصرية وشاملة (Laurent, 2010) يكون الهدف من عملية القياس في هذا المستوى هو التصنيف classification الذي يراعي الفروق النوعية بين الأفراد مثلا: ناجح / راسب. منبسط/ منطوي. واستخدام الأرقام هنا لا يعكس مقادير كمية. فهي تستخدم فقط لتمثيل فئات فريدة من نوعها وليس لها خصائص رياضية، مثلا نرمز لمجموعة الذكور بالرقم (1) ومجموعة الاناث بالرقم (2)، هذه الأرقام ليست لها دلالة كمية. متغيرات هذا المستوى دائما تكون منفصلة. ولا يسمح هذا المستوى بإجراء العمليات الحسابية الكلاسيكية ما عدا العد البسيط (حساب التكرارات).
3-2. المستوى الرتبي Echelles Ordinales: على غرار المستوى الاسمي، يُسمح لنا في هذا المستوى تصنيف الأفراد بناء على خاصية معينة، كما يكون ترتيب الأفراد متاح أيضا في المستوى الرتبي، ويكون الترتيب تبعا لخاصية أو سمة ما على أساس التفاضل، والأرقام التي تنسب لمثل هذه المتغيرات تخدم غرضين أساسين هما:
- تصنيف هذه المتغيرات في فئات أو مجموعات تدل عليها.
- بيان درجة الأفضلية من حيث مدى الامتلاك لسمة معينة، الأمر الذي يساعدنا في ترتيبها تنازليا أو تصاعديا.
الأرقام التي تنسب لمثل هذه المتغيرات لا تعكس بالضرورة مقادير كمية، كما أن المسافات بين الرتب (الأرقام) غير متساوية فعلى سبيل المثال: ترتيب الافراد حسب الطبقة الاجتماعية وتعد الرتب المئينية، ومكافئات العمر، ومكافئات الفرق الدراسية أمثلة لمستويات رتبية شائعة.
3-3. المستوى الفئوي أو المجال: L’échelle d’intervalle: يتضمن هذا المستوى خصائص المستوى التصنيفي والرتبي المتمثلة في التصنيف والترتيب، ويتميز باستخدام الأرقام بصيغة كمية للتعبير عن مدى امتلاك السمة أو الخاصية أي الأرقام هنا تعكس معان كمية، لذا يعد أرقى مستويات القياس. ويمكن لنا المقارنة بينها على أساس كمي نظرا لتوفر وحدة قياس متساوية، فالفرق بين الدرجتين 2 و3 في اختبار تحصيلي هو نفسه بين الدرجتين 3 و4. ومعظم الاختبارات النفسية تصمم للحصول على درجات تقع في المستوى الفئوي (Pettersen, 2002)، ولتوضيح معنى تساوي الفروق بين الوحدات المتجاورة وخصائص هذا المستوى نقدم المثال التالي: في اختبار تحصيلي في مادة العلوم حصل الطالب(أ) على الدرجة 19، والطالب(ه) على الدرجة 10، والطالب(س) على الدرجة 14. من خلال هذه الدرجات يمكن لنا أن نعرف أن الطالب(أ) حصل على أعلى الدرجات يليه الفرد (س) ثم الفرد(ه)، وبما أن الدرجات تقع على مستوى فئوي فيمكننا القول إن الفرق بين درجتي الفردين (أ) و(س) مساوٍ للفرق بين درجتي الفرد (س) و(ه). ونستطيع التعامل مع بيانات المستوى الفئوي باستخدام جميع العمليات الرياضية المعروفة (الجمع، الطرح والضرب، القسمة) في حين المستويين التصنيفي والرتبي لا يمكن التعامل معهما باستخدام هذه العمليات. كما يُمكِّننا من استخدام معظم الإجراءات الإحصائية (مقاييس النزعة المركزية، التشتت) مع البيانات المحصل عليها. ونظرا لتوفر هذا المستوى على وحدة قياس ثابتة يجعله يتوفر على خاصية وجود الصفر، غير أنَّه ليس حقيقي مطلق فهو لا يعكس الغياب التام للسمة، فمثلا حينما يحصل شخص ما على درجة صفر في اختبار القدرة العددية فإن ذلك لا يدل على افتقاره كلية لهذه القدرة.
3-4. المستوى النسبي Échelle de ratio ou proportionnelle: يتميز هذا المستوى من القياس بخصائص المستوى الفئوي، بالإضافة إلى وجود صفر مطلق والذي يعكس الغياب التام أو الانعدام للسمة المراد قياسها (Pettersen, 2002) ومثال ذلك الطول، الكتلة، ويستخدم هذا النوع من القياس في العلوم الطبيعية، ونادرا جدا ما يستخدم في القياس النفسي كقياس زمن الرجع
4- افتراضات القياس النفسي : نستعرض فيما يلي الافتراضات الأساسية التي ينطوي عليها القياس النفسي والتربوي، وهذه الافتراضات اقترحها (Cohen & Swerdlik, 2002) وهي تبسيط لبعض القضايا المعقدة للغاية في القياس النفسي والتربوي وتصنع جدلا مكثفا لدى خبراء القياس النفسي :
-الافتراض الأول: توجد تكوينات فرضية نفسية: التكوين الفرضي هو السمة أو الخاصة (متغير) التي يصمم الاختبار لقياسها، ويهتم ميدان القياس النفسي والتربوي بقياس عدد من التكوينات الفرضية، مثل: ذكاء الفرد، الميول الدراسية، التحصيل الدراسي، ولهذه التكوينات وجود.
-الافتراض الثاني: امكانية قياس التكوينات الفرضية: خبراء القياس يعتقدون أنه يمكن قياس التكوينات الفرضية النفسية والتربوية، وهذا استنادا إلى قبولنا بأن لهذه التكوينات وجود، حيث يقول (Cronbach) "إذا وجد شيء ما، فإنه يوجد بمقدار معين، وإذا وجد بمقدار معين، فإنه يمكن قياسه".
-الافتراض الثالث: على الرغم من أنه يمكننا قياس التكوينات الفرضية، إلا أن قياسنا لا يكون تاما: يعتقد خبراء القياس أنه يمكنهم قياس التكوينات الفرضية النفسية، ولكنهم يعترفون أيضا بأن عملية القياس ليست تامة. ويوضع ذلك عادة في إطار أخطاء القياس وتأثيراتها في ثبات الدرجات، وهناك جهود لتقدير وخفض تأثيرات القياس إلى أقل حد ممكن.
-الافتراض الرابع: توجد طرق مختلفة لقياس أي تكوين فرضي: توجد مداخل متعددة لقياس أي تكوين فرضي نفسي، ولننظر إلى مثال الميول الدراسية، فالميل الدراسي لدى المتعلم يمكن قياسه باستخدام عدد من المداخل المختلفة. فمثلا يجري اخصائي الارشاد النفسي والمدرسي مقابلة مع العميل ويسأله عن ميوله الدراسية، ويمكن أن يلاحظه في مواقف دراسية، كما يمكن توجيه موازين تقدير لمدرسيه تتناول الميول الدراسية للعميل، إلى جانب إمكانية تطبيق اختبارات ومقاييس الميول الدراسية لتقييم طبيعة الميول لدى العميل. هذه الإجراءات كلها تساعد الاخصائي في الفهم الجيد لميول العميل الدراسية.
-الافتراض الخامس: جميع إجراءات القياس لها جوانب قوة ومحدوديّات: رغم تعدد مداخل قياس التكوينات الفرضية. نجد لها جوانب قوة ومحدودية، فقد ينتج عن تطبيق أحد مداخل القياس ثبات كبير لدرجاته، لكنه لا يقيس بعض مظاهر تكوين فرضي معين بنفس جودة مدخل آخر ينتج عنه درجات أقل ثباتا. فمن المهم جدا فهم جوانب القوة والضعف للإجراءات المستخدمة.
-الافتراض السادس: ينبغي أن تكون المصادر المتعددة للمعلومات جزءا من عملية القياس: القرارات المهمة لا يجب أن تعتمد على نتائج اختبار واحد أو إجراء قياس واحد، فمثلا عند اتخاذ قرار توجيه متعلم لتخصص دراسي معين، فإن معلومات مثل متوسط المعدل في المواد التي تصب في التخصص، وخطابات التوصية الصادرة من المدرسين، وكذا الأداء في مقياس الميول، ينبغي أخذها بعين الاعتبار.
-الافتراض السابع: يمكن تعميم الأداء في الاختبارات على سلوكات غير اختبارية: عندما نطبق اختبارا فإننا لا نهتم عادة بأداء الفرد في الاختبار، وإنما بالقدرة على التعميم من الأداء في الاختبار على سلوكات غير اختبارية.
5-أهداف القياس
- تحديد الخصائص الشخصية والنفسية والعقلية للإنسان، وتصنيفها بهدف التعرف على مختلف جوانبها وتبيين المتغيرات المتعلقة بها، وذلك للوصول إلى القوانين التي تحكم سلوكنا وقدراتنا العقلية بوصفنا أفرادًا، وبالتالي سلوكنا الجمعي بظواهره النفسية والتربوية والاجتماعية. - الحصول على معلومات محددة تفيد المجتمع بمستوياته كافة العام والخاص والفردي فالمسئول في المجال التربوي والمجال النفسي والمجال الاجتماعي وغيرها من المجالات، يتعين عليه بحكم عمله الوفاء بمطالب معينة. فهو مطالب، في مجال التربية مثلا، بتوجيه الطلاب وفقًا لقدراتهم، ومطالب في الوقت نفسه بتشخيص الحالات غير السوية لتتلقى ما تتطلبه من علاج أو رعاية..
- الاختيار والتصنيف، ويقصد به تحديد مستويات الأشخاص في سمات معينة وتصنيفهم وفقًا للمجال المناسب لكل منهم سواء تعلق ذلك بالنواحي العملية أم التعليمية
-الكشف عن فعالية الجهاز الإداري أو التربوي في البرامج والأقسام العلمية والإدارية وغيرها، والتأكد من صحة القرارات التي اتخذت.
-التعرف على المستوى العلمي للطلبة في المهارات والقدرات الأساسية، وما قد يعتريها من تغير وتحول عبر السنين.
-تشخيص العملية التعليمية واكتشاف ما تعانيه من مشكلات آنية، وما قد يعتريها من عوائق مستقبلية، من مستوى المؤسسة الواحدة إلى التعليم على مستوى الدولة.
-تحديد مستويات أداء عناصر العملية التربوية من خلال الكشف عن أداء الطلبة أنفسهم.
-فحص الأهلية. ويقصد به تحديد ما إذا كانت تتوافر في الفرد الأهلية الشروط اللازمة لتولي مهمة معينة أو الانخراط في عمل معين مثل الطب والتعليم وغيرهما.
6-مبادئ القياس والتقويم : هناك مجموعة من المبادئ التي ينبغي مراعاتها عند تخطيط وتنفيذ عملية القياس والتقويم إذا أريد لهذه العملية النجاح في بلوغ أهدافها وهذه المبادئ هي:
أ- الاتساق: مع الأهداف المراد تحقيقها (تنويع في الوسيلة كي يتحقق الهدف) وأن مفهوم الاتساق مع الهدف المراد تحقيقه ينطوي على ميزتين هما:
1, مدى إمكانية تناسق المنهج لتحقيق الهدف.
2. مدى إمكانية التنوع في الوسائل المستخدمة لتحقيق هذا الهدف.
أما بالنسبة للموضوع الأول فإنه يجب أن يكون هذا الاتساق مع الفلسفة التي يقوم على أساسها المنهج الذي يتم من خلاله تحقيق الهدف ، وهذا يعني انه هناك تناسقًا وانسجامًا في المنهج يساعدان على تحقيق الهدف أما بالنسبة للنقطة الثانية وهي إمكانية تنويع في الوسائل والأساليب من أجل تحقيق الهدف فإنه يعد من المطالب الأساسية في العملية التعليمية، فإذا الهدف معرفة مدى تحصيل الطالب فإن التدريسي يستخدم أسلوب الاختبارات بأنواعها ولكن إذا كان الهدف هو قياس ذكاء الطالب فإن استخدام التدريسي للاختبارات التحصيلية لا يكشف عن الهدف وكذلك الحال بالنسبة للميول والاتجاهات والعلاقات الاجتماعية ومن شأن ذلك أن يساعد التدريسي على تطوير خبراته بدلا من إتباع الروتين في استخدام الاختبارات مما يجعل العملية التربوية أكثر فعالية.
ب الشمول: من المبادئ الرئيسية للقياس والتقويم أن يتميز التقويم بالشمولية بمعنى أن يشمل جميع جوانب الموضوع المراد تقييمه فمثلا إذا أردنا تقييم المناهج ومدى نجاحه وأثر هذا المنهاج على الطالب فإن التقويم يجب أن يشمل كل الجوانب التي لها علاقة بالموضوع أما إذا كان الهدف تقويم العملية التربوية أو التعليمية، بشكل عام فانه يظهر من خلال ما يأتي:
-جميع أطراف وعناصر العملية التعليمية كالتدريسي والمساق الدراسي والقسم المعني وما فيه منخدمات.
- جميع جوانب الموضوع المقيم وبما أن موضوع التقويم هنا لا يقتصر على النواحي المعرفية وإنما يجب أن يشمل كافة الجوانب الأخرى كالشخصية والنمو الانفعالي والجسمي والعقلي واللغوي والاتجاهات والميول.
ج- التعاون: يجب أن يتم القياس بطريقة تعاونية يشارك فيها كل من يؤثر في العملية التربوية ويتأثر بها والمسئولين في التربية وأفراد من البيئة كالخبراء ويجب أن تكون هناك فرص للتقويم الذاتي من جانب الطالب وكذلك من جانب التدريسي.
د -الاستمرارية: يجب أن يكون القياس والتقويم عملية تقدير مستمرة لمدى ما يحققه البرنامج التربوي من الأهداف المرسومة لعملية التربية حتى يتم تصحيح مسار عملية التعلم باستمرار وهذا يعني أن تكون الملاحظة اليومية متواصلة على مدار العام الدراسي ولا تقتصر على فترة محددة منه أي يجب أن تكون مواكبة لعملية التعلم فتلازمه وتسير جانبًا إلى جنب معها.
ه -التشخيص والعلاج: يجب أن يكون القياس والتقويم تشخيصيا وعلاجيًا في الوقت نفسه بمعنى أن يصف نواحي القوة ونواحي الضعف في عمليات الأداء وفي نتائج هذا الأداء يقصد تعزيز نواحي القوة والإفادة منها والعمل على علاج نواحي الضعف وتلافيها أو التقليل من حدته.