حضور التراث الشعبي في المسرح المغاربي

        يُعد التراث الشعبي و بأشكاله المختلفة مصدرا أساسيا من مصادر الإبداع و النشاط الفكــري و الحضـــــــــــاري في الحياة الإنسانية، فأصبح تقليدا رائجا في أغلب الأجناس الأدبية، لما يتمتع به من قدرة هائلة على إقامة التواصل بين الماضي و الحاضر، فهو خزان الأماني والأحلام والرغبات التي يعمل الكاتب على زرعها في عمله الفني الإبداعي وفق تسلسل منطقي مـحكم.

مفهوم التراث

1- لغة:

       إنّ الأصل اللغوي للفظة التراث تعود إلى مادة "وَرَثَ"، و تدل في معظم المعاجم العربية  كلّ ما يكسبه الإنسان من نصيب مادي أو معنوي، يتركه السابق للاحق، فقد أورد الفيروزبادي اللفظةبالمعاني التالية " ورِثَ أباه منه بكسر الراء، أي يرثه أبوه، و أورثه أبوه، و ورّثه جعله من ورثته، والوارثالباقي بعد فناء الخلق، وفي الدعاء  )أمتعني بسمعي وبصري واجعله الوارث مني(، أي أبقه معي حتى أموت"

2- اصطلاحا:

      يُعرّف التراث بأنّه "الذاكرة الإنسانية بكل تجلياتها المعرفية، والتقنية، والعلمية، والثقافية، والأدبية، والفنية، والجمالية "، و لعل ما يميز التراث هو تجدّد حضوره، وحركته الدائمة، وانتقاله المستمر من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل، فهو  من هذه الناحية "كائن حيّ متحرك بصيرورة دائمة هي صيرورة الحياة الواقعية التي ينبثق منها ويحيا فيها ومعها. و تأتي أهمية التراث من كونه ينمي لدى الجماعات و الأفراد الاحساس بالهوية و الشعور بالاستمرارية، هذا إلى جانب دوره في تعزيز التماسك الاجتماعي و احترام التنوع الثقافي و الإبداع البشري، و كذلك تعزيز قدرات الجماعات على بناء مجتمعات مرنة و سليمة تشمل الجميع.

    وانطلاقا من هذه الأهمية  شعر الكُتّاب بمدى غنى وثراء التراث و ما يميّزه من معطيات قادرة على منح العمل الإبداعي إشارات و رسائل تعبيرية عديدة، ذلك أنّ معطيات التاريخ لها كثير من التبجيل و التقديس في نفوس الأمة، و الكاتب المسرحي عندما يقوم بتوظيف التراث؛ هو يعمل في الوقت نفسه على إثارة وجــدان، الأمة لـما للتراث من حضور حي ودائم في وجدانـــها ، وعليه فقد استقرأت الكثير من المسرحيات العربية التراث بأشكاله المختلفة           ( تاريخي، ديني، أدبي، شعبي...) من أجل:

 - التمسك بالشخصية الوطنية والوقوف أمام المستعمر الساعي لطمسها

- الفخر بمآثر العرب و تاريخهم تعويضا عن ضعف الأمة في حاضرها بسبب طغيان الاستعمار

- التمسك والحفاظ على الهوية العربية و أصالتها، خاصة في فترات الهزات الكبرى التي تضعف كيان الأمة فيخيم عليها الإحساس بالإحباط والضياع

- محاولة التأصيل للمسرح المغاربي وذلك بالسعي إلى استلهام الأشكال والمضامين التراثية لمواجهة سلطة الثقافة الغربية.

مفهوم التراث الشعبي

      يُقصد به "الثقافة التي يتوارثها الناس عبر الأجيال، وبذلك تكتسب صفة البقاء والاستمرارية، وتصير في جانب من جوانبها فعلا وسلوكا تحرص عليه الجماعة، التي تعمل على تأكيده وترسيخه لدى الآخرين"،و يمكن تقديم موضوعات الموروث الشعبي في النقاط التالية:

- المعارف و المعتقدات الشعبية: وتشتمل على الأنطولوجيا الشعبية، الأولياء الصالحون، الطب الشعبي ...

- العادات و التقاليد: وفيها عادات الزواج، عادات الميلاد، الأعياد الإسلامية، العادات اليومية،

العلاقات الأسرية ...

- الأدب الشعبي: ويشمل الأساطير والحكايات، السير الشعبية، الملاحم الشعبية، الأغاني الشعبية،

الأمثال، الألغاز، الفكاهة، التعابير والأقوال السائرة ...

- الفنون الشعبية: وتشتمل على الموسيقى الشعبية ،الرقص الشعبي، والألعاب الشعبية...

- الثقافة المادية:الحرف والمهن الشعبية، الأدوات المنزلية، أدوات الزراعة، الأسلحة، المأكل،الملبس ...

خصائص الموروث الشعبي:

- مجهولية المؤلف، لأن القاعدة العامة ترى أن كل ما هو معلوم مؤلفه لا يدخل في نطاق التراث الشعبي .

- التعبير عن الوجدان الجماعي للأمة في عمقها التاريخي البعيد مثلما نجد ذلك في الحكايات والسير الشعبية.

- حدوث تغييرات على التراث الشعبي الشفوي إثر انتقاله عبر الأجيال والعصور بما يضفي عليه ميزة كل عصر عما قبله وما بعده.

- لا يقتصر الترا ث الشعبي على طبقة عامة من الشعب ، بل هو تعبير عن الشعب بكل طبقاته وميولاته الشخصية.

- الموروث الشعــبي يترك أثرا في كل الفنون من خــــلال توظيف الـمهارة عن طريق الإبداع و التعبير   عن الأفكار القادرة على تحقيق هذا الفن في التقاليد الشعبية

- الموروث الشعــبي لا يحول دون التطور العلمي و التكنولوجي، بل يساهم فيه و يعدّ قوام الحياة، يخبّئ بين ثناياه ملامح المجتمع النفسية و الفكرية، و يقنّن علاقاته و يضبط سلوكاته و يربط بين أفراده و يصلهم بماضيهم و يشدّهم إلى حاضرهم و يجعلهم يستشرفون المستقبل، كما أنّه يشتمل على سبل اكتساب المهارات و المعارف و الخبرات و يحفّز على الإبداع و التجديد.

      لقد كانت عودة رجال المسرح في المنطقة المغاربية إلى الماضي؛ والتراث بأنواعه وتجلياته الشعبية والتاريخية عبر أشكال الفرجة المتنوعة، والتي استمروا في إعادة إنتاجها وصياغتها لنقل أفكارهم ورؤاهم، لما تمتلكه هذه التعابير والأشكال التراثية الشعبية من قدرة على التأثير في وجدان الإنسان المغاربي ، وقدرتها على التعبير عن الواقع ونقد الأوضاع المزرية، في محاولة للتعريف بالمخزون التراثي ودراسته عمليا من خلال الالتصاق بالشعب .

   و قد استلهم الطيب الصديقي في مسرحيته "ديوان سيدي عبد الرحمان المجذوب" شخصية الشاعر المغربي الشعبي الذي عاش خلال القرن السادس عشر الميلادي، عبر رباعيته المكتوبة بالعامية المغربية

أما بالنسبة لعبد الكريم برشيد صاحب النظرية الاحتفالية، فقد استفادت مسرحياته من التقاليد الموجودة في التراث الشعبي المغربي، و التي تحمل في طياتها بذور الفن المسرحي و لهذا نجد مسرحياته "عرس الأطلس" و"قرقوش" و "عنترة في المرايا المكسرة" و "ابن الرومي في مدن الصفيح" تقوم على أساس أنها مجموعة من الاحتفالات الشعبية و تتضمن ألوانا من الفرجة المعروفة في الأسواق و الساحات العمومية، فعرس الأطلس تقوم على الغناء المتعدد الأصوات.

  و في تونس بداية من عام 1968م أخذ فريق من المسرحيين الشباب ينتبهون إلى أهمية أستخدام مأثورات الشعب في موضوعات لمسرحيات يرجى أن تجذب اهتمام الجمهور الواسع إلى العروض المسرحية، فقام كل من سمير العيادي و محمود أرناؤوط و محمد رجاء فرحات بإعداد" رأس الغول" وهي مسرحية شعبية فكرتها إحدى القصص التي وردت في كتاب " خرافات" لعز الدين المدني، حيث يقصها و يمثل أحداثها المداح راوية الشعب التقليدي

    أما في الجزائر فقد لجأ الكثير من المسرحيين إلى التراث الحكائي الشعبي المتداول في الأوساط الشعبية، و لعل"ولد عبد الرحمان كاكي"  واحد من هؤلاء؛ إذ قدم مجموعة من الأعمال القيمة في هذا التوجه منها القراب والصالحين، بني كلبون، كل واحد وحكمه

Modifié le: Saturday 27 April 2024, 11:24