العلاقة بين الثورة والشعر:

     إنّ الشعر في اغلب أشكاله تعبير ثوري تجاه موضوع ما، فالشاعر يغضب، يرفض، يأسى، يتأسف، يعشق بقوّة، يكره بشدة، يساند بحماس،...إلخ؛ فتثور مشاعره، تشتعل فتتفجر ثورة تعبيرية في قالب معين... كلمات الشاعر تحديدا في أيّ موضوع من هذه وغيرها قوّة خاصة وفريدة من نوعها، تخاطب المشاعر ومن ثمّ تأسر العقول، يقول الشاعر مايا كوفسكي:

الكلمة هي قائد القوة البشرية

أنا أعرف قوة الكلمات

.أنا أعرف ناقوس الكلمات

إنها ليست تلك التي تصفق لها المقصورات

.بفعل تلك الكلمات؛ تندفع التوابيت لتمشي على أرجلها الخشبية الأربع

      ومن هنا تظهر العلاقة الجدلية بين (الشعر/ الكلمة) و(الثورة/الكفاح)، فالشعر محفز/ ملهم للثورة والثورة ملهمة/ محفزة للشعر. وهو ما يبين تكاملية علاقتهما. والثورة الجزائرية _الغنية عن كلّ تعريف_ التي وقفت شامخة على رجلين اثنين (العزة والكرامة) وأبت إلاّ أن تمتاز بالصمود والوقوف الثابت في وجه أعاصير الاستعمار وأهواله، وهي تحيط نفسها بكلّ ما يجعلها جديرة بالاحترام والتقدير، وتتوج بكونها الثورة الأولى في العالم التي كانت لها بصمات مميزة في ميدان الفداء (بصمات بن مهيدي وديدوش وزيغود، وبوحيرد...إلخ) ومليون ونصف المليون من الشهداء. استحقت أعظم الاستحقاق أن تكون الثورة الأولى في العالم التي استحوذت على أكبر اهتمام من الشعراء....

2. أبرز الشعراء العرب الذين كتبوا في موضوع الثورة الجزائرية:

      شعراء كثيرون كتبوا عن ثورة الجزائر، من أبرزهم:

محمود درويش، نزار قباني، سليمان العيسى، فدوى طوقان، إبراهيم طوقان، سميح القاسم، توفيق زياد، محمد الفيتوري، بدر شاكر السياب، نازك الملائكة، محمد مهدي الجواهري، يوسف الخال، عبد المعطي حجازي، عبد الوهاب البياتي، مصطفى الحبيب، محمد التهامي، يوسف محمد الجندي، حسن فتح الباب، أحمد حسين عطا الله، سعدي يوسف، حسن عبد الله الشرفي، أحمد الفقيه، علي صدقي عبد القادر، محمد الحلوي... وآخرون. فقد كانت هناك غزارة في الإنتاج الشعري للشعراء العراقيين؛ وأبرز دليل على ذلك كتاب "الثورة الجزائرية في الشعر العراقي- لعثمان السعدي"، حيث جمع أكثر من 255 قصيدة نظمها 107 شاعرا، هذا فقط من العراق. وهمشت القصائد بحوالي 1800 هامش، تضمنت التعريف بالأماكن والشخصيات والأعلام الواردة فيها. كما جُمع الشعر السوري الذي نظم في الجزائر وثورتها ووصل إلى 198 قصيدة لــ 64 شاعر وشاعرة ينتمون إلى 21 مدينة وقرية سورية.... كما جَمع "حسن فتح الباب" الشعر المصري الذي قيل في الثورة الجزائرية في كتابه "ثورة الجزائر في إبداع شعراء مصر" ووصل إلى 80 قصيدة...وهناك دول عربية أخرى لم يتم جمع إنتاجها الشعري كدول المغرب العربي وفلسطين...

ويمكن اختصار أهم الأعمال في الجدول التالي: 

الهوامش

الشعراء

القصائد

الثورة الجزائرية في الشعر العربي الحديث والمعاصر

1800

107

255

في العراق/ عثمان السعدي

/

64

198

في سوريا

/

/

80

في مصر / حسن فتح الباب

 

3. أهم المواضيع: لعل أبرزها :

وصف شهامة الشعب الجزائري وشموخه: يقول الشاعر عبد المنعم قنديل في قصيدته "دماء ولهب":

يا أمة الأحرار حسبك عزّة أنّ الهوان على بنيك محرّم .

ويقول الشاعر أحمد مطلوب:

أيّها الشعب الذي هزّ الجبـــــالا

 لم يعد نصرك حلما أو خيالا صوتك الحرّ تسامى وتعــالى

يملأ الدنيا كفاحا ونضــــالا

تحدي الاستعمار الغاشم وفضح جرائمه: مثل قصائد الشاعر "مرتضى محمد الوهاب" والشاعر "كاظم محمد حسين". ويتوعد الشاعر الليبي "أمين مازن" فرنسا، بقوله:

"أبدا سنبقى

رغم أنفك يا ديغول

سنحرر الوطن العزيز

سنحول الصحراء جنات جميلة

يأوي إليها الباحثون عن السلام

لا. لن نموت

أبدا سنبقى

رغم أنفك .

وصف المآسي والأحزان: يقول الشاعر السوري "سليمان العيسى":

دم الجزائر يا أسوار غربتـنا

هو الطريق إلى يافا صفدي هو الطريق فيا أكفاننا انتفضي

هو الطريق فيا أشلائنا اتحدي.

وصف المعارك والمجاهدين والشهداء:

مثل قصيدة سليمان العيسى في تعظيم البطل "زيغود يوسف" ومثل ما كتبه الشاعر "كاظم جواد" في قصيدته "عميروش ذئب الجبل" ، وما كتبه "البياتي" في قصيدة " الموت في الظهيرة" إلى روح الشهيد "العربي بن مهيدي" ومثل قول الشاعر الفلسطيني"راشد حسين" في قصيدته " الثوار ينشدون" :

سنفهم الصخر إن لم يفهم البشر 

 أنّ الشعوب إذا هبت ستنتصر

دم الجزائر صدر الفجر كعبته

وناره فوق صدر البغي تستعر

شواطئ العلم الخفاق مرتفعاً 

مصبه والقلوب المنبع الغزر

فالثائرون على جلادهم دمهم بحر

وأشلاؤهم في وسطه جزر

شعب تمطى فلا قيد يكبله

ولا تغيبه في صدرها الحفر.

وصف صمود النساء والأطفال/ جميلات الجزائر وأبنائهن... مثل قصيدة "نازك الملائكة" بعنوان "نحن وجميلة".ويصور "جمال قعوار ""البطلة جميلة" قائلا:

"جميلة أنت يا أخت المغاوير 

يا طلعة الصبح في أملاك ديجور

وقصةً سكب الثوار أحرفها

حمراء من دم الأحرار ومن نور.

جميلة من أفعالك اخبرينا 

فنحن بذي الشجاعة معجبونا 

تخوض بنفسها لجج المنايا

ليصبح شعبها حراً أميناً."

وحين أشيع عن "جميلة بوحيرد" بأنّها أعدمت كتب راشد حسين قصيدته "مصرع جميلة بوحيرد"، مؤكداً على أنّ جميلة ستظل في القلوب والجراح كالدوحة الخضراء:

"وجميلة تحيا وتحيا في القلوب وفي الجراح /كالدوحة الخضراء في نظرتها لهب الرماح /لو سخروا كلّ الرياح لقلعها كلّ الريــــــــــــاح/ ما أفلحت في قلع دوحة أغنيات من كفاح/ هذي حواكير الجزائر في"جميلة" في العيون /والعزة السمراء مشرقة على الشفة الحنون / لم تتسع للهيبها الحراق أقبية السجون / فلتتسع للهيبها ساحات مقصلة المنون."

وصف الأماكن/ الأوراس بصفة خاصة... الجبال والمغاور.

يقول محمود درويش:

يتي على الأوراس كان مباحا

يستصرخ الدنيا مساء صباحا

وتراب أرضي من دمي معشوشب

كي يشرب الغرباء منه الراحا".

ويقول الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي:

"يا ينبوعا يغسل عار الماضي

يانور العرب على طول البحر الأبيض، يا أخي يا فخري

يا ملهمتي، يا أوراس."

هذا بالإضافة إلى مواضيع أخرى، كثيرة ومتداخلة، تمتزج فيها الحياة السياسية بالظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والدينية.. إلخ.

.خاتمة: الثورة الجزائرية رمز اعتزاز وطني، وفخر عربي، وقدوة قومية.

Modifié le: Friday 3 May 2024, 19:25