مفهوم الدولة و منشأ المواطنة :
يُعرّف المعجم السياسي الدولة بكونها «كيان اعتباري وهي الأساس الأعلى لتكوين المجتمع السياسي، وعناصرها معنوية، ولكنها لا تتكون إلا بوجود الركن المادي لها، وهي: الأرض، السكان، المصالح المشتركة، السيادة»[1]، فالدولة هي تنظيم سياسي يتكون من عناصر مادية هي الأرض أو الرقعة الجغرافية المعلومة الحدود، والسكان الذين يعمرونها، والمصالح المشتركة بينهما، والسيادة الكاملة عليها، وعناصر معنوية كالقوانين التي تنظمها الأعراف والعادات...
ويرجع تاريخ نشأة الدولة إلى فكرة السيادة، فالدول اليوم «تعامل على أنها كيانات ذات سيادة، وتعني السيادة أن حكومة أي إقليم معيّن يجب أن تنظم بشكل خاص بواسطة الدولة، ولا توجد قوة خارجية أخرى لها سلطة التدخل في شؤون هذه الدول بمقتضى أراضيها فيما يتعلق بسكانها، والمطالبة بالسيادة هي اختراع أوروبي، تأسس أوّلا كمبدأ عام في معاهدة ويستفاليا في 1648، وصممت لإنهاء حروب الدين المزمنة بين الكاثوليك، وأعراق مختلفة من البروتستانتية»[2] ومن هنا أصبحت فكرة جعل الدول تتمايز عن بعضها البعض بفضل ركن التمتع بالسيادة التامة على حدود إقليمها، فلا يمكن لدولة أخرى أن تتدخل في شؤونها، ولا أن تلزمها بأن تغيّر من قوانينها، ولا من دينها، وغالبا ما ساعد في تجسيد هذه الفكرة؛ «سلوك ومهارة النخب السياسية الحاكمة في الماضي فكثيرا ما كانوا جنرالات أو ملوك أو أرستقراطيين، على أنهم المحدد الرئيسي لبقاء دولة ونموها ضمن بيئة تنافسية مع الدول الأخرى، وقد تتضمن المميزات المناخية والتربة الخصبة، وقد تتضمن العوائق العشوائية كأن يكون سكانها منقسمين على أسس عرقية وإيديولوجية أو دينية، والذين يحتاجون إلى التوحيد لدعم الدولة»[3] ولهذا نلاحظ وعبر التاريخ أن الحاكم يسعى لفرض سياسته بالقوة والقهر أو بطرق سلمية ذلك للسيطرة على شعبه، وفرض وجوده على المستوى الخارجي على باقي الدول لحماية دولته من الهجمات، والموجات التي تتعرض لها الدول غالبا.
2- بناء الدولة في البلدان النامية:
عادة ما تعترض مسيرة بناء الدول في البلدان النامية جملة من الشروط والأحداث «الدينامكية التنافسية والصراعية المعقدة، والتي تتمثل في امتداد تفاعلات البيئة المجتمعية التقليدية الغامضة التي تمثلها العشيرة والقبيلة وقيم الولاء والعصبية التي تُشكل قاعدة خلفية لهشاشة الدولة في الكثير من البلدان»[4]، فبدلا من أن تقوم الدولة ومؤسساتها على مبادئ قوية يحكمها القانون، تصبح الدولة تحركها قيم مجتمعية تقليدية قائمة على الطاعة العمياء والولاء، وغياب النقد ومبدأ تكافؤ الفرص...هذا ما يجعل مهمة بناء الدولة مهمة صعبة بل ومعقدة، وتبتعد عن الشروط الاستراتيجية التي اقترحها المفكر الأمريكي "فرانسيس فوكوياما" francis fukuyama (1952-) في أنها عملية «بناء مؤسسات جديدة وفاعلة وقادرة على الاكتفاء الذاتي، وهي مدى الدولة وأفق مجالاتها وأنشطتها ووظائفها المختلفة بدءًا بتوفير الأمن، والنظام والمرافق، والخدمات العامة في الداخل، والدفاع عن الوطن في الخارج مرورًا بتوفير التعليم، وانتهاءا بوضع السياسات الصناعية والاجتماعية»[5] وحتى تتمكن البلدان النامية والتي ينتمي إليها العالم العربي والإسلامي من بناء دولة وفق مرتكزات صحيحة، ومعايير صحيّة يجمع أغلب المفكرين على ضرورة تبني صيغ الديمقراطية كنظام سياسي يضمن أن تعيش المجتمعات بفضلها في أطر قانونية ومادية عالية، تبتعد بذلك عن البُنى التقليدية.
ولهذا يعد الحديث عن الدولة في العالم العربي والإسلامي من بين أهم القضايا المطروحة في ثقافتنا، وقد حاول الكثير من «المفكرين والساسة من مختلف الاتجاهات والمرجعيات أن يجيب عن سؤال الإسلام والدولة، غير أن الظاهر الذي لا يرقى إليه شك هو أن جميع محاولات التسوية لم تنجح بقدر كاف في حسم النقاش، وتجاوز الإشكال»[6] لذلك بقيت المحاولات في ضبطها والتنظير حولها قائمة إلى اليوم منذ زمن الفارابي، والماوردي إلى زمن وائل حلاق.
[1] وضاح زيتون، المرجع السابق، ص.177
[2] جون س.درايزك، باتريك دنفلي، نظريات الدولة الديمقراطية، تر: هاشم أحمد محمد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، (ط)1، 2013، ص.33
[3] المرجع نفسه، ص.34
[4] شلغوم نعيم، بوريش رياض، بناء الدولة –الأمة من منظور علاقة الدولة والمجتمع-، المجلة الجزائرية للعلوم الإنسانية والاجتماعية، الجزائر، مج4، ع2، 2020، ص.8
[5] فرانسيس فوكوياما، بناء الدولة، النظام العالمي ومشكلة الحكم والإرادة، في القرن الحادي والعشرين، تر: مجاب الإمام، مكتبة العبيكان، المملكة العربية السعودية، (ط1)، 2007، ص.11
[6] أمحمد جبرون، مفهوم الدولة الإسلامية، أزمة الأسس، وحتمية الحداثة، (مساهمة في تأصيل الحداثة السياسية)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، (ط1)، 2014، ص.11