يعد الطيب الصديقي (*)أحد رواد التأسيس لمسرح مغربي عربي أصيل، من خلال الجمع بين التقنيات المسرحية الغربية ومقاييس الأشكال الفرجوية العربية والمزج بينهما، فهو نموذج لرجل المسرح الدائم التجريب بالتعامل مع التراث الشعبي و توظيف أشكاله الفرجوية القديمة ، سعى إلى كسر سكونية و جمود المتفرج بوعي كبير من خلال إشراكه في مناقشات حول عمله المسرحي بعد العرض الذي يقدمه،

كما أنه ثار على المكان التقليدي (العلبة الإيطالية) للعرض المسرحي، فقدم الكثير من تجاربه في الشوارع والساحات العامة وملاعب كرة القدم. واهتم بالعلاقة بين العرض المسرحي والمتلقين جاعلا لهم دورا مهما في التجربة لا دورا هامشيا. وأدخل الأناشيد الشعبية والموسيقى المحلية، بدلا من الموسيقى العالمية الجاهزة، وركّز على النقد والتهكم في عروضه المأخوذة عن الموروث وإسقاطهما على الحياة الراهنة. وتناول التناقض المؤلم بين الفقر المدقع والغنى المفرط، مستفيدا في ذلك من إنجازات المسرح الحديث خاصة مسرح برتولد بريخت في علاقته بالمتلقين، متجنبا الفكرة الكلاسيكية للإيهام المسرحي، وذلك بتخلّيه عن الستارة، ليترك للممثلين الحرية في لبس أدوارهم أمام جمهورهم كما في مسرحية  "سيدي عبد الرحمان المجذوب" واستعمل الخشبة الدائرية  ( الحلقة) ليخلق بعض التلاحم والتكامل بين الممثلين والجمهور، مستفيدا من المسرحيات العالمية التي اقتبس منها بإثراء رصيده وبلورة

التصوّر لديه.

مراحل تجربة الصديقي المسرحية

- مرحلة الاقتباس والترجمة :

بدأ الطّیب الصدیقي مساره المسرحي مترجما و مقتبسا من النصوص العالمية  وجعلها أكثر ملاءمة للمتلقي المغربي  من ذلك (الوارث) ؛  التي  كانت أول مسرحیة أخرجها بعد عودته من فرنسا إلى المغرب ،  اقتبسها عن مسرحیة ( (Le légataire universel للكاتب الفرنسي ''جان فرانسوا رینیارد'' ....

- مرحلة الإبداع:

بداية من سنة1967 توجه  الصدیقي إلى توظیف التراث، الذيباعتباره عنصرا هاما في تكوین الأمة ثقافیا ونفسیا وفكریا، فقدم رائعته "دیوان سیدي عبد الرحمان المجذوب" في شهر مارس من نفس السنة، و التي تعتبر أكثر مسرحیاته نجاحا وشعبیة ، وقد وظف الصدیقي لتقدیم هذه المسرحیة

الحلقة كشكل فني....

وقد امتازالصديقي في محاولاته التجديدية بالخصائص التالية:

- استلهام التراث المغربي والعربي كالحلقة والبساط والملحون والأغاني الشعبية وكتب الأدب القديمة.

- تسخير التقنية الغربية لخدمة التراث.

- الثورة على البناية المسرحية الإيطالية.

- تحقيق الإدهاش التقني.

-  التحام الشكل بالمضمون والنص بالعرض.

- منح المسرح المغربي هويته وخصوصيته التراثية دون الاستغناء عن روح العصر



(*) -  ولد الطيب بن محمد بن سعيد الصديقي عام 1937 في مدينة الصويرة المغربية ، تلقى تعليمه الابتدائي فيها، تحصل على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) في مدينة الدار البيضاء. وشارك بالصدفة في تدريب مسرحي بالمعمورة، سنة 1954 نظمته وزارة الشبيبة والرياضة تحت إشراف الفرنسيين أندري فوازان وشارل نوك، وكانت مشاركته من خلال انتمائه إلى “فرقة التمثيل المغربي” التي ضمت خيرة الذين شاركوا في ذلك التدريب. ثم شارك مع الفرقة في مهرجان باريس لمسرح الأمم سنة 1956 بمسرحية “عمايل جحا” المقتبسة عن نص “حيل ساكابان” لموليير. ولفتت مشاركته أنظار المهتمين، فأتاحوا له فرصة المشاركة في تدريب بالمركز المسرحي لغرب فرنسا تحت إشراف هوبير جينيو، انتقل بعدها، بدعوة من مدير المسرح الوطني الشعبي في باريس المخرج الشهير جان فيلار، للمشاركة في التدريب على التقنيات المسرحية مدة سنتين.

أنشأ بعد عودته إلى الدار البيضاء فرقة “المسرح العمالي”، وأخرج لها في موسمها الأول مسرحية “الوارث”، ثم عاد إلى فرنسا لاستكمال تكوينه المسرحي التقني، وبعد عودته النهائية إلى بلده انكب الصديقي على إنجاز أعمال مسرحية توزعت على التأليف والتمثيل والإخراج والإدارة والتكوين، اشتهر الصديقي بتوظيفه للتراث العربي والمغربي في تجاربه الإخراجية ضمن رؤية تتوخى إيجاد هوية مسرحية ذات طابع شعبي في إطار مسرح “الحلقة” ومسرح “البساط” دون الاستغناء عن روح العصر.

ترجم الطيب الصديقي واقتبس أكثر من ثلاثين عملا دراميا، وكتب أكثر من ثلاثين نصا مسرحيا باللغتين العربية والفرنسية، وأخرج العديد من الأعمال المسرحية والسينمائية والأشرطة الوثائقية، ومثّل في عدد من الأفلام الأوروبية والعالمية، منها فيلم "الرسالة". اشتهر بأعمال مسرحية مثل "مقامات بديع الزمان الهمداني"، و"سلطان الطلبة" و"ديوان سيدي عبد الرحمان المجذوب"، ومسرحية "مولاي إدريس"، ومسرحية "عزيزي" التي كانت آخر عمل درامي قدمه عام 2005 قبل أن يقعده المرض. توفي سنة 2016.

 

Modifié le: Friday 19 April 2024, 21:47