مقدمة:

      عرف المسرح المغاربي تقاربا كبيرا من حيث النشأة والتأصيل، والذي ألمت به السياقات التاريخية والاجتماعية المشتركة لشعوب المنطقة، التي لم تسعفها الظروف السياسية التي فرضها المستعمر في تفعيل دور هذه السياقات في بناء أشكال درامية، تحتفي بها من خلال فرض واقع درامي مستورد، يعمل على مستويات ثقافية دخيلة وبعيدة عن واقع هذه المجتمعات ، لتشكل بذلك طفرات درامية لم تستطع أن تتغلغل في أعماق الأشكال الدرامية المغاربية المتعارف عليها في تلك الفترة،  مادفع بالمسرح المغاربي إلى الاكتفاء ببعض القوالب المسرحية التي انحصر معظمها في قوالب هزلية تحاول أن تترجم واقع هذه المجتمعات.

تعريف المسرح:

       إنّ الأصل اللغوي لكلمة « مَسرح» بفتح الميم، فهي مشتقة من الفعل« سَرَحَ» ويعنـي «رعى» ومنه اسم المكان المرعى الذي تسرح فيه الماشية للرعي، وجمعه مسارح، كما يعني الإمعان أثناء حدوث العملية، وقد كانت تطلق على فناء الدار،  وقد أورد الزمخشري في «أساس البلاغة » في مادة (س.ر.ح) ما يلي: سرح الصبيان والدواب وسرح إليه رسولا وسرح السيل جرى جريا سهلا، وفلان يسرح في أعراض الناس أي يغتابهم، أما في القاموس الفرنسي (Larousse) نجد أن كلمة "Théâtre"« تعني مكان الرؤية أو مشاهدة النصوص الدرامية، كما تعني الفن الذي يكتب لأشكال التمثيل المسرحي».

       أما اصطلاحا فهو يستخدم للتعبير عن جملة من المفاهيم أولها يعبر عن شكل من أشكال الكتابة يقوم على عرض الـمُتخيل عبر النص، وثانيها يعبر عن شكل من أشكال الفرجة أو فن من فنون العرض يقوم على الممثل من جهة والمتلقين من جهة أخرى، والمفهوم الثالث يعني المكان الذي يقدّم فيه العرض المسرحي، أمّا الرابع فإنه يعبر عن مجموعة أعمال كاتب مسرحي أو جملة الأعمال التي تنتمي إلى عصر معين أو مدرسة محددة.

وبالعودة إلى المفهوم الثاني، فإنّ المسرح هو الفن القائم على المشاهدة، فلفظة " Théâtre " «مأخوذة من اليونانية "Theatron" التي كانت تعني حرفيا مكان الرؤية أو المشاهدة، وصارت تـدل فيما بعد على شكل عمارة، بحيث يستطيع المتفرجون أن يروا ويسمعوا فيه عرضا يقدمه آخرون »

نشأة المسرح في البلاد المغاربية

1(  في تونس:

       تشير مصادر تاريخية أنّ فن المسرح دخل تونس في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، عندما تزوج باي تونس من ممثلة إيطالية تسمة "ستيلا" ، وأطلق عليها اسم "قمر". ، فكان نفر من التونسيين أمراء ،دايات و بايات وحواشيهم يشهدون المسرح بفضل توافد الفرق الإيطالية على قصور هؤلاء الأمراء، وكان معظم ما يقدم من الكوميديات.

دون أن ننسى المسرح الفرنسي، وهذا شيء طبيعي لأنها كانت مستعمرة من طرف الفرنسيين.

    إلا إنّ ميلاد  المسرح التونسي كان بتأثير من المسرح السوري والمصري، ففي سنة1908 م  قدّمت إلى البلاد فرقة كومیدیّة شعبیّة، یرأسها الممثل المصري محمّد عبد القادر المغربي الشهير بكامل وزوز، ومثلت مسرحیّة ''العاشق المتهم'' المقتبسة عن الإیطالیّة، ومن ثمّ فقد حاول التونسیّون تكوین فرقة مسرحیّة ، ولكن المحاولة لن تخرج إلى حیز التنفیذ.

الفرق المسرحية الزائرة لتونس:- فرقة سليمان قرداحي -فرقة سلامة حجازي  - فرقة التمثيل المصري لجورج أبيض. – فرقة رمسیس ...

وقد بدأ قطف الثمار الناضجة للمسرح التونسي في الخمسينات من القرف العشرين من خلال مسرحيات "سمير العبادي" و" محمد رجاء فرحات" وعز الدين المدني"،(خرافات ومسرحيات)، (ثورة صاحب الحمار) و(رحلة الحلاج)، (ديوان الزنج)، و(الغفران)، و(مولاي السلطان الحفصي) و قد قام هؤلاء الفنانون بإعادة هندسة بناء المسرحية التونسية و ذلك باستخدام الموروث الشعبي والتاريخي.

واهتم الحكم الوطني في تونس بالتدریب المسرحي على أرض تونس ذاتها فطوّرت مدرسة التمثیل والموسیقى والرّقص، وأصبحت تسمّى بمركز الفنّ المسرحي الذّي بدأ بإقامة مهرجان المسرح المغاربي الكبیر، ومن ثمّ انتشرت الفرق المسرحیّة في تونس نذكر منها: فرق مسرح الموّال، وفرقة المسرح الجدید، وفرقة المسرح الوطني التونسي.(

2) في الجزائر:

- عوامل ظهور المسرح الجزائري: هناك عدة عوامل ساهمت في ظهوره منها

 -التأثر بالمسرح الفرنسي، فقد كان الفرنسيون مولعين بالمسرح، ولذلك قاموا ببناء عدة مسارح في المدن الجزائرية، وتقديم عروض مسرحية للجنود بهدف الترفيه عنهم، وكذا تحسين حالتهم المزاجية نظرا لبعدهم عن أهلهم

-زيارة الفرق العربية للجزائر

  • · توجه الكتاب الجزائريين إلى الكتابة المسرحية بعد أن تفطنوا لدورها في بث الحمية الوطنية وكذا إيقاظ الشعور الوطين

ظهور نخبة من الممثلين الذين عملوا على تطوير المسرح والارتقاء به من خلال تناولهم مواضيع من عمق المجتمع الجزائري كرشيد قسنطيني ومحي الدين باشطارزي وغيرهم

-دور الصحافة المتمثل في الحديث عن العروض المسرحية

       تعود نهضة الحركة المسرحیّة في الجزائر إلى جملة نشاطات كان یقوم بها ویشجّعها مثقفون جزائریون منهم الأمیر خالد، وبحكم اطلاعه الواسع على الثقافة الفرنسية قد أدرك أهمية فن المسرح في توعية الأمة، فطلب من جورج أبيض حين التقى به في باريس عام 1910 أن يبعث له ببعض المسرحيات لتمثيلها بالجزائر، وعندما عاد جورج أبيض للقاهرة أرسل للأمير خالد عدة نصوص مسرحية عام 1911منها "ماكبثلشكسبير، و"المروءة والوفاء" لخليل اليازجي، و"شهيد بيروت" للشاعر حافظ ابراهيم .و وزعها الأمير عى الجمعيات التي  سبق له وأن أسسها بكل من الجزائر العاصمة والبليدة والمدية .

الفرق المسرحية الزائرة للجزائر- فرقة سليمان قرداحي -فرقة التمثيل المصري لجورج أبيض. – فرقة عزالدين المصرية- الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى (يوسف وهبي):

من أعلام المسرح الجزائري: علي شریف الطاهر سلالي علي ومحي الدّین بلشطاري وكاتب ياسين، رشید القسطنطیني و  كاكي و علولة، ...

3) المسرح المغربي :

   يرتبط ظهور المسرح المغربي بالثقافة الشفوية المغربية وأشكالها المختلفة منها التراث الفلكوري والذي بشكل زخما قويا في نشأة هذا المسرح ،لما يحتويه من مضامين مسرحية شعبية، وقد تكون المسرح المغربي من رافدين أساسين:

- الرافد الثراثى الفلكوري والشفوي: ( الحلقة ،البساط ،وسيدي الكتفي ،سلطان الطلبة ) .

الرافد الثاني ( الغربي )

وكانت بدايات المسرح في المغرب مع الزيارة التي قامت بها الفرقة التونسية بقيادة الفنان محمد عز الدين سنة 1923، على رأي حسين المنيعي في كتابه "أبحاث في المسرح المغربي إن هذه الزيارة قد اكتسبت أهمية كبرى بالنسبة للحركة المسرحية في المغرب، إذ أن حضورها قد أفسح الطريق أمام العاملين في المسرح" ووفر لهم إمكانات الإبداع وقد تهافت المغاربة على عروض الفرقة ، بل إن السلطان نفسه "مولاي يوسف" قد فتح قصره أمام أفراد الفرقة وعبر عن تذوق الفن المسرحي بأن أنعم على رئيسها بوسام.

- تكونت أول فرقة مسرحية مغربية بمدينة فاس سنة 1924 ، من طلبة المدارس الثانوية، يساندهم بعض العرب المشارقة الذين استوطنوا العاصمة.

وبعد الاستقلال عرف المغرب المسرح الاحترافي بقیّادة ''الطیب الصّدیقي''، ثم مسرح الهواة في مرحلة السّبعینات ، وتبقى الاحتفالیّة من أهمّ هذه الاتجاهات التجریبیّة الدرامیة قوّة وتماسكا واستمرارا.

أما التیار الاحتفالي في المغرب فقد  ظهر في السبعینات ولاسیّما بعد صدور البیّان الأوّل للجماعة الاحتفالیّة سنة

 1976 م  بمدینة ''مراكش "بمناسبة الیوم العالمي للمسرح (27مارس) بعد سلسلة من الكتابات النّظریّة والإبداعیّة التي كتبها ''عبد الكریم برشید'' باعتباره هو المنظر الأوّل لهذا الاتجاه المسرحي الجدید، والطیب الصّدیقي المطبّق الرّئیسي لهذه النّظریّة التأسیسیة.

من الأعلام: ''محمّد مسكین'' ''عبد الحقّ الزّروالي''، ''عبد الكریم برشید'' ''حوري الحسین'' ''محمّد المنتصر الرّیسوني'' و''الطیب صدیقي'' و''أحمد الطیب العلج'' وغیرهم.(

 

Modifié le: Sunday 18 February 2024, 22:17