الغمــــــوض

  خصائص الشعر العربي المعاصر:

تمهيد: القارئ في الشعر العربي المعاصر أول ملاحظة يلاحظها هو ذلك التميز في لغة الشعر المعاصر عن الشعر القديم فتبدوا لغة جديدة مثلت العملية الابداعية الشعرية حيث تتجسم في الوجود وتتحد به مصفاة مركزة لا تبيع للشاعر استخدام اللفظ إلا إذا كان هو اللفظ الأوحد الذي يجمل أكبر طاقة في الفعالية.

   لقد استطاع الشعراء المعاصرون في تجربتهم الشعرية الجديدة أن يضعوا للشعر مصطلح جديد ينبض بروح العصر وإن كانت اللغة مركبة منه جديدة وغريبة عن الأسماء هذه الغرابة صنعت عند المتلقين صعوبة في غموض هذا الشعر يقول ابراهيم رماني: ''القصيدة عالم لغوي مركب لا يأخذ دلالته إلا بعد انتهاء الكتابة بل بعد انتهاء القراءة التي تمثل كتابة يتم فيها انتاج المعاني الشعرية وتتحرر اللغة من سوابقها اللغوية والمعجمية وتدخل في حالة انصهار جمالي"

     يقول محمود درويش في قصيدة لاعب النرد:

هكذا أتحايل: نرسيس ليس جميلا

كما ظن. لكن صناعه

ورطوه بمرآته. فأطال تأمله

في الهواء المقطر بالماء...

لو كان في وسعه أن يرى غيره

لأحب فتاة تحملق فيه،

وتنسى الأيائل تركض بين الزنابق والأقحوان...

ولو كان أذكى قليلا

لحطم مرآته

ورأى كم هو الآخرون...

ولو كان حرا لما صار أسطورة...

ومن حسن حظي أني أنام وحيدا

فأصغي إلى جسدي

وأصدق موهبتي في اكتشاف الألم

فأنادي الطبيب، قبيل الوفاة، بعشر دقائق

عشر دقائق تكفي لأحيا مصادفة

وأخيب ظن العدم

من أنا لأخيب ظن العدم؟

    إذا الغموض ظاهرة واجبة في النص الشعر المعاصر ومكمن الغموض في الدلالات الصادرة في أعماق التجربة الشعرية التي تتضح ملامحها بعد عند الشاعر نفسه كي يضعها في سياقها الحقيقي مع الابقاء مع خصوصيتها، إنها الطاقة الابداعية لدى الشاعر المعاصر، هي التي تفتح النص الشعري على عوالم لا نهائية من الدلالات الايحائية، ولم يعد المعنى المعجمي هو المنطلق في تشكيل الدلالات التي اصبحت تصدر عن جماليات الذات في تفردها المطلق وفي تركيبها للنموذج اللغوي الجديد لم يسبق إليه أحد. وهذا ما جعل الهوة تتسم بين المبدع الذي هو الشاعر والمتلقي الذي هو القارئ وكانت النتيجة غياب المعنى الدلالي. وللغموض أنماط تتجلى في غموض الرمز ويتضمن:

  • الرمز الديني
  • الرمز التاريخي
  • الرمز الأسطوري
  • الرمز الشعبي......

  الرمز الصوفي: إن اعتماد الشعراء على لغة اشراق الصوفي التي تم بمهمة تجاوز الاغتراب وإلغاء الحدود القائمة بين الأنا والمطلق لأنها لغة تمد النص المعاصر بالقوة ايحائية تمكنه من البوح بجوهره وتربطه بموروثه الثقافي يستحضر الاشراقية والحلول والتجلي، كما يجعل من محنة المجاهدة ومعانات البحث عن المطلق ومرانية الحقيقة تشمل للرؤية  في حاضرها واستشراقا للمستقبل. والشاعر المعاصر قد يوظف الرمز الصوفي بحضور مباشر في النص كاستحضار شخصيات صوفين أو الأحداث التي ارتبطت به أو قد يكتفي باستدعائها الصوفي وتقلص ايحاءاتها أفكارها فتأدب عن وضعها اللغوي البعض إلى استعمال رمز يستقطب النص القارئ ويستمد أفكاره ورآه وحالته العرفانية ولأن الشاعر المعاصر أصبح يأسس نصه على رأيا تقارب الحلم و تكتشف أصداد الأنا والذات المغتربة فقد وجد في اللغة الصوفية ما يحقق فكره ويعبر عن معاناته التي تنزل النص في فضاء فكري وجداني وفي شكل لغوي يعتمد على عناصر الطبيعة وحضور الجوهري الذوي، والمصطلح الصوفي كمصادر لغوية يكرسها القول الشعري ويشبعها بالروحانية وأنماط المجاهدة والتأمل العرفان. يقول محمود درويش:

نحن أوراق الشجر،

كلمات الزمن المكسور، نحن

الحقل إذ يمتد في اللوحة... نحن

نحن لا نطلب من مرآتنا

غير ما يشبهنا،

نحن لا نطلب من أرض البشر

موطئا للروح،

نحن الماء في الصوت الذي سوف ينادينا

فلا نسمع، نحن الضفة الأخرى لنهر بين صوت وحجر

نحن ما نحن، فما جدوى المكان؟

    استحضر درويش عناصر الطبيعة موظفة بطريقة احائية متوالية تعتمد على أسلوب تدعائي  لا منظم  في نقل التقلبات الوجدانية مماثلا لتجليات الصوفية يوحد الأجزاء بتكرار ضمير نحن الذي يجمع بين الخاص والعام وتحدث التمازج الخصائص الطبيعية والانسانية في صور متقاربة دلاليا و أسلوبيا:

     نحن أوراق الشجر، نحن كلمات الزمن، نحن الماء. هذه الصور الجزئية تقوم على التشبيه الذي تركوه الضمير المتكلم نحن الذي يعتبر مزاوجة والتوحد والعنصر الجوهري الذي يوحي بمعارف الدلالة إذ هو رمز بحضور انساني متداخل بوجود الكوني ككل بتداخل هذا الضمير من كل عناصر الموجودة في النص فيحيل بدوره النص الغالب ويكتشف عن استظهار فعل الخلق عندما نقوم بتكرار الضمير بعناصر التصويرية الأخرى فيتشكل بينها توجد شمول تمازج تام يحقق وحدة الزمان والمكان ويكثف رمزية النص

                

 

Modifié le: Monday 22 January 2024, 14:32