القوانين والتشريعات :

إذا عرفنا أنّ القانون هو «مجموعة القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في الجماعة،وتعمل السلطة العامة على تطبيق هذه القواعد من خلال توقيع الجزاء على من يخالفها »[1]يظهر من هذا التعريف أنّ القاعدة القانونية هدفها تنظيم السلوك في المجتمع الإنساني،لمنع التجاوزات وضمان الحقوق والواجبات،والذي لا شك فيه أنّ من يقرر الجزاء وينفذه هو سلطة الدولة،بمختلف مؤسساتها وعلى اختلاف تخصصاتهم .

وكما مرّ معنا تتسم القاعدة القانونية بالتجرد والعمومية في مخاطبة المعنيين بها،فهي لا تخاطب شخصّا معينا يذاته،وهي تنطبق على كل من تتوفر فيه الشروط والمواصفات المحددة مسبقا،وبالجزاء المادي والعيني المقرر بنصّ القانون.فمن صوره؛ الجزاء الجنائي، والجزاء المدني،والجزاء التأديبي والمالي والإداري ...

لهذا فمن نافلة القول،أن نعرف أنّ القوانين تخضع لتراتبية وهرمية محددة،الجزائر كبقية بلدان العالم تعتمد على مبدإ تدرج القوانيين، مبنية على قوتها والجهة الصادرة عنها،يشمل الدستور الذي يتموضع في قمة الهرم القانوني .

1-          الدستور : الكلمة فارسية دخلت إلى اللغة العربية[2]،وتُقابل الفرنسية بلفظ (constitution ) واللفظة نفسها في الانجليزية بتلفظ مختلف،والدستور هو «الوثيقة التي تتضمن مجموعة القواعد التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة،وقد يُطلق هذا الاصطلاح على مجموعة القواعد التي تتعلق بنظام الحكم في الدولة، وبالمعنى الأخير يمكن أن يكون الدستور مكتوبا،كما يمكن أن يكون عرفيا مثل الدستور الانجليزي.»[3] يتبيّن من هذا التعريف أنّ الدستور وثيقة قانونية تتضمن عادة ديباجة ومجموعة من المواد، هذه المواد القانونية،تحدد ثلاثة مسائل هامة: 1-نظام الحكم في الدولة مثاله من الدستور الجزائري «الجزائر جمهورية ديمقراطية شعبية،وهي وحدة لا تتجزأ.»[4] فالنظام هو الجمهوري، ويحدد 2 العلاقة بين السلطات الثلاث : السلطة التشريعية القضائية والتنفيذية، والفصل بينها وكذلك 3 حقوق  المواطنين وواجباتهم .فقد نصّت المادة رقم 37 على «كلّ المواطنين سواسية أمام القانون،ولهم الحق في حماية متساوية،ولا يمكن أن يُتذرّع بأيّ تمييز يعود سببه إلى المولدِ،أو العِرق،أو الجِنس،أو الرّأي،أو أيّ شرط أو ظرف آخر،شخصيّ أو اجتماعيّ »[5] ، أما المقصود بكتابة الدستور فهو تدوينه،والدستور العرفي الوحيد أي غير المدون هو الدستور الانجليزي، رُغم عدم كتابته فهو محترم ومبادئه ماثلة في كلّ القوانين .

 وانطلاقا من الدستور،نجد كلّ القوانين في الدولة تأتي منسجمة معه ومتوافقة،ومفصلة لمواده،في مختلف المجالات،وذلك تجسيدا لمبدإ سمو الدستور، فهو يعلو كلّ القوانين. وتجدر الإشارة إلى أنّ المعاهدات الدولية التي تصادق عليها الدولة تتجسد في قوانينها .«فالدستور باعتباره يتميّز عن القواعد القانونية العادية سواء في سَنٍه أو تعديله أو إلغاءه[6]،فهو القانون الأسمى يخضع له كلّ الأفراد والسلطات،كما أنّه مصدرا لكلّ القوانين الأخرى والأخذ بذلك يؤدي إلى مبدإ تدرج القواعد القانونية من حيث الشكل والمضمون،بحيث تتقيد القاعدة الأدنى بالقاعدة الأعلى منها »[7]فخصوصية الدستور من حيث وضعه وتعديل مواده أو إلغائها؛أهلته لهذا السمو .

2-          القوانين العضوية : La loi organique

كما تبيّن سابقا،يعطي الدستور المواد القانونية في أصولها الكلية الكبرى،وتأتي القوانين المختلفة لتفصيلها،مجموعة القواعد القانونية المكتوبة التي تضعها السلطة التشريعية في الدولة، في حدود الاختصاصات والمجالات التي نصّ عليها الدستور في المادة 140 والسلطة المختصة هي البرلمان .

يعود ترتيبها من حيث القوة القانونية لعدة أسباب وهي :

طريقة سن القوانين من حيث التصويت والسلطة المختصة : «تتم المصادقة على القانون العضوي بالأغلبية المطلقة للنوّاب ولأعضاء مجلس الأمة »[8]

طبيعة الرقابة التي تخضع لها عند صدورها من المجلس الدستوري : مطابقة النصّ مع الدستور قبل صدورها .حيث ورد في الفقرة الثانية من المادة 140« يخضع القانون العضوي،قبل إصداره،لمراقبته مطابقته للدستور من طرف المحكمة الدستورية»[9] فتنحصر الرقابة بعدم معارضتها لقواعد وأحكام الدستور ولا تتجاوز الحدود والمجالات المنصوص عليها[10] .

المجلات التي حددها الدستور وهي :«يُشرّع البرلمان بقوانين عضوية في المجالات الآتية :

-     تنظيم السلطات العمومية وعملها

-     نظام الانتخابات

-     القانون المتعلق بالأحزاب السياسية

-     القانون المتعلق بالإعلام

-     القانون الأساسي للقضاء،والتنظيم القضائي .

-     القانون المتعلق بقوانين المالية .»[11] يظهر أنّ الدستور عيّن على سبيل الحصر المجالات التي يُسَنُ فيها القانون العضوي.وهذا نظرا للطبيعة الحساسة لهذه المجالات .

3-          التشريع العادي : la loi

إن كان النصّ القانوني يمرّ بمراحل عديدة من كونه مشروعا حتى المصادقة عليه وإصداره-ولا مجال للتفصيل في ذلك- فإنّ السلطة المختصة بالتشريع في الجزائر هي البرلمان بغرفتيه،المجلس الشعبي الوطني،ومجلس الأمة،وبغض النظر عن أنظمة المجلسين واختلاف تشكيلة أعضائهما بين الانتخاب والتعيين؛فإنّ مهمة البرلمان هي التشريع وقد تمّ تحديدها في 30 مجالا بنصّ المادة 139 «يُشرّع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور .»[12]واستثناء ينعقد للسلطة التنفيذية اختصاص التشريع في حالات نصّ عليها الدستور[13] . والقانون نص تشريعي يُصوت عليه المجلس الشعبي بالأغلبية ثم يعرض على مجلس الأمة الذي يصوت عليه أيضا ب4/3 ثلاثة أرباع أعضائه على الأقل.

4-          التشريع الفرعي أو اللوائح :

بمراجعة نصّ المادة الدستورية، يتبيّن أنّ الدستور قد خول لقطبي السلطة التنفيذية ممثلة في السيد رئيس الجمهورية والوزير الأوّل،الاختصاص التنظيمي،وكذلك الوزراء؛كلا في مجاله .حيث وردفي المادة 91 «يضطلع رئيس الجمهورية،بالإضافة إلى السلطات التي تخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور»[14]

و تكون هذه التنظيمات أو اللوائح على نوعين[15] :

1.       التنظيمات التنفيذيةيقصد بها التنظيمات الصادرة تطبيقا وتنفيذا أو تفصيلا لتسريع عادي وهذا هو الاختصاص الأصلي و المبدئي للسلطة التنفيذية و المثمتلة في رئيس الجمهورية و الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب ما جاء في المادة 143 من الدستور المعدل (المادة 125 سابقا)  : " يندرج تطبيق القوانين في المجال التنظيمي الذي يعود للوزير الأول".  و يتم ذلك بواسطة المراسيم التنفيذية.

2.      التنظيمات أو اللوائح التنظيميةو هو ما يعرف بالتنظيمات القائمة بذاتها أو اللوائح المستقلة و هي تصدر عن السلاطة التنفيذية تنظيما لمسائل جديدة تخرج عن إطار التشريع العادي ، فهي لوائح مستقلة بذاتها لا تستند لتشريع عادي، وهي تصدر :

·       عن رئيس الجمهورية في المسائل غير المخصصة للقانون عن طريق مرسوم رئاسي حسب نص المادة 143  من الدستور الفقرة 1 : " يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون " و موضوعها هو تنظيم المصالح و المرافق العامة.

·       الوزير الأول عن طريق مرسوم تنفيذي حسب نص المادة 143 من الدستور الفقرة 2 .

فلرئيس الجمهورية السلطة التنظيمية للمصالح والمرافق العامة[16] وما يصدر عن رئيس الجمهورية يسمى المرسوم الرئاسي،والمراسيم الفردية في حالة الإقالة أو التعيين .

مراسيم تنفيذية صادرة عن رئيس الجمهورية أو الوزير الأوّل .و يبدأ سريان النصوص القانونية بعد نشرها في الجريدة الرسمية،و بعد مضي 24 ساعة من نشره في الجريدة الرسمية.

5-القرارات الإدارية : Arrêté

بعيدا عن النقاش الفقهي لتعريف القرار الإداري،يمكن تقديم هذا التعريف الذي يضم العناصر والمقومات الأساسية له :«القرار الإداري هو عمل إنفرادي ذو صبغة قانونية،يتمتع بالطبيعة الإدارية،الهدف من ورائه التأثير في النظام القانوني أو في حقوق والتزامات الغير دون رضاهم »[17]

يُفهم من التعريف أنّ القرار الإداري يصدر عن الإدارة،بما تملكه من سلطة لصنع القرار،مثال ذلك تعين موظف أو عزله أو توقيع عقوبة تأديبية عليه،إلى غير ذلك من التصرفات القانونية التي يمكن للإدارة أن تتخذها في حقه .ولهذا فالإدارة تكتب ولا تتكلم .ويظهر على القرار التاريخ والختم،لأنّه يُنتج الأثر القانوني،الذي تكتسبه المراكز القانونية .

6-المنشور Circulaire عادة هي مراسلة إدارية،هدفها توجيه المرؤوسين في كيفية تطبيق القانون الجديد،أو تفسيره،أو تبيان توجيهات معينة .

7 - التعليمة : Note ذات طابع تنظيمي،لا تتعارض مع القوة القانونية للنصوص القانونية المتقدّمة عليها،  شارحة لكيفية تنفيذ القرارات ، وهي أمر داخلي .

يُنظر المخطط التوضيحي للهرم القانوني .



[1] محمد حسين منصور،المدخل إلى القانون،القاعدة القانونية،منشورات الحلبي الحقوقية(لبنان)،ط1،2010،ص.11

[2]  «الدُستور ،قانون أساسي "سَرِ قانون "»، سَر بالفارسية تعني رأس، يُنظر:عبد الوهاب علوب، الفارس، معجم عربي فارسي،يضم ألفاظا وتعبيرات وتراكيب عربية معاصرة،فصحى وعامية،المركز القومي للترجمة (مصر)،ط1،2010ص.194

[3]  معجم القانون، مجمع اللّغة العربية، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية،دط، 1999، ص.17

[4]  الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،العدد 8215 جماددى الأولى 1442/30آديسمبر سنة 2020 ،ص.7

[5] الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،العدد 8215 جماددى الأولى 1442/30آديسمبر سنة 2020 ،ص.12

[6]  الصحيح أو إلغائه

[7] حمامة قدوج،مبدأ تدرج القوانين كضمانة لنفاذ القاعدة الدستورية، مجلة السياسة العالمية،محمد بوقرة،بومرداس،ع2،مج 7،2023،ص.912

[8] الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،العدد 8215 جماددى الأولى 1442/30آديسمبر سنة 2020 ،ص. 32

[9] الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،العدد 8215 جماددى الأولى 1442/30آديسمبر سنة 2020 ،ص.32

[10]  غبد القادر إيدابير،خصوصية القوانين العضوية ضمن الأحكام الدستورية،مجلة آفاق علمية عدد 4،مجلد 14،ص.621

[11] الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،العدد 8215 جماددى الأولى 1442/30آديسمبر سنة 2020 ،ص.32

[12] الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،العدد 8215 جماددى الأولى 1442/30آديسمبر سنة 2020 ،ص.32

[13]  يراجع الملدة 142 من الدستور .

[14] الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،العدد 8215 جماددى الأولى 1442/30آديسمبر سنة 2020 ،ص.21

[15]حسين قوادرة، ملتقى نظام التشريع في الجزائر،متاح عللا الرابط :                     oeb.dz/moodle/course/view.php?id=5617&lang=ar  http://tele-ens.univ

 

[16]  محمد السعيد جعفور، مدخل للعلوم القانونية،دار هومة الجزائر ، ط 1،2011،،ج1، ص.126

[17] عبد المجيد جبار ، مفهوم القرار الإداري في القانون الجزائري،مجلة إدارة ،العدد الأوّل ،مجلد ،5،1 جوان ،1995،ص.11

Last modified: Sunday, 31 December 2023, 7:58 PM