مصادر أخلاقيات المهنة :
كما تقدّم في المحاضرات السابقة، يظهر أنّ أخلاقيات المهنة،تستمد أصولها من عدة مصادر باعتبار الإنسان كائنا اجتماعيا،تحكمه القيم الروحية إلى جانب الإكراهات المادية .
1-المصدر الديني:
القرآن هو دستور المسلم، وقد جاء محملا بالقيم الأخلاقية فقد ورد قوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (سورة القلم، الآية 4) فالله سبحانه وتعالى يشهد للنبي صلى الله عليه وسلم بالخلق،وهو قدوتنا،وهو معلم الإنسانية، كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم المثلَ الأعلى في الأخلاقِ الحَميدةِ، وقد تحدَّثَ القرآنُ عن خُلقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ووصَفَه بالعظَمةِ، يقولُ التَّابعيُّ سعدُ بنُ هشامِ بنِ عامرٍ -وهو ابنُ عَمِّ أنسِ بن مالكٍ، وكان مُقرِئًا، صالحًا، فاضلًا، نبيلًا-: "أتيتُ عائشةَ"، وذلك على عادةِ التَّابعينَ؛ أنَّهم يأْتون صحابةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لِيَتعلَّموا منهم سُنَّتَه، "فقلْتُ: يا أمَّ المؤمنينَ، أخْبِريني بخُلقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"، أي: كيف كان خُلقُه؟ "قالت: كان خُلقُه القرآنَ"، والخُلقُ هو الطَّبعُ، وقيل: الدِّينُ، والمعنى: كانتْ أخلاقُه مُتَّصفةً بالكمالِ الذي أخبَرَ به القرآنُ في كلِّ خُلقٍ، ويأتمِرُ بما أمَرهُ اللهُ تعالى فيه، ويَنْتهي عمَّا نهى اللهُ عنه قولًا وفِعلًا، ووعْدِه ووعيدِه، إلى غيرِ ذلك؛ فكان خُلقُه جَميعَ ما حصَلَ في القرآنِ مِن كلِّ ما استحْسَنَه وأثْنى عليه ودعا إليه، فقد تحلَّى به، وكلُّ ما اسْتَهْجَنه، ونهى عنه، تجنَّبه وتخلَّى عنه، فكان صاحبَ خُلقٍ عظيمٍ، فقيهَ النَّفسِ، كثيرَ العِبادةِ، كاملَ الإيمانِ والصِّدقِ، والشَّجاعةِ والصَّبرِ، والعِفَّةِ والحِلْمِ، وغيرِ ذلك، فكأنَّك ترى القرآنَ إنسانًا في شخصِ النَّبيِّ الكريمِ .
وقد ورد في القرآن الكريم عديد الآيات القرآنية التي تتضمن الأخلاق نذكر بعضها :
1-1الصبر:
إنّ الصبر خلق،يتحول إلى سلوك حياتي،والمعلم/ الأستاذ في مسيرته العلمية أحوج البشر له،و«أصل الصبر: الحبس والمنع وكلّ من حبس شيئًا فقد صبره(...)،والصبر نقيض الجزع(...)وورد للصبر معان أخرى غير معنى الحبس وهي: الصبر:بمعنى الثبات(...)والصبر بمعنى الجرأة(...)»[1] والحبس هنا بمعنى كف النفس عن الجزع والسخط وقَبول المصاب بإيمان؛دون شكوى «ونجد في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن مادة (صبر) بكلّ مشتقاتها قد وردت في القرآن؛مائة مرة وبضع مرات«.. [2]ودلالة هذا العدد العظيم؛تنبئ عن قيمة هذا الخلق في الحياة الدنيوية ،ولاسيما بالنسبة لمهنة التعليم .فالمعلم يصبر على مشقة الشرح والتكرار دون ملل ولا كلل، ويصبر على نزق بعض التلاميذ والطلاب،ويتحمل أخلاقهم وينصح لهم،ويصبر على تجديد الدروس وتقديمها مهما كانت ظروفه الصحية والنفسية فهو يؤدي رسالة الرسل يقول الله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ (سورة آل عمران، رقم الآية،200)
وقد ورد في تفسير هذه الآية ما نصّه:« القول في تأويل قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.فقال بعضهم معنى ذلك: " اصبروا على دينكم وصابروا الكفار ورَابطوهم". (...) حدثنا المثنى قال، ثنا سويدُ بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن: أنه سمعه يقول في كلام الله: "يا أيها آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا"، قال: أمرهم أن يصبروا على دينهم، ولا يدعوه لشدة ولا استرخاء ولا سَرَّاء ولا ضرّاء، وأمرهم أن يُصابروا الكفار، وأن يُرابطوا المشركين.»[3]
1-2 الإخلاص :
ورد في قاموس ابن فارس مقاييس اللّغة :« خَاءُ وَاللَّامُ وَالصَّادُ أَصْلٌ وَاحِدٌ مُطَّرِدٌ، وَهُوَ تَنْقِيَةُ الشَّيْءِ وَتَهْذِيبُهُ. يَقُولُونَ: خَلَّصْتُهُ مِنْ كَذَا وَخَلَصَ هُوَ. وَخُلَاصَةُ السَّمْنِ: مَا أُلْقِيَ فِيهِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ سَوِيقٍ لِيَخْلُصَ بِهِ»[4]
فمن دلالات لفظ الإخلاص تنقية الشيء من الشوائب،والصفاء.ولقد تعددت دلالات الإخلاص في القرآن ف«في معنى الإخلاص لله تعالى باختياره سبحانه ربّا ومعبودا حقا،وتخليص الأعمال وتطهيرها من شوائب الشرك والبدع والمعاصي،وجعلها خاصة لله تعالى في القصد والتوجه ،وبهذا يتبيّن سعة لفظ الإخلاص،وتعدد مدلولاته في القرآن؛نظرا لاختلاف السياق القرآني،والذي له أثر كبير في بيان معاني لألفاظ ودلالاتها»[5] وكذلك عمل الأستاذ خالصا لوجه الله؛لا مداهنة فيه.
ويمكن أن نستشهد بهذه الآية القرآنية ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)﴾ ( سورة البينة، الآية رقم 5)
«مخلصين له الدين أي العبادة ; ومنه قوله تعالى : قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين . وفي هذا دليل على وجوب النية في العبادات فإن الإخلاص من عمل القلب وهو الذي يراد به وجه الله تعالى لا غيره»[6] .
ومن ثمة فالنية وهي قصد الإنسان/ الأستاذ من العمل الذي يؤديه،فإذا كانت النية هي أداء العمل لأمر يتعلق بالروح والغاية السامية المثالية والدائمة فدور المعلم مربي محترم،وليس مجرد الحصول على الراتب أو المكانة الاجتماعية .ولهذا يحظى بالتقدير والاحترام .
[1] أسماء عمر حسن فدعق،الصبر في ضوء القرآن والسنة،دن،دب،دط،دت،ص.45
[2] المرجع نفسه ،ص.51
[3] الطبري،أبي جعفربن جرير، تح،عبد الله بن عبد المحسن التركي، تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن، دارهجر للطباعة،دب ،ط1،2001،ج6،ص.332
[4] ابن فارس، أبي الحسن أحمد بن زكرياء القزويني الرازي، معجم مقاييس اللّغة ،تح، عبد السلام هارون،دار الفكر ،1979،ص.308
[5] حمد بن محمد بن إبراهيم الوهيبي، الإخلاص في القرآن الكريم،دراسة موضوعية،رسالة ماجستير،المملكة العربية السعودية،جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ،كلية أصول الدين،قسم القرأن وعلومه،1433،،ص.30
[6] القرطبي،أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر،الجامع لأحكام القرآن،والمبيّن لما تضمنه من السنة وآي الفرقان،عبد الله بن عبد الله المحسن،شارك في التحقيق،كمال محمد الخرّاط،ماهر حبّوش،مؤسسة الرسالة،ط1 ،2006،ج 22 ص.412