تمهيد :

إنّ ضبط المفاهيم والمصطلحات من أولويات أي بحث علمي،ولذلك ينبغي لزاما بسط التصورات اللّغوية والحدود المفهومية، قبل الخوض في المبادىء والقواعد .

أسباب الاهتمام بأخلاقيات المهنة :

حظي باهتمام متزايد بسبب :

ü   تزايد الفضائح الأخلاقية .

ü   تأثر الإنسان بالقيم والمثل العليا إيجابيا،أكثر من الردع الخارجي .

ü   تحسين الأداء الوظيفي يعتمد على إيمان الفرد واعتقاده أكثر من اللوائح والقوانين

 

تعريف أخلاقيات المهنة :

نحاول تفكيك هذا المصطلح المركب إلى عناصره الأساسية،ومراجعة القواميس اللّغوية ومن ثمة القواميس الاصطلاحية،لبلورة المفهوم .

أخلاق :

يطالعنا ابن منظور بقوله :«وَالْجَمْعُ أَخْلاقٌ، لاَ يُكَسَّر عَلَى غَيِر ذَلِكَ .والْخُلُقُ والخُلْقُ: السَّجِيَّةُ. يُقَالُ: خالِصِ المُؤْمِنَ وخالِقِ الفاجِرَ.وفي الحَدِيثِ : لَيْسَ شَيْءٌ في المِيزانِ،أَثْقَلَ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ،بضم اللاَّمِ وسُكُونِها: وَهُوَ       الدِّينُ والطّبْعُ والسَّجِيَّةُ (...) وَ قَوْلُهُ تَخَلَّقَ مِثْلُ تَجَمَّلَ أي؛ أَظْهَرَ جمالا وتَصَنَّعَ وتَحًسَّنَ،،إنَّمَا تَأْوِيلُهُ الإِظْهَارُ.وفُلانٌ يَتَخَلَقُ بِغَيْرِ خُلُقِه أي، يَتَكَلَّفُهُ »[1]

لا مندوحة للتذكير أنّ الأخلاق في ديننا من الشريعة،وليست أمرا نظريا أو فلسفيا.

الأخلاق في الاصطلاح :

إنّ المراجعة الاصطلاحية ضرورة لضبط المفاهيم،ف«المقصود بالأخلاق معرفة الفضائل وكيفية اكتسابها،لتزكو بها النفس،ومعرفة الرذائل لتتنزه عنها،وعلم الأخلاق هو النظر في أحكام القيم وفي المبادىء الأخلاقية،بينما تتعلق الأخلاق بالأفعال الصادرة عن الإنسان محمودة كانت أم مذمومة، (...) وأخلاق النسبية هي مجموع قواعد السلوك الخاصة بمجتمع معيّن في زمان معيّن،والتي نختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمان إلى آخر .أما الأخلاق المطلقة فهي مجموع قواعد السلوك الثابتة التي تصلح لكل زمان ومكان .والأخلاقي   moral  هو المنسوب إلى الأخلاق وإلى قواعد السلوك المقررة في زمان معيّن Immoral  فيطلق على السلوك المناقض للأخلاق . »[2]

نستشف من هذا التعريف  أنّ الأخلاق ترتبط بعلم قائم بذاته هو علم القيم،وهو من العلوم المعيارية .

الأخلاق لا تُطلق فقط على الجوانب الإيجابية،وإنّما تشمل الأمور السلبية،غير أنّ الذهن ينصرف عادة للقيم الإيجابية .

وقواعد السلوك الأخلاقي ذات معطيات إنسانية،لا تتعلق بزمان أو مكان، فكل إنسان يؤمن بالعدالة والخير المطلق .

2 -المهنة :

ورد في لسان العرب ما نصّه :« المَهْنَةُ والمِهْنَةُ والمَهَنَةُ والمَهِنَةُ كُلُّه: الحِذْقُ بالخِّدمَةِ والعَمَل ِونَحْوِه، وأَنْكَرَ الأصْمَعِيُّ الكَسْرَ. وَقَدْ مَهَنَ يَمْهُنُ،مَهْنًا إذا عَمِلَ في صَنْعَتِهِ،(...) ولا يُقَالُ مِهْنَةٌ(...) وفي حَدِيثِ سَلْمان:أَكْرَهُ أَنْ أَجْمَعَ عَلَى مَاهِنِي مَهْنَتَيْنِ؛المَاهِنُ: الخَادِمُ؛أَي أَجْمَعَ عَلَى خَادِمي عَمَلَين في وَقْتٍ واحدٍ كالخَبْزِ وَ الطَّحْنِ مَثَلاً (...)وَ كُلُّ عَمَلٍ في الضَّيْعَةِ مِهْنَةٌ(...) وامْتَهَنَ نَفْسَهُ: ابْتَذَلَها »[3]

أبرز ما يُستفاد من هذا التعريف هو ضبط كلمة مَهنة بفتح الميم،وليس مثلما هو شائع في اللغة المعاصرة بكسر الميم "مِهنة"،وتقترب من فلك الابتذال والخدمة والصنعة.

ونجد كلمة خدمة في لسان العرب حيث يقول ابن منظور :«ابن سِيدَهْ:خَدَمَهُ،يَخدُمُهُ ويَخْدِمُه(الكَسْرُ عَنِ اللِّحْيانِيِّ) خَدْمَةً (عنه) وخِدْمَةً مَهَنَهُ،وقِيلَ:الفَتْحُ المَصْدَرُ، والكَسْرُ الاسْمُ،والذَّكرُ خادمٌ،والجَمْعُ خُدّامٌ،والخَدَمُ: اسْمٌ لِلْجَمْعِ،كَالْعَزَبِ والرَّوَحِ،والأُنْثَى خَادِمٌ وخادِمَةٌ،عَرَبِيَّتَانِ فَصِيحَتَان (...) لابُدَّ لِمَن لَمْ يَكُنْ لَهُ خادِم أَنْ يَخْتَدِمَ أي يَخْدُمَ نَفْسَهُ،واسْتَخْدَمَهُ فَأَخْدَمَهُ: اسْتَوْهَبَهُ خادِمًا فَوَهَبَهُ لَهُ . »[4]

يظهر من هذا التعريف أنّ الخدمة هي مرادف للمهنة،وكلاهما تستعملان في أكثر كلام العرب للغلمان والجواري،لا للسادة والأشراف .

طبقا للمادة رقم 4 من الأمر 03 /06  المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العامة فقد نصّ « يعتبر موظفاً كل عون عيّن في وظيفة عمـوميـة دائمة ورسم في رتبة في السلم الإداري. الترسيم هو الإجراء الذي يتم من خلاله تثبيت الموظف في رتبته.»[5]

ويتبيّن من هذه المادة،أنّ الموظف يشمل كل الذين يمارسون نشاطهم في المؤسسات والإدارات العمومية،و لا يكتسب العون المتربص صفة وتسمية الموظف،إلا بعد نهاية مدة التربص،وهذا استثناء من القاعدة العامة.



[1]  ابن منظور،لسان العرب،دار المعارف(مصر)،دط،دت، مادة (خ. ل.ق )ص. 1245

[2] جلال الدين سعيد،معجم المصطلحات والشواهد الفلسفية،دار الجنوب للنشر تونس،دط،1994،ص.23،24

[3]  ابن منظور،لسان العرب،

[4]  ابن منظور،المعجم السابق، مادة(خ.د.م)ص.1115

[5]  الأمر 03-06 المؤرخ في 15 جويلية 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد 46 الصادرة بتاريخ 16 جويلية ،2006 ص ص .04-03

Modifié le: Sunday 24 December 2023, 11:57