- مفهوم النسق : في البداية سوف نأخذ مجموعة من تعاريف النسق.

هلوفاجون(Hall et Fagen)بالنسبة اليهما فالنسق هو مجموعة من العناصر والعلاقات الموجودة بين هذه العناصر وبين خصائصها.(Hall et Fagen,1956, p18)

حيث أنه وفي هذا التعريف، فالعناصر هي المشكلة للنسق، أما الصفات القائمة فهي خصائص هذه العناصر، وما يهم بشكل كبير هو العلاقات بين هذه العناصر، في المقابل فإن الخصائص التي تميز العناصر تقابلها السلوكات عند الأفراد في الأسر، إذن ففهم الأنساق في حالة التفاعل، هو أحسن طريقة لوصف هذه العناصر، ليس وصفها كأفراد ولكن أفراد في إتصال وفي علاقات مع أفراد آخرين.

أما بالنسبة (بارتالونفيL.V.Bertalanfy) فالنسق هو مجموعة العناصر المتداخلة في بينها، أي أنها ترتبط فيما بينها بعلاقات حيث إذا تغير أحد هذه العناصر أدى الى تغير العناصر الأخرى (اومليلي حميد 2010،ص44)، ففكرة النسق عند بارتالونفي تتأسس على فكرة أن الكل لايمكن فهمه إلا من خلال دراسة أجزائه في علاقتها بعضها ببعض، وفي علاقتها بالعملية الكلية للأداء.

 

 

إذن فالفكرة الأساسية في مفهوم النسق هو أن ما يهم هو العلاقة*(La relation) الموجودة بين عناصر النسق وحتى العلاقة الموجودة مع عناصر أنساق أخرى وليس العناصر في حد ذاتها، إذن فالعلاقات هي التي تحافظ علىالكل ضمن أي نسق

( (j,p,watslawick,1966,p 120

كما يقسم (fagen et hall)الأنساق الى فرعين مفتوحة ومغلقة، الأنساق المفتوحة، بمعنى أنها تتبادل مع محيطها المواد، الطاقة وحتى المعلومات كما في الأنظمة الحية، في المقابل النسق المغلق(clos)، هو نسق لايستقبل ولا يرسل لاطاقةولامادة ولا معلومات، إذن لا يوجد تغير في المكونات، كما أن النسق ينتظم حول مظهرين بنائي ووظيفي(salem,2001)

وفيما يخص المظهر البنائي للنسق نلاحظ المكونات الأربعة التالية:

-    حدود والتي تمثل الحد الفاصلinterface والتي تميز النظام من البيئة التي تنتمي اليها حيث أن مفهوم الحد الفاصل يعنى مكان التبادل بين النسق وبيئته، وبين نسق ونسق آخر، فنحن نتكلم مثلا عن الحد الفاصل بين الوسط الخلوي والوسط الجلدي في البيولوجيا (الغشاء هو المقصود هنا)، بين الإنسان والآلة...الخ.(La clavier dans un pc).

-    العناصر والتي يمكن تحديدها وتصنيفها في فئات كأعضاء أسرة مثلاً: عمال مؤسسة، لاعبي فريق...).

-    شبكةاتصال ونقل:وهدفها تسيير المادة، الطاقة، المعلومات...الخ مثلا (الطرق، الاسلاك...)

-    خزانات من أجل التخزين وهذا لتخزين الطاقة، المادة أو المعلومات مثلا (تخزين السكريات، الدسم، ذاكرة الفرد، ذاكرة الحاسوب...الخ).

 

وفيما يخص المظهر الوظيفي فإن النسق تشكل من الخصائص التالية:

-    تدفق ذو طبيعة مختلفة يدور بين الخزانات ويغير في المادة، الطاقة المعلومات، يتمظهر عن طريق قوة التدفق مثلا قوة تدفق سرعة الإنترنت، عدد المسافرين في اليوم...الخ.

-    مراكز قرارات هي التي تراقب سرعة هذه التدفقات وهذا بتأثير عليها، أي بتحويل معلومة إلى فعل وإلى غير ذلك مثلاً: مدير وحدة إنتاجية، مسؤول سياسي، إنزيم....).

-    حلقات ارتجاعية (تغذية مرتدة) والتي تُعلم مراكز القرارات بما يجري وتسمح بتعديل الأسئلة لمعرفة الأسباب، إن استقرار وتعديل النسق مرتبط بهذه الحلقات الارتجاعية مثلا (التغذية المرتدة تحدد عمل الغدة النخامية، أو الهيبوتالاميس، تعديل شعب حسب عدد الولادات والوفيات...الخ.)

-    تواقيت نتيجة الاختلاف في سير التدفقات أو مدة التخزين في الخزانات أو احتكاكات بين عناصر النسق هذه الأوقات تسمح بالتعديل المؤقت اللازم للسير الحسن للنسق(مثلا تعديل أوقات أو قوانين السير في أوقاتالإزدحام)(Nguimfack leonard,2008).

في المقابل تعتبر الأسرة كنسق مفتوح يبحث دائما عن التوازن(homéostasie) والقدرة على التحول،إن الأسرة تبحث دائما على ضمان ديمومتها وهذا بالتكيف مع قواعد النمو

(j,p,watslawick,1966,p 150(

والأسرة كأي نظام حي (مفتوح) كما يشير إلى ذلك (G.osloos) تسبح داخلسيرورات تفاعلية ذاتية المرجع والتي تهدف إلى الحفاظ على توازن هذه الأسرة، ولأجل هذا تحتاج الأسرة كنظام حي مفتوح إلى الطاقة ومادة مثل باقي الأنظمة الحية وهذا حتى تضمن استمرارها وتحفف من حدة(entropie)الأنتروبي، إن الطاقة والمادة التي تحتاجها الأسرة كنظام مفتوح هي المعلومات والتي تأتي منها وتعود اليها.

 

 

كماأن الأسرة كنسق مفتوحضمن الأنظمة الحية لها خصائص، هذه الخصائص تتقاسمها جميع هذه الأنظمة وهي:

-1-1-الكلية(La totalité): إن مبدأ الكلية في الأنظمة الحية كالأسرة هو الكل حيث كل عنصر مربوط بالعناصر الأخرى والنتيجة هي ان كل تغير في أحد عناصر هذا النظام يؤدي الى تغييرات فيالعناصر الأخرى وفي النظام ككل، سواءً من ناحية الوظيفية، التفاعلات أو حتى الإنتاج.

كماأن هذا المبدأ في فهم الكلية لا يعني مجموع الأجزاء (la non-somativités) حيث أننا لا نستطيع فهم نظام بتجزئته الى عناصره البسيطة أو بعزل خصائص عناصره ثم دراسته.إذن فالنسق هو الكل يضاف اليه أشياء أخرى وليس هو مجموع أجزاء.

فالأسرة لا يمكن فهمها بفهم خصائص أفراد كلُ على حدى(olivier,aniguet,2004, p 39)

إن هذا المفهوم الكلي عن الأسرة يوجب على الأخصائي أخذ كل عناصرالنسق الأسري باهتمام حتى الأنساق الممتدة خارج الأسرة كالأهل وغيرهم وعدم إغفال أي عنصر في فهم سيرورة أي نسق أسري.

1-2-مجموع الأجزاء: إن أي نسق هو مجموع يحتوي على أجزاء مختلفة، بصفة عامة نستطيع القول بأي نسق يحتوي على أنساق فرعية أخرى، كما أنه محتوى ضمن أنساق أخرى أوسع منه، فالأسرة مثلا تحتوي على أنساق فرعية كالنسق الوالدي نسق الأطفال، نسق الذكور والإناث، نسق الكبار والصغار، كما أن هذه الأسرة تسبح في أنساق أكبر منها كالنسق الأجداد، نسق الأعمام...الخ.

1-3- التماثل (isomorphisme): إن مسألة التماثل في الأنساق يوضحها(cuendi)كوندي في دراسته حول المقاربة النسقية، فهو يرى بأن هذه المقاربة لا تنحصر في نمط واحد من التنظيمات، حيث يقول"فكل ما تعلق بشيء، بكائن حي، بمجتمع...الخ، أو بأي شيء مربوط بعلاقات مع أشياء أخرى يمكن أن يشكل نسقاً(G.cuendet,p17)إذن فالتماثل يعني التشابه(analogie) في الأشكال، فمثلاالنسقالأسري،والنسقالخلوي(في الخلية)، النسق الاقتصادي والنسق العصبي...الخ، إن هذا المفهوم في المقاربة النسقية يجعلنا نستنتج علاقات من انساق معينة ونسقطها على انساق أخرى كمسألة الأنتروبي(antropie) في البيولوجيا التي اسقطت على الأسرة والتي تم تناولها سابقا، وكذا الحال بالنسبة للأنظمة ولخصائص الأنظمة الأخرى.

1-4- الغائية المتساوية (l’équifinalité): إن المعنى هنا هو أن أي نسق دائري هو مصدر تغيراته، حيث أن نتائج أي نسق لا تحددها الظروف الأولية،بينما ما يهم هو طبيعة السيرورة في النسق بحد ذاته، أو بمعايير النسق، إن مبدأ الغائية المتساوية يعني أن نفس النتائج يمكن أن تكون لها أسباب مختلفة، لأن طبيعة وبنية النسق هي المحددة، حيث يقول بارتالونفي في هذا الصدد"إن استقرارالأنساق المفتوحة تتميز بمبدأ الغائية  المتساوية، والذي يعني عكس توازن الأنظمة المغلقة والتي تحددها الشروط الأولية،إن أي نسق مفتوح يستطيع أن يصل الى حالة من الاستقلالية بعيدا عن الظروف أو الشروط الأولية ويبقى محددا فقط بأبعاده الذاتية (أي الخاصة بالنظام).(M Elkaim, 1995, p29).

كما يشير كذلك فاتزلافيك بأنه حتى وأن مبدأ الغائية المتساوية للأنساق المفتوحة مؤسس على استقلالية النسق بالنسبة للظروف الأولية، فإنه ليس فقط الظروف الأولية المختلفة والتي يمكن أن تؤدي الى نفس النتائج، لكن هناك نتائج مختلفة يمكن أن يكون لها نفس الأسباب، وفي هذا الإطار بتطبيق فاتزلافيك إن تنوع أفكار السببية المرضية للفصام مثلا" توضح هذا الأمر، فالنظريات التي كانت ترى بأن سبب الفصام هو الصدمة واحدة في الطفولة تركت مكانها النظريات أخرى حول صدمة تخص العلاقة بين الطفل والأم المرضية.

صدمات متكررة وليست واحدة*، إذن فالفصام في هذه الحالة لا يمكن فهمه في اتجاهواحد لفرضية الأم الفصامونشوئية ولكن يجب دراسته في إطار بين شخصي حيث ظهر الاضطراب، أسرة، مكان عمل .... الخ، وفي هذا الإطار فإن أي سلوك ليس نتيجة أو سبب للظروف الغريبة للوسط، لكن بصفة دقيقة هذا النمط ينتمي إلى نسق مرضي في حالة حركة.(j,p,watslawick,1966,p 129)

وفي الأخير نستطيع القول أن النسق هو الذي يعود إليه تفسير نفسه، إذن فأحسن طريقة لدراسة هذا النسق كما يقولفاتزلافيكهي دراسة نسبته الحالية.

1-5- الارتجاعية"la rétroaction" إذا كانت عناصرأي نسق لا تنتظم بطريقة جمعية (جمع) أو خطية كما تم إيضاحه سابقا  إذن فالطريقة الواحدة التي تنظم عناصر  أي نسق هي الدائرية، إذن فقدوم السيبرنيطيقاcybernétiqueوالدائريةcircularité، جعل البحث في الظواهر يكون أكثر تعقيدا ويكون الأمر أكثر من مسألة السبب والنتيجة إذن فالمسألة ليست مسألة سبب ونتيجة فإذا فرضنا مثلا أن: أ هو سبب حدوث ب– فحدوث-ب- بالضرورة يترك أثرا على-أ-والذي سيؤثر بدوره على عناصر أخرى- ج -مثلا وهكذا فالعناصر داخل النسق تؤثر وتتأثر في تفاعل دائري ارتجاعي حيث لا يمكن تفريق السبب عن النتيجة وإنما يصبح المهم هنا هو معرفة العلاقة الموجودة بين عناصر هذا النسق إذن فدراسة السيرورة  التفاعلية داخل نسق تكون أهم من دراسة الأسباب أو النتائج.

1 -6 – التعديل الذاتي (التوازن الحيوي والتغيير:L’autorégulation):

إن الأنظمة تميل في مرات إلى التغيير وفي مرات إلى الاستقرار بحيث أن هذه اللعبة (التغيير والاستقرار) تحافظ على النسق في حالة اتزان، غير مستقر ولكن مؤقتا مما يضمن إمكانية التطور والعيش (45oliviei amiguer,2004,p ) .

كما أن التوازن الحيوي Homéostasie  هو عبارة عن آلية للتعديل الذاتي والتي تهتم بالمحافظة على ما هو موجود كالدفاع ضد كل ما يهدد استقرار النسق، إذن فالهدف هو الحفاظ على استقرار النسق أثناء فترات التغير والتحول، وما يميز خاصية التوازن الحيويهو الحفاظ على استقرار النسق وضبطه داخل نطاق الحدود المطلوبة، عندما يحدث شيء خارج نطاق المدى المقبول للنسق.

 



*العلاقة la relation: من بين المفاهيم المركزية في المقاربة النسقية وهو مفهوم تناوله ح.ب ،فاتزلافيك في كتابهUn logique de la communication؛حيث أعطاه حجر الزاوية في المعادلات الرياضية في الكيمياء كذا الحال في في العلاقات الانسانية فالرموز في الرياضيات لا يمكن فهمها الا في اطار علاقتها برموز أخرى كذلك الأفراد لا يمكن فهمهم إلا ضمن إطارهم العلائقي.

*في هذا السياق يشير دون Don . Jacksonجاكسون  في 1957 بأنه تاريخيا فإن دور الصدمة النفسية السببية المرضية انتقل من الأفكار البدائية لـ " فرويد "والمتعلقة بوجود حدث صدمة واحدة إلى فكرة الصدمات المتكررة  وأصبحت المرحلة التالية هي ليس البحث عمن هو المسئول ولكن كيف ترتبط وتعقد الوضعيات ومنذ تلك الفترة انصبت الدراسات على دراسة الفصام كمرض أسري متعلق بدورة معقدة من معطى ومستقبل أكثر من مسألة الأم الفصامونشوئية( D.D Jackson P 128   نقلا عن  j,p,watslawick,1966)

آخر تعديل: Friday، 8 December 2023، 8:42 PM