المحاضـرة الثامنـة :

معـاني الفعـل  الثلاثـي المزيـد بثلاثـة أحـرف:

(تذكير ، أبنية الثلاثي المزيد بثلاثة أحرف ، استفعل ،معاني الزيادة ، افعَوْعَلَ ، معاني الزيادة  افعَالّ  ، معاني الزيادة ، افعَوَلّ ، معاني الزيادة ).

تمهيد : بعد معرفة أنّ الثلاثيّ المزيد بحرفين يأتي على صيغ عدة ، تتراوح معاني حروف الزيادة فيها بين المطاوعة والتكلف والاتخاذ و الصيرورة ....وغيرها من المعاني ، إضافة إلى تعدّد المعاني للصيغة الواحدة ، عدا دلالة "انفعل" على المطاوعة ،و"افعلّ" على المبالغة في اللون ،، حري بنا أن نقف عند معاني حروف الزيادة في الفعل الثلاثي المزيد بثلاثة أحرف ،وهو النوع الثالث من أنواع مزيد الثلاثي ، والذي احتفظت له كتب الصرف العربي بأربعة أوزان مشهورة :(استفعل،افعالّ  افعوعل ، افعولّ ).فما المعاني المستفادة من وراء حروف الزيادة في صيغ المزيد بثلاثة أحرف ؟؟؟

1 ـ إستفـعـل :تُعدّ أشهر صيغة للثلاثي المزيد بثلاثة أحرف ، إذ يزاد فيها الفعل بالهمزة  والسين و التاء ،فتكون الهمزة في أوله للتوصل إلى الساكن ،والسين و التاء للطلب، كما تأتي أفعال هذه الصيغة متعدية تارة ،نحو:"استغفر المذنب ربَه"ومنه قوله تعالى :" فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا " نوح 10،كما تأتي لازمة مرّة أخرى نحو :استسلم العدو "،استحجر الطين .. وهو ما أكّد معناه "ابن عصفور"في مثال ضربه :استحسن الشيءَ ،وغير المتعدي ،استقدم   استأخر .."[1] ،مؤكّدا على بناء هذه الصيغة من فعل متعد ،وغير متعد، ومن أمثلة هذه الصيغة :استغفر ،استمدّ  استوزر ،استقام ،استرضى ...[2]،ويكثر استعمال هذه الصيغ في معان أشهرها :

أ ـ الطلـب :وفيه يقول الحملاوي :"أن يكون الطلب حقيقة نحو:استغفرت الله ،أي طلبت مغفرته .."[3]،وقد يُقصد بالطلب نسبة الفعل إلى الفاعل لإرادة تحصيل المشتق منه حقيقة نحو:استغفرت ربي ، أي طلبت منه الغفران و المغفرة ، "وقد يكون الطلب مجازا على حدّ قولك  استخرجت الذهب من المعدن ،استخرجت الماء من البئر ،فطلب الاستخراج غير صحيح ، بل هو معنى ويقصد به الاجتهاد في استخراجه وللحصول عليه ، لذلك سُمّيت هذه الممارسة في إخراجه والاجتهاد في الحصول عليه طلبا ، حيث لا يمكن الطلب الحقيقي .." [4]، في وقت ضرب فيه "زرندح" أمثلة في كتابه:"الأسس" منها :استفهم/طلب الفهم ،استجوب/طلب الجواب  ومنها:استأمر ،استقضى ،استوهب،أي طلب الأمر و القضاء ،والهبة...[5]، وهو المعنى الذي أكدّه "ابن عصفور" في قوله:استعطيت العطية ،واستعتبته /طلبت له العتبى ،واستفهمته /طلبت منه أن يُفهمني ..."[6].

ب ـ التحوّل و التشبيه : وهو المعنى الذي يصير فيه الفاعل مُتّصفا أو متشبها بصفة الفعل الذي اشتق منه ،ويكون التحوّل إمّا حقيقة نحو:استحجر الطين أي :صار حجرا حقيقة في صلابته  استحصن المهر/أي صار حصانا لمّا كبر ، وقد أكّد ذلك "ابن عصفور"مُبينا من معاني"استفعل" التحوّل من حال إلى حال :استنوق الجمل...،واستيئست الشاة ...."[7]، وقد يكون كذلك هذا التحوّل مجازا ، وهذا ما يقصد به "التشبيه" نحو :استأسد الرجل ،أي صار شبيها بالأسد في شجاعته ،ومن ذلك قول العرب في أمثالها :"إنّ البغاث بأرضنا تستنسر"أي تصير شبيهة بالنّسر في قوَّته ،باعتبار البغاث ضعيف الطيران ، ومعناه أنّ الضعيف يصير بأرضنا قويًّا لاستعانته بنا .."[8].

ج ـ اعتقاد صفة الشيء: وهو الاعتقاد بأنّ الفاعل على صفة الفعل وذلك ما عبّر عنه صاحب "الممتع" بقوله كمعنى أول لصيغة استفعل سمّاه : "الإصابة" كقولك : استجدته:أي أصبته جيّدا واستكرمته واستعظمته بمعنى: أصبته كريما و عظيما ، وفيه معنى الاعتقاد في قولك : استحسنت كلام زيد،أي اعتقدت حسنَه، واستصوبت رأيه :أي اعتقده صوابا ،واستبخلت عمرا :أي اعتقدت به بخيلا .."[9]، ومن أمثلة ذلك: "استكرمت محمدا" ، اعتقدت فيه الكرم ، "استعذبت الماء "، اعتقدته عذبا ،و"استملحت الطعام" ، اعتقدته ملحا ....

د ـ اختصار الحكاية : تأتي صيغة "استفعل"لتؤكد غناها في دلالتها على الاختصار كما في نصّ (ابن يعيش) : " دلالة استفعل على الاختصار نحو: استرجع هي اختصار لقولك : "  إنا لله وإنا إليه راجعون " [10] ، كما حملت صيغة "استفعل" في دلالة من دلالاتها معنى القوة في قولك : "استكبر و استهتر" بمعنى قوي هترُهُ وكبرُه ، وأدّت في سياق آخر ما تؤديه صيغة "أفعل" نحو أجاب و استجاب ، أيقن واستيقن.."[11] ، كما حملت معنى المطاوعة نحو : "أحكمته فاستحكم  وأقمته فاستقام ......"[12].

2 ـ افعــالّ : صيغة للثلاثي المزيد بثلاثة أحرف ؛ الهمزة والألف وتضعيف اللام ، وهي صيغة لا تكون إلاّ للدلالة على المبالغة في اللّون أو العيب غالبا ، مثلها مثل : افعلّ نحو قولنا  اشهابّ ، اسوادّ، ابياضّ ..."[13]، وقد تأتي في صيغة في غير اللون نحو : إبهارّ الليل إذا أظلم ، إبهارّ القمر إذا أضاء ، اقطارّ النبت إذا جفّ ....". [14]  لتنفرد صيغة" إفعالّ "عن "افعلّ" بالدلالة على المبالغة في الاتصاف باللون وتوكيده ، وبذلك انحصر معناه في المبالغة على أصل الفعل وزيادة قوته كقولنا: احمارّ الورد ـ زادت حمرته و قويت ، اخضارّ العشب ـ زادت خضرته وقويت  واعوارّ الرجل ـ زاد عورُه وقوي ..."[15] .

3 ـ افعوعل ، افعولّ : اقتصرت الصيغة الأولى وكذا الثانية على المبالغة و التوكيد معا ، فمثال الأولى ، اعشوشب الزرع ، اخشوشن ...ومثال الثانية اجلوذ: بمعنى أسرع وزادت سرعته ، وهما صيغتان تأتيان من المتعدّي وغير المتعدّي ، فمثال المتعدي : اعلوطّ المُهرَ:إذا تعلّق بعنقه وركبه  وغير المتعدي :اجلوذّ السفر بمعنى : طال ، أمّا من أمثلة الثاني ،" افعوعل" ، اغدودن" ، ومعناه على كلّ حال ، المبالغة و التوكيد نحو :" خشن واخشوشن ، أعشب و اعشوشب .."  [16] .

خاتمة :إنّ المعاني المستفادة من  زيادات الفعل الثلاثي بحرف أو حرفين أو بثلاثة أحرف شاهد على رحابة اللغة العربية القائمة على تحديد هذه المعاني وفق السياق الذي ترد فيه ، بناء على حروف الزيادة في الفعل ، مما يعكس من جهة أخرى شيوع بعض الصيغ في الاستعمال أكثر من صيغ أخرى مما يُولّد اشتهار بعض الصيغ بمعان دون بقية المعاني في الصيغة الواحدة ، كالاشتهار بالطلب و الدعاء في "استفعل" دون بقية المعاني الأخرى ،واختصاص "انفعل" بالمطاوعة ، واقتصار دلالة "افعلّ" على اللون وغيرها ....،  ويمكن تلخيص صيغ الثلاثي المزيد بثلاثة أحرف في الشكل التالي :



[1] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص :194.

[2] عبده الراجحي ، التطبيق الصرفي ، ص :40.

[3] أحمد الحملاوي ، شذا العرف ، ص: 46.

[4] أحمد الحملاوي ،شذا العرف ، ص:46

[5] محمد زرندح ، أسس الدرس الصرفي ، ص: 51,

[6] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص :195.

[7] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص :195.

[8] أحمد الحملاوي ،شذا العرف ، ص : 47

[9] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص : 194 .

[10] ابن يعيش ، شرح المفصل ، ج 6 ، ص: 161

[11] ابن السراج ، الأصول في النحو ، ج 3 ،ص : 43 .

[12] أحمد الحملاوي ، شذا العرف ، ص : 47 .

[13] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص 195 .

[14] ابن يعيش ، شرح المفصل ، ج 6 ، ص: 161.

[15] محمد زرندح ، أسس الدرس الصرفي ، ص : 52 .

[16] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص : 196 .197

Last modified: Friday, 2 June 2023, 9:52 PM