المحاضــرة السابعـة :

معانــي الثلاثـــي المزيــد بحرفيــن :

( تذكير ، صيغ الثلاثي المزيد بحرفين ، معاني الزيادة في صيغة : انفعل ، صيغة :إفتعل ، صيغة : تفاعل ، صيغة : تفعّل ، صيغة : إفعلّ ).

تمهيد : بعد أن عرفنا أن الثلاثي المزيد بحرف تؤدي فيه حروف الزيادة معاني عدة تراوحت بين التعدية ، التكثير ، النسبة ، الإزالة ، الصيرورة .... وغيرها من المعاني أرجعها علماء الصرف إلى طبيعة كل صيغة من صيغ المزيد بحرف ، فحري بنا أن نحدد المعاني التي تأتي بعض الزوائد لتدلّ عليها في الثلاثي المزيد بحرفين .

وبعد أن عرفنا في ما سبق أن الزيادة في الثلاثي المزيد بحرفين تأتي على خمسة أوزان هي : " انفعل   افتعل ، تفاعل ، تفعّل افعلّ " وهي أوزان تراوحت فيها حروف الزيادة بين الهمزة و الألف  والتاء و النون و التضعيف ، فما المعاني المستفادة من وراء كلّ حرف من حروف الزيادة هذه ؟ وما هي جملة الحالات التي اشتهرت بها كلّ صيغة بناء على ورودها في استعمالات الإنسان العربي في فصيح لغته ؟، وما نصيب كلّ صيغة من الاهتمام عند علماء الصرف ؟ .

معاني حروف الزيادة :

1 ـ انفعل : وهو الفعل الذي زيد بالهمزة و النون نحو : انكسر ، انصرف .... وهذا الوزن لا يكون إلاّ لازما مثل انطلق ، فإذا كان الثلاثي المجرد متعديا فزيد فيه الألف و النون صار لازما نحو: كسر ـ متعد ، انكسر ـ لازم ، ليحمل هذا الفعل بحروف الزيادة معنى واحدا هو  "المطاوعة" ، وفائدة المطاوعة و معناها أنّ أثر الفعل يظهر على مفعوله ، فكأنّه استجاب له  لذلك تسمى هذه النون : "نون المطاوعة " نحو: كسرت الشيء فانكسر ، وفتحته فانفتح ، وقدته فانقاد .... [1]، وهو المعنى نفسه  الذي أقرّ به "ابن عصفور " أثناء حديثه عن المطاوعة وهي أن تزيد من الشيء أثرا ما فتبلغه ، ومعنى ذلك أن يفعل ما تريده نحو قولك : أطلقته فانطلق وصرفته فانصرف ، فأنت ترى أنّه هو الذي فعَلَ فِعل الانطلاق و الانصراف بنفسه عند إرادتك إياها منه  أو بعثك إياه عليهما ...[2].

ولعلّ مجيء هذا الفعل مختصا بالمطاوعة يعكس رأي "ابن يعيش" في ذلك إذ يقول :"لا يكون انفعل إلا مطاوعَ فعل نحو : كسّرته فانكسر وحطّمته فانحطم .... [3] ، وفيه يقول "سيبويه" بشأن انفعل: "وربما استغني عن الفعل في هذا الباب فلم يستعمل ، وذلك قولهم : "طردته فذهب ، ولا يقولون طردته فانطرد ؛يعني أنّهم استغنوا عن لفظه بلفظ غيره إذا كان في معناه غير أنّه يقال : صرفته فانصرف ...." [4] ، وفي قوله هذا تأكيد الدلالة على المطاوعة التي اختص بها هذا الوزن إلى درجة يصحّ معها استبدال فعل آخر دال على المطاوعة به , ومن أمثلة ذلك: كسرت الزجاج فانكسر ، فتحت الباب فانفتح ،وقُدتُ الحصان فانقاد ، و جذبت الشيء فانجذب ....[5] .

ملاحظة : سمّى "الحملاوي" أفعال هذه الصيغة بالأفعال العلاجية أو العلاجيات نسبة إلى العلاج و هي الأعمال التي تكون فيها حركة حسية، إذ لا يقال :"علّمته فانعلم ولا فهّمته فانفهم ... [6]  كما تُسمى" الأفعال التأثيرية" :وهي الأفعال التي تدلّ على الحركة المحسوسة و التي تحتاج في حدوثها إلى تحريك عضو من الأعضاء، و يُرى بالنظر ، كالضرب و القطع و السحب و الجذب  والتكسير و التحطيم ، تقابلها أفعال غير علاجية كأفعال الظن و العلم فلا تكون للمطاوعة (ظننته فانظن ، علمته فانعلم ... وهذا غير جائز .

2 ـ افتعل : صيغة الثلاثي المزيد بحرفين ، بالهمزة في أوله و التاء بعد فائه، ويكون فعل هذه الصيغة متعديا كما يكون لازما ، فمن متعديه قولك: ارتجل الخطيب الخطبةَ ، وافتتح المدير الحفلَ  وافترش النائم الأرضَ ، ومثال اللازم منه: ارتبك المتكلّمُ و التأم الجرحُ ، واتّسع الخرقُ ،وهذا ما آثره" ابن عصفور" في الممتع : " أنّ افتعل تكون متعدية وغير متعدية ، فالمتعدية نحو قولك  اكتسب ، اقتلع ، وغير المتعدية نحو افتقر و استقى ... [7]، ولهذه الصيغة من المعاني :

أ ـ الاشتراك : أو المشاركة وقد سماها "الحملاوي" التشارك"[8]، إذ يحمل معنى "افتعل" وجوب أن يشترك طرفان للقيام بالفعل ، ذلك ما أكّده "ابن يعيش"في شرحه ضاربا مثالا لذلك في قوله:"اقتتل زيد وعمر"..[9]، فالقيام بفعل الاقتتال يقتضي وجود طرفين لتحقيق معناه ، ومنه قوله تعالى : " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا..." الحجرات 9 ، لتكون خلاصة القول أنّ الاشتراك يكون بين اثنين فأكثر، إذ نقول : "اختلف الرجل وأخوه ، اقتتل المسلمون  والمشركون ، اشترك محمد و علي ..."[10]

ب ـ المطاوعة : قد عرفنا معنى المطاوعة في صيغة "انفعل" ،كذلك تأتي هذه الصيغة للدلالة على استجابة الفعل للفاعل أو المفعول به ، وبذلك أشار" ابن عصفور" : ويكون بمعنى" انفعل" قابلة لذلك رغم مجيء القليل منها ، نحو : شويتُه فاشتوى وغممتُه فاغتَمّ ...[11] ، كما أقرّ بملاحظة أنّ صيغة "افتعل" لا تأتي إلا" مما كان فَعَلَ منها مُتعديا ، وهي ملاحظة "صاحب الأسس" في أمثلته : عدلته/ فاعتدل ،جمعته/ اجتمع ، رميته /فارتمى ، وصلته /فاتصل ونفيته/ فانتفى ... كما قد يطاوع الفعل الثلاثي المزيد بالهمزة مثل: أنصفته /فانتصف و أسمعته /فاستمع ، وقد يطاوع الثلاثي المضاعف العين مثل : قرّبته/ فاقترب ، سوّيته/ فاستوى ، ملّكته/ فامتلك ...[12] .

ج ـ الاتخاذ : ومعنى الاتخاذ في معنى الفعل هو اتخاذك الشيء أصله ، بمعنى ألاّ يكون ذلك الأصل مصدرا ،وإنّما يكون من باب اتخاذك أصل الشيء لنفسك ، ومثاله قولك في العربية : اشتوى القومُ, أي اتخذوا الشواء لهم ، واختبزوا واطّبخوا واذّبحوا, أي:  اتخذوا خبزا و طبيخا وذبيحة.

ومن أمثلة ذلك : اختدم الرجل،أي: اتّخذ لنفسه خادما ، اختتم زيد ،أي: اتّخذ له ختما يوقّع به رسائله ، وامتطى علي الجواد َ،أي :جعله مطيةً لنفسه .

د ـ المبالغة و التكثير : تأتي صيغة "افتعل" للدلالة على المبالغة و التكثير ، بل الزيادة و الاجتهاد في تحصيل الفعل نحو قولك : "اكتسب" أي تعرّف و اجتهد بنوع من المبالغة و التكثير ...[13]، ومنه اقتدر: أي بالغ في القدرة ، ارتدّ : بالغ في الردّة و الرجوع ،و اجتهد : بالغ في الاجتهاد ، ومنه اجتهد الطالب في تحصيل العلم ،أي : بالغ في تحصيله ،ومنه قوله تعالى : " لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ.... " البقرة 286.

هـ ـ كما تأتي صيغة "افتعل" في بعض استعمالات العربية للدلالة على الإظهار و الإبانة، نحو قولك : اعتذر الرجل،أي :أظهر عذره ، واغتضب الحارس، أي: أظهر الغضب ،واعتظم القائد بمعنى : أظهر العظمة ، و ابتسم الطفل، أي : أظهر الابتسامة .....".[14]

3 ـ تَفَـاعَــلَ : صيغة من صيغ الثلاثي المزيد بحرفين ،زيدت فيها التاء في أوّل الفعل والألف بعد فائه متوسطة الفاء والعين ،وهي إحدى الصيغ التي تأتي أفعالها متعدية وغير متعدية  فالمتعدية نحو قول العرب: "تقاضيته ،تنازعنا الحديث ،تجاوزنا المكان ،وغير المتعدية :تغافل  تعاقل..."[15]، وهي إحدى الصيغ التي تؤدي فيها حروف الزيادة المعاني التالية :

أـ المشاركة : أو التشارك  أو التشريك بين اثنين فأكثر ..،فيكون كلّ واحد منهما فاعلا في اللفظ مفعولا في المعنى ،بخلاف فاعل المتقدّم ،ولذلك إذا كان "فاعَل"متعديا لمفعولين ـ كما عرفنا في التعديةـ صار بهذه الصيغة ناصبا لمفعول واحد فقط ،كما في قولنا :

            جاذب زيد عليًا الثوبَ ــــ تجاذب عليٌ وزيدٌ الثوب َ.

وإن كان متعديا لواحد ، صار بهذه الصيغة لازما ، ومثال ذلك :خاصم زيدٌ عمراً ــ تصبح تخاصم زيدٌ و عمرُ .

ومن أمثلة دلالة صيغة "تفاعل" على المشاركة :" تضارب زيد وبكر ،تجادل عمر وعلي ،ومنه : تسامح ،تخاصم ،تقابل ،تلاكم ، تشابك ،تبارز ....".[16].

ملاحظة : يمكن التفريق بين صيغة "تفاعل " وصيغة "فاعل" وكلاهما يفيد المشاركة ،بأنّ تفاعل وضع لنسبة الفعل إلى المشتركين فيه من غير قصد إلى التعلّق به ، أي أن يكون لمشاركة أمرين فصاعدا في أصله صريحا ،نحو: تقاتلا ،تشاركا ،تمازحا ، أمّا "فاعل"فإنّه وضع لنسبة الفعل إلى المشتركين متعلقا بغيره ، مع أنّ الغير هو الذي فعل ذلك ، أي أنّه يكون لنسبة أصله إلى أحد الأمرين متعلقا بالأخر للمشاركة صريحا ، نحو: قاتلتُه ،لاطفتُه ،شاركتُهُ.....

ـ إذا كان "تفاعل" من "فاعل"المتعدي لمفعول به واحد صار لازما ،ضارب محمد عليا (متعد)،تصبح :تضارب محمد وعلي ، (لازم) .خاصم يوسف خالدا ـ (متعدّ) ،تخاصم يوسف وخالد (لازم) ....

ب ـ التظاهر : وهو المعنى الذي عبّر عنه "ابن عصفور"بـ "الإبهام"، وهو أن يُريك أنّه في حال ليس فيه "[17]،ومعناه الادّعاء بالا تّصاف بالفعل مع انتفائه عنه .."[18]،ويسمى ذلك :تكلّفا وتصنّعا  نحو :تجاهلت الأمر ، أي أظهرت من نفسي التجاهل للأمر دون حقيقته ، ومثال ذلك "تناوم،تكاسل ،تجاهل ،تغابى ،تناعس ..."[19] ، ومعنى ذلك إظهار التكاسل و التجاهل و التغابي  والنعاس ..وهي منفية عنه ،ومنه قول الرسول ـ ص ـ:"لا تتمارضوا فتمرضوا فتموتوا..."أي لا تتظاهروا بالمرض و تتداعوا به وأنتم أصحّاء ، ومنه قول الشاعر :

      ولما تعامى الدهر وهو ابن الورى              عن الرشد في أنحائــه و مقاصده

            تعاميت حتى قيل إني أخو عمى               و لا غرو أن يحذو الفتى حذو والده

ج ـ التـدرج: تأتي صيغة "تفاعل"في العربية للدلالة على وقوع الفعل من الفاعل شيئا فشيئا،نحو قول "عبده الراجحي" تزايد المطر، تواردت الأخبار "[20]،وذلك للدلالة على التزايد شيئا فشيئا تباعا ،وتوالت الأخبار بعضها مع بعض"موالاة"،وقولنا كذلك :تكاثر النحل ،تنامى المال .

د ـ المطـاوعة : تأتي المطاوعة كما عرفنا سابقا للدلالة على تأثير وقبول الفعل والاستجابة له   ففي صيغة تفاعل تأتي المطاوعة للفعل :

ـ فعّل : سواء كانت المطاوعة و الأثر لفعل متعد نحو :

علّمته الرماية (متعدي) ــ فتعلم ــ ها ــ مفعول به .

فهّمته المسألة (متعدي) ــ فتفهم ــ ها ــ مفعول به .

أو لفعل لازم نحو : عدلت الحديد ( متعدي ) ــ فانعدل ــ لازم .

                     ثنيـت الحديـد (متعدي) ــ فانثنى ــ لازم .

ـ فاعَل : تأتي تفاعل مطاوعة لفاعل نحو قولك : باعدت بين الخيل ــ فتباعدت ــ لازم . واليت الشيء ــ فتوالى ــــ لازم ، تابعته ـــ فتتابع ــ لازم .

4 ـ تَفَـعَّــلَ :هي الصيغة الرابعة من صيغ الفعل الثلاثي المزيد بحرفين ، تزاد فيه التاء في أوله وتُضعَّف عين فعله ، وتكون هي الأخرى من أفعال متعدية وغير متعدية ،فالمتعدية [21] نحو : تلقّفته وكما في قوله تعالى: " " كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ " البقرة 275 ، ( الهاء مفعول به مقدم ،وجوبا والشيطان فاعل مؤخر ) ، وهذا الوزن " تفعّل " يتشكلّ من الوزن فعّل بزيادة التاء في أوّله ، لذلك تشعّبت المعاني الخاصة بهذه الصيغة الصرفية في أفعالها ، فمن بين معانيها :

أ ـ المطاوعة : عرفت أنّ المطاوعة هي أن تريد من الشيء أمرا ما فتبلغه كما مرّ بنا سابقا   لذلك تأتي صيغة تفعّل مطاوعة لـ "فعّل"[22] نحو قولك : " كسّرته فتكسّر وقطّعته فتقطّع ، ومثال ذلك: أدبته فتأدّب ، علّمته فتعلّم ، نبّهته فتنبّه ، هذّبته فتهذّب ... "[23] .

ملاحظة :في الصيغ السابقة تظهر مطاوعة صيغة "تفعّل" للفعل فعّل لإرادة أمر ما إلّا أنّ هناك فرقا جوهريا يمكن احتسابه في معنى الفعلين ؛ أنّ الاشتراك بينهما يكمن في الدلالة على المبالغة   والتكثير  ويحتاجان إلى مزيد وقت لإظهار الفعل غير أنّ هناك فرقا بينهما؛ إذ تدل فعّل مثل "كسّر" على فاعل معلوم ، أمّا "تكسّر" فلا يكون التركيز على الفاعل بقدر ما يكون التركيز على سرعته و استجابته للتكسير ،و التي تعكس المطاوعة من جهة ،و التكثير من جهة أخرى .

ب ـ الاتخاذ: يكون الاتخاذ في صيغة "تفعَّل" في هذه الدلالة مطاوعا للفعل "فعّل" ولا يأتي إلاّ متعديا  والاتخاذ يقصد به اتخاذ فاعل الفعل و جعله مفعولَ أصل الفعل ،كقول "عبده الراجحي"    " تسنَّمَ فلان المجد ،أي اتخذه سناما  ، وتوسَّدَ ذراعه أي : اتخذها وسادة..." [24] ، ومنه :تردّى الثوب :أي اتخذه رداء ، وفيه يقول " الحملاوي " في وصف الفقير :" توسّد الغبراء وتلحَّفَ السماء ،أي جعل الأرضَ وسادَته ، والسماءَ لحافَه.... "[25].

ج ـ التكلّف :لا يقصد بالتكلف في صيغة "تفعّل" ما عرفناه من معنى التكلف في صيغة "تفاعل" بل التكلّف في "تفعّل" هو الرغبة في حصول الفعل للفاعل مع الاجتهاد في سبيل ذلك ، وكثيرا ما قالت العرب هذه الصيغة في الصفات الحميدة :كالصبر و الشجاعة و الحلم ، فإذا أراد الرجل أن يدخل نفسه في الشجعان و الحُلماء قيل :تشجّع ، تحلّم [26]"، ومنه تجلّد وتكرّم ،وبذلك لا يكون من الصفات المكروهة كالجهل و القبح و البخل .

ملاحظة :  الفرق بين "تفاعل و تفعّل" في معنى التظاهر هو الادّعاء و التكلّف ،أنّ "تفعّل"في نحو قول العرب : " تعلّم و تعظّم " يتكلف فيه الفاعل أصل الفعل ، ويريد حصول الفعل فيه حقيقة  ولا يقصد إظهار ذلك إيهاما على غيره أنّ ذلك فيه ، أمّا في "تفاعل" فإنّ "تفاعل" لا يريد ذلك حقيقة ،ولا يقصد حصوله له ،بل يُوهم الناسَ أنّ ذلك فيه لغرض له يريد الوصول إليه .

د ـ التدرّج : يُفهم من هذه الصيغة معنى آخر يدلّ على وقوع الفعل شيئا فشيئا ، في مهلة تعكس استجابة مطاوعته لحصول الفعل ، وذلك ما عبّر عنه " ابن عصفور " في قوله : " أخذ جزء بعد جزء ، نحو قولك تنّقصته و تجرّعته و تحسّيته ، أي أخذت منه الشيء بعد الشيء "[27]  لذلك نقول : "جرّعتك الماء فتجرّعتَه ،أي تابعتَ شربه مرة بعد أخرى ، وحسّيتُه المرق فتحسّاه أي شربَه شيئا بعد شيء ، و حفّظتُه العلم فتحفّظه ،أي حفظه مسألة بعد أخرى" [28] .

ملاحظة : في معنى التدرّج ، تعكس هذه الصيغة حصول الفعل شيئا فشيئا في صورة مطاوعة لصيغتين متقابلتين : فعّل ــ تفعّل ، على نحو : جرّع ، تجرّع ، علّم ، تعلّم ، وعلى نحو :

حسّى ، جرّع ، حفّظ ـــ فعّل ــ تطاوع ــ تفعّل ـــ تحسّى ، تجرّع ، تحفّظ.

5 ـ اِفْـعَــلَّ : وهي الصيغة الأخيرة للمزيد بحرفين ، وهي ، مع صيغة افعالَّ ـ كما سيأتي لاحقا ـ صيغتان تدلاّن على القوّة في الألوان غالبا نحو :إحمرّ البلح ، واخضرّ العشب و اسودّ العنب؛ بمعنى اشتدّ احمراره و خضرته وسواده ، كما تأتي هذه الصيغة للدلالة على العيب الحسي الملازم للمخلوق نحو : اعورّ الرجل ، اعرجّ الطفل بمعنى اشتد عوره وعرجه ، اعمشّ ، احولّ  احدبّ وغيرها ، كما أنّ هذا الوزن لا يكون إلا لازما [29].

خلاصة :

ـ يأتي المزيد بحرفين في لغة العرب على خمسة أوزان هي انفعل ، افعل ، تفاعل ، تفعّل ، افتعل .

ـ تأتي هذه الصيغ بحروف زائدة في أولها أو في وسطها أو بين فائها و عينها ،و بالتضعيف.

ـ تتعدد المعاني المستفادة من حروف الزيادة فيها من صيغة لأخرى ، بقدر ما تنفرد صيغة انفعل بمعنى واحد فقط هو "المطاوعة" .

ـ تأتي هذه الصيغ في الثلاثي المزيد بحرفين من أفعال حددها الصرفيون مرة تكون لازمة فقط كصيغة "افعل" ومرة مزيجا بين التعدي و اللزوم .

ـ تشترك بعض صيغ المزيد بحرفين في المعاني كالمطاوعة مثلا بين الصيغ الأربعة فتقول : قاد الراعي الجمال فانقادت ، ( انفعل ) ، جمع بينها فاجتمعت ( افتعل ) ، باعد بينها فتباعدت ( تفاعل ) ، علم ابنه ركوبها فتعلّم ( تفعّل ) .

ـ تشترك بعض الصيغ في معنى واحد لكن بصورتين مختلفتين ، كالتكلف في صيغتي : تفاعل ، تفعّل فيكون في تفاعل سلبيا ( تناوم ، تمارض )بينما يكون في تفعّل ايجابيا (تصبر ، تشجع)  .

ـ تختص صيغة "افعلّ" بمعنى واحد هو الدلالة على المبالغة في اللون أو العيب ،نحو قوله تعالى :" َ"يوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ  " آل عمران . 106 من الفعلين :ابيضّ ، اسودّ..

صيغ الثلاثي المزيد بحرفين

انفعل

تفاعل

افتعل

افعلّ

تفعّل

والشكل يلخص صيغ الثلاثي المزيد بحرفين:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

[1] عبده الراجحي , التطبيق الصرفي ص : 37 .

[2] ابن عصفور الممتع في التصريف  ص : 190 .

[3] ابن يعيش شرح المفصل ج 6 ،ص: 159 .  

[4]  يراجع ابن قتيبة أدب الكاتب ، تحقيق محمد الدالي ،مؤسسة الرسالة ،بيروت، 1982 ص: 463 .

[5] محمد زرندح ، أسس الدرس الصرفي ،ص: 48 .

[6] أحمد الحملاوي , شذا العرف  ، ص: 44 .

[7] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ص 129 .

[8] أحمد الحملاوي ، شذا العرف ، ص:45.

[9]  ابن يعيش ، شرح المفصل ، مرجع سابق ، ص:160 .

[10] محمد زرندح أسس الدرس الصرفي ص: 84

[11]ابن عصفور ، الممتع في التصريف ص: 192.

[12] محمد زرندح، أسس الدرس الصرفي ص: 84.

[13] ابن عصفور ، الممتع , ص: 194 .

[14] ابن يعيش ، شرح المفصل, ص: 160

[15] ابن عصفور ، الممتع ، ص:138.

[16] محمد زرندح ، أسس الدرس الصرفي ، ص: 50 .

[17] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص: 182.

 [18]  عبده الراجحي ،التطبيق الصرفي  ، ص :39.

[19]  ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص: 182.

[20] عبده الراجحي ،التطبيق الصرفي  ، ص :39.

[21] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ـ ص: 183  .

[22] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص : 183 .

[23] محمد زرندح ، أسس الدرس الصرفي ، ص : 49 .

[24] عبده الراجحي ، التطبيق الصرفي ، ص : 40 .

[25] أحمد الحملاوي ، شذا العرف ، ص : 45 .

[26] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ، ص  : 184 .

[27] ابن عصفور ، الممتع في التصريف ،ص: 184 .

[28] محمد زرندح ، أسس الدرس الصرفي ، ص : 50 .

[29] المرجع نفسه ،ص: 49 .

Modifié le: Friday 2 June 2023, 21:41