المحاضرة الثانية: القلب المكاني في الكلمة العربية

وزن الكلمات التي فيها إعلال :

  إنّ التغيير الذي يحدث في حروف العلة الذي يسميه الصرفيون" الإعلالّ ،والذي عرَّفوه: "بأنّه تغيير في حروف العلة تغييرا معينا قد يكون بقلبه إلى حرف آخر أو بحذف حركته أي تسكينه أو بحذفه كلّه ، أي أنّ الإعلال يكون بالقلب أو بالتسكين أو الحذف ، ومعنى ذلك أنه محصور في حروف العلّة التي حدّدتها العرب بالألف و الواو و الياء ..."[1].

والذي يهمنا أنّ الحرف الذي يحدث فيه تغيير بالإعلال يوزن حسب أصله فمثلا كلمة قال : لا توزن قال ،إنما توزن على وزن "فعل" لأنّ أصلها "َقوَلَ" ، من مضارعها "يقول" ، ويكون هذا الإعلال بقلب حرف العلة إلى حرف علة آخر،نحو: قال وباع ، دعا ورمى ، مصفاة ..فأصل هذه الكلمات على التوالي : قوَل ، بيَع ، دَعَوَ ،رَمِيَ ، مِصْفَوَة... لأنّها من صفا يصفو , ويسمى هذا النوع من الإعلال إعلال بالقلب ( قلب حرف العلة حرفا آخر ) على نحو الأمثلة السالفة .

أمّا النوع الثاني من أنواع الإعلال في الوزن فيسمى : الإعلال بالنقل : فإذا جاء في الكلمة حرف علّة متحركٌ مسبوقٌ بحرف ساكن صحيح وجب أن تنقل حركة حرف العلة إلى الحرف الساكن الصحيح قبله ، مع بقاء المعتل إن جانس الحركة ك: ( يقول ، يبيع ) أصلهما : يقْوُلُ على وزن يفْعُلُ ك "ينْصُر" ، ويَبْيِعُ على وزن يَفْعِلُ كالفعل يَضْرِبُ ، ومعنى ذلك أنّه قد تُعلّ الكلمة بنقل حرف العلة إلى الحرف الصحيح الساكن قبله ومثال ذلك :

ـ يقول ، يصوم ، ـ يقْوُل ، يصْوُمُ ـ على وزن يفْعُل بضم العين.

ـ يبيع ، يصير ـ يبْيِعُ ، يَصْيِر بكسر العين على وزن يفْعِلُ ، ومعنى ذلك أنّه يقع في الكلمة نقل في الميزان فتصبح "يقُول" على وزن "يَفْعَل" ،هذا معناه أنّ أصلها "يقْوُل" فحدث لها نقل حركة الواو وهي الضمة إلى الساكن الصحيح قبلها وهو القاف فصارت "يَقْوُل "وهكذا الإعلال بالنقل.

وزن الكلمات التي فيها قلب مكاني :

   كثيرا ما يمثل القلب المكانيّ في العربية ظاهرة لغوية واضحة لا يمكن إنكارها ، إذ يمكن ملاحظتها في لغة الأطفال عند نطقهم ألفاظا يسمعونها، فيقلبون بعض حروفها مكان بعضها الآخر ، ونلحظها أيضا في لغة العامة ( بعض العوام ) [2], وأوضح مثال عليها كلمة "مسرح" التي تنطق كثيرا "مرسح" وكلمة "شمس" التي تنطق "سمش ".

 والقلب المكاني هو تقديم حرف مكان آخر من أحرف الكلمة أو تأخيرها عنه، فلو طبقنا ذلك على مادة "فَعَلَ" فإنّها تصير بالقلب المكاني : "فَلَعَ" تقديم اللام على العين ،" لَفَعَ" تقديم اللام على الفاء و العين ، "عَفَلَ" تأخير الفاء على العين ،"عَلَفَ" تقديم العين و اللام على الفاء ،"لَعَفَ" تقديم اللام على العين واللام و العين على الفاء ...."[3].

 ومن الكلمات التي وقع فيها قلب مكاني مسرح ـ مرسح ، عنجة ـ مقلوب نعجة ، أنارب ـ مقلوب أرانب،  فعند الوزن توزن الكلمة بناءٍ على ترتيب حروفها في الكلمة الأصلية نحو:

    ـ مسرح ـ مَفْعَل ــ  مَرْسَح ـ مَعْفَل . أرانب ـ فَلَاعِلْ ــ  أَنَارِبْ ـ فَعَالِل .

    ـ نعجة ـ فَعْلَة ـــ  عَنْجَة ـ عَفْلَة . عُرْبُون ـ فُعْلُول ــ  رُعْبُون ـ عُفْلُول . 

ـ ولمعرفة القلب المكاني الحاصل في الكلمة أكّد الصرفيون على وجوب الرجوع إلى المصدر من جهة، والخوف والاحتراز من وجود مشتقات لأحدى الكلمتين وعدم وجودها للكلمة الأخرى    ومثال ذلك الفعل : "ناء ، يناء" أي بعُد ، فليس لهذا الفعل مصدر ولا اسم فاعل أو مفعول، أمّا الفعل" نأى" مضارعه "ينأى" فإنّ مصدره"النأي" واسم الفاعل منه : النائي ، واسم المفعول منئي به أو عنه ،لذلك قال الصرفيون :"إنّ ناء الممدود مقلوب نأى ،وعليه يكون وزن ناء :( فَلَعَ) .

ـ كلمة "جاه" فيها قلب مكاني لورود كلمات مشتقة من نفس مادتها ،مثل "وجه ووجاهة" ووجهة", وهي دليل على أنّ جاه" مقلوب وجه ، فإذا كان وزن (وجه) هو (فَعْل)ِ فإن وزن جاه هو (عَفْلُ)، لأنّنا قدمنا العين وهي الجيم على الفاء وهي حرف العلة...." [4].

ـ ومما استدل به الصرفيون على وجود هذه الظاهرة أن يكون في الكلمة حرف علّة تستحق الإعلال بالقلب أو النقل، ومع هذا يبقى هذا الحرف صحيحا أي دون إعلال، فيكون ذلك دليلا على حدوث قلب في الكلمة ،فمثلا الفعل" أيس" فيه حرف علة هو الياء ،وهو متحرك بكسرة وقبله فتحة ،وحرف العلة إذا تحرك وانفتح ما قبله قلب ألفا وعلى ذلك ينبغي أن يكون الفعل" آس" ، أما وقد  بقي على" أيس"، هذا دليل على أنّ الياء ليس مكانها وإنّما في مكان آخر فالمصدر هو "اليأس" ، عرفنا أنّ الفعل مقلوب عن (يئس) وليس( أيس).... [5] ، فوزن أيس هو َ(عِفَل) لأنّ الهمزة وهي العين قد تقدّمت على الفاء وهي الياء .

ـ من أدلتهم على القلب المكاني أن يترتب عن عدم القلب منع من الصرف بغير سبب ، وذلك نحو كلمة " أشياء " فقد وردت ممنوعة من الصرف في قوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ "المائدة 101 . فلو لم يقولوا أنّ في أشياء قلبًا مكانيًا للزم منع وزن أفعل من الصرف ، والمعروف أن هذا الوزن غير ممنوع من الصرف كما في قوله تعالى :" أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " البقرة ،31 ،لذلك قرّر الصرفيون أنّ كلمة أشياء ليست على وزن "أفعال" إنما هي على وزن "  لفعاء " واستدلوا على ذلك بالرجوع إلى المفرد وهو شيء فجمعوه على وزن "شيئاء"بوزن فعلاء ،وهو مقلوب أشياء، و"فعلاء" ممنوعة من الصرف [6]. لنخلص في نهاية المحاضرة ككل إلى :

ـ التصريف في اللغة معناه التغيير و التحويل ، وهو في الكلمات العربية يهتم بتغيير البنية التركيبية التي تصيب الأسماء العربية في صورة من صور الاشتقاق كما في كتب ، كاتب ، مكتوب ،مكتبة.

ـ يختص ميدان علم الصرف بدراسة المعرب من الأسماء و المتصرف من الأفعال ،ولا يولي اهتماما للحروف بجميع أنواعها كالعطف و الجر وغيرها .

ـ اتّفق الصرفيون على وضع ميزان صرفي لمعرفة أحوال بنية الكلمة سمّوه" الميزان الصرفي"  وظيفته إظهار الصورة المجردة للكلمة ،أي جذرها الأصلي وما لحق هذه الصورة من حركات وسكنات ،وما زيد عليها وما نقص منها أو لحقه تغيير ،وذلك من خلال مجموعة ملامح في الدراسة الصرفية أبرزها

أ ـ الميزان الصرفي وتعامله مع الكلمات الأصول ( الثلاثية ).

ب ـ الميزان الصرفي وتعامله مع الكلمات المزيدة وتحديد طبيعة أحرف الزيادة فيها أصلية وغير أصلية

ج ـ طبيعة الكلمة بناء على زيادتها وصيغها عند الإبدال خاصة من "تاء الافتعال" .

د ـ حدوث حذف في الكلمة وحذف ما يقابله في الميزان .

ه ـ حدوث القلب المكاني في الموزون بناء ًعلى الترتيب الأصلي لحروف المقلوب قبل القلب .

 



[1]  المرجع نفسه ص 150 .

[2] عبد الراجحي التطبيق الصرفي ص 14

[3] محمد زرندح ، أسس الدرس الصرفي في العربية  ، ص: 23 .

[4] محمد زرندح ، أسس الدرس الصرفي، ص: 23 .

[5] عبده الراجحي ، التطبيق الصرفي، ص: 15 .

[6] محمد زرندح أسس الدرس الصرفي في العربية ص 26 .

آخر تعديل: Thursday، 1 June 2023، 11:19 AM