تمهيد:

        يعد مسرح العرائس (الدمى) من أهم التقنيات الدرامية التي يمكن اللجوء إليها للاستعانة بها في إخراج العروض المسرحية الموجهة إلى الأطفال الصغار، وتحبيك مشاهدها الدرامية، و تأزيم أحداثها بطريقة حركية ديناميكية. و هذا المسرح قريب جدا من اهتمامات الأطفال من الناحية الذهنية والوجدانية والحسية الحركية، مادام يرد في أوضاع درامية متنوعة تجمع بين الجمال والقبح، والجد والهزل.

تعريف مسرح الدمى والعرائس:

    هو نوع من المسرحيات يعتمد على التمثيل ويختلف عن العروض المسرحية التي يؤديها الممثلون كون الممثل فيه يكون خلف الكواليس ويحرك دمية، ويعتمد الدمى كأبطال للعرض والتي تكون ذات أشكال مختلفة إما في شكل آدمي أو حيوان أو نبات يجسد من خلالها المؤدي أو المحرك الفكرة التي يريد بثها للجمهور  . و هو أيضا مسرح مكشوف يعرض قصصه في الهواء الطلق، أما الممثلون فشخص واحد أو أكثر وقد يصلون إلى خمسة، وهم على شكل دمى محركة بواسطة أيدي اللاعبين من تحت المنصة أو بواسطة الخيوط، وأتّخذ مسرح الدمى عدة مصطلحات و مفاهيم مترادفة أو شبه مترادفة، منها: مسرح الدمى، ومسرح الماريونيت، ومسرح الكراكوز، ومسرح الأراجوز، ومسرح قره قوز(*)،...انتشر هذا الفن في بلدان مختلفة من العالم واتخذ لنفسه تسميات عديدة كالآتي: في فرنسا يدعى غينيول "  giniol"  و في إيطاليا بوقاتيو"  bougation " و في ألمانيا كاسبرل" Kaspril".

أنواع مسرح العرائس:

    يمكن تقسيم هذا النوع من العروض إلى ثلاثة أنواع، انطلاقا من الوسيلة المستعمـلة في تـحريك

    هذه الدُّمى:

 

1-العرائس المُحَرَّكة بعصاMarionnette a tiges:: وفيها يتم تثبيت الدمية على عصا أو تحرّك أفقيًا

بواسطة قضبان حديدية أو خشبية.

2- العرائس القفازية:Marionnette a gaine: وتكون عن طريق إدخال أصابع اليد والكف بداخل الدّمية ومن ثمّ تحريكها.      

3- عرائس الخيوط Marionnette a fil:: وهي عبارة عن دمى مفصّلة تُحَرَّكُ بواسطة أسلاك أو خيوط، يجذب اللاعبون أطرافها من أعلى الخشبة.

والـملاحظ أنّ هذه الأنواع الثلاثة ليست لها القدرة على الوجود أو الحركة بعيدًا عن إرادة محرّكها، فهي تعكس عبثية الحياة التي نعيشها دون تقديم صورة حقيقية لحياة الإنسان.

تاريخ مسرح الدمى والعرائس:

     عرِف مسرح العرائس منذ القديم لدى الشعوب والأمم وأندرج ضمن ممارساتها الثقافية منذ القديم فاصطبغ بخصائصها وحمل قِّيَمها. مرّ بمراحل تطوّر كثيرة من العهود القديمة حتى العصر الحديث مرورا بالعصور الوسطى،. ويجعل له بعضُهم أصولا دينية عندما استعملته الكنيسة لتعليم الأطفال طقوس الدين، ويعطيه آخرون أصولا أرستقراطية، وآخرون أصولا شعبية فيلحقونه بعادات وتقاليد.

      و يشير الدارسون إلى أنها الفن  "ظهر قديما عند المصريين القدامى (الفراعنة)، فالدمى المحفوظة في "اللوفر" بباريس توحي مفاصلها وطريقتها في القبض على العصا، بأنّ مسرح العرائس يرجع إلى حضارة مصر القديمة، إذ كان لصغار المصريين ألعابهم المتحرّكة "، كما وجد عند الصينيين، واليابانيين (مسرح بونراكو)، وبلاد ما بين النهرين وتركيا، غير أن اليابانيين تفننوا فيه حتى أصبح مسرح العرائس إحدى أدوات التعليم والتلقين، فهم من الأوائل الذين أتقنوا هذا النوع من المسرح.

الدمى في المسرح الحديث:

       اعتبارا من نهاية ق 19 م شكل مسرح الدمى أحد مصادر الإلهام لتجديد المسرح ، و قد اعتبر

 منظرو المسرح أنّ الدمية هي النموذج المثالي للممثل لأن أداءها يكسر الأعراف الإيهامية، فقد بلور

الإنجليزي "غوردون كريغ " (G – Crig ) (1872 – 1966) نظرية كاملة حول الممثل الذي اعتبره نوعا من الدمية الخارقة. كما أنّ الروسي )فسيفولود ميير هولد ((V- Meyerhold(1874 – 1940) وجد في نموذج الممثل الدمية وسيلة لتطوير المسرح باتجاه عرض يقوم على الشرطية، و نوع أداء يقوم على الأسلبة، أما في فرنسا فكان هذا النوع مصدر إلهام للكتاب حيث استوحى (ألفريد جاري(  A- Jarry)) ( 1873 -1907) شخصية أوبو من الدمى في مسرحيته " أوبو ملكا"، و انطلق البلجيكي   ( موريس ميتر لينك) (M – Ma eterlinek) (1862 – 1949) في نصوصه المسرحية من فكرة استبدال الممثل بدمية، و في ألمانيا اعتبر دعاة حركة " الباوهاوس" الدمية  على الخشبة بدلا من الممثل  وسيلة للتوصل إلى شكل مسرحي يقوم على الآلية و التجريد.

و في أمريكا تعتبر فرقة " خبز و دمى" من التجارب الهامة في استخدام الدمى بشكل معاصر، تقوم هذه التجربة على صنع دمى عملاقة و دمى نصفية و أقنعة تمثل دمى يرتديها الممثلون. يقدم أعضاء الفرقة عروضهم في الهواء الطلق و غالبا ما تأخذ شكل مواكب تطوف الشوارع.

و استخدام الدمى العملاقة في فرقة " البريد أند بابيت" يهدف إلى مفاجأة العابرين في الشارع   و لفت انتباههم و التأثير عليهم و دفعهم لأن يعوا المشاكل التي تحيط بحياتهم اليومية، و قد تزامن تقديم هذه العروض مع فترة حرب فيتنام، فهذه العروض تطرح المشكلة و تستحثّ ردّة فعل مباشرة من المتفرجين و بذلك يكون لها نوع من التنبيه و التوعية، و قد عُدت هذه العروض من أشكال المسرح التحريضي.

مسرح الدمى في العالم العربي

      ظهر مسرح العرائس في منطقة الشرق الأوسط والبلاد العربية متأخّرا مقارنة بظهوره عند الأمم والشعوب الأخرى. و يُحدّد بعضُ الدارسين ظهورَه بالقرن الرابع عشر الميلادي، ويرجعُه آخرون إلى ما قبل ذلك، ويرى آخرون أنّه لم يُعرف فيها إلاّ بعد سقوط الأندلس، أي في نهاية القرن الخامس عشر. ومهما كان تاريخُ ظهوره الحقيقي فقد تطوّر منذ من ذلك الحين إلى يومنا هذا في كلّ قطر بدرجة تقلّ أو تكبر بحسب ظروفه وبحسب ما يلقى من الاهتمام والإقبال إنتاجا وتلقيا.

و في عام 1957 تأسست فرق رسمية لعروض الدمى للأطفال في مصر ثم في سوريا، وتمت الاستعانة

بخبرات أجنبية لصنع الدمى و تقديم عروضها، و ذلك ضمن التوجه الرسمي نحو العناية بمسرح الأطفال.

خصائص مسرح الدمى

- يجمع هذا الفن بين العديد من الفنون الأخرى من تأليف وإخراج و إضاءة و مؤثرات صوتية ...

- هو شكل من أشكال العروض، تقوم الدُّمى فيه بالأدوار بدلاً من الممثلين الحقيقيين.

- يعتبر طريقة تربوية هادفة تعنى بالوسائل السمعية والبصرية والحركية، لأنّ الدمية وسيلة جدُّ هامة للتواصل مع الطفل من خلال انجذابه إليها وتحريض خياله، ومع ذلك هناك العديد من مسارح الدمى المخصصة لجمهور من الكبار.

- مسرح العرائس فنٌّ مشهدي ثري يُمكّن صاحبَه من استعمال وتجريب أشكال تعبيرية متعدّدة.

- يمتاز مسرح العرائس في بعض أنواعه عن المسرح التقليدي بأنه لا يشترط مبنى المسرح وخشبته ضرورة لعروضه . بل تجري هذه العروض حيثما اتفق  عليه، في الساحات والحدائق العامّة وفي البيوت والمقاهي والقاعات المدرسية والأسواق وغيرها. لذا فهو مسرح متنقّل، وذلك لخفّة متاعه أحيانا وسهولة الانتقال به من مكان إلى آخر.

وظائف مسرح الدمى والعرائس:

      لمسرح العرائس (الدمى) وظائف عديدة تتمثل في الوظائف التربوية و التعليمية و الاجتماعية والنفسية والتثقيفية علاوة على وظائف التسلية و الترفيه و الإمتاع. كما يعد وسيلة لتعليم الصّغار الأخلاق الحسنة والفضائل وشرح القيم النبيلة، والتوعية الدينية والوطنية والمدنية، وزرع الروح الوطنية وحبِّ الوطن في نفوسهم. وتقديم المعلومات الضرورية في كل مجالات المعرفة على ألسنة الشخصيات و تقوية ثقافتهم العامّة وتنمية مداركهم، كما أنّه بإمكانه تنمية الحسِّ الجمالي والفنّي للصغار،        و تعليمهم اللغة وممارستها بمستوياتها المتعدّدة عبر حوار الشخصيات والألفاظ المستعمَلة فيه، فضلا عن توجيههم لاكتساب الخبرات و المهارات.

   إن مسرح العرائس يلبي رغبات الطفل الشعورية واللاشعورية، ويحقق له توازنا نفسيا من خلال تخليصه من مكبوتاته الدفينة والمترسبة في عالمه وجدانيا وعضويا، كما يحرره من قيود الذات المنكمشة، ومن ضغوطات الأسرة والشارع والمدرسة والمجتمع على حد سواء عبر ممارسة اللعب والـمشاركة  في الفرجة الدرامية التي تقدم له بطريقة كوميدية فنية وجمالية تقوم على الإضحاك والتسلية والترفيه.

وهو إضافة إلى صفته التعليمية التربوية الخاصّة بالصّغار، ترفيهي وإمتاعي أيضا للكبار. قد يكون دعائيا لفكرة أو سلعة، أو نقدا اجتماعيا، أو سياسيا ذا طابع هزلي كاريكاتوري يتطلّب هذا النوع جرأة وبراعة ومهارة فنية ومقدرة على الابتكار والإبداع وإمكانيات تصمّمُ فيه عرائس تعبيرية دقيقة تمثِّل نجوم المـجتمع في كلّ المـجالات بملامـحها المميزة وتُقلّد عندَ العرض طريقة كلامها وعاداتها اللفظية وحركاتها المعروفة عنها.



(*) - الكراكيز أو قره قوز كلمة  تركية الأصل " مؤلفة من لفظتين: قره، ومعناها أسود، وقوز ومعناها عين، فالمعنى الكامل(العين السوداء)، وسمي بذلك أن الغجر السود العيون هم الذين يؤدونه، أو لأنه ينظر إلى الحياة بعين سوداء أو من خلال منظار أسود، لأن القره قوز يقوم على الشكوى من الحياة ومحنها و مفاجآتها وتقلب أحوالها ونقدها. وزعم المستشرق (ليتمان) أن لفظة قره قوز تحريف لاسم (قرقوش) الذي كان وزيرا في عصر الأيوبيين وقد اشتهر بالظلم إن حقا وإن باطلا."( جميل حمداوي. مسرح الدمى والعرائس  https://www.diwanalarab.com   30/09/2022 ســـا 15:00)

Modifié le: vendredi 18 avril 2025, 16:27