:قراءة في حملة نابليون بونابرت 

 

قراءة في حملة نابليون بونابرت :

الإشكالية :

حملة نابليون على مصر حدث تاريخي أثر  على التاريخ العربي الحديث،كيف تقرأ هذا التأثير؟ وماهي انعكاساته على الأدب العربي ؟

توطئة :اختلف الدارسون حسب أدونيس في تحديد نهاية عصر الانحطاط أو العصور المظلمة الإسلامية،وبداية  العصر الحديث،لذا قرر قائلا:«سبقت ما سُمّي بـ "عصر النهضة " فترة سُميت بالفترة المظلمة.وتبدأ منذ سقوط بغداد في غزو هولاكو سنة 1258،كما يتفق الجميع لكنهم يختلفون حول تاريخ نهايتها:

أ‌-      تنتهي سنة 1798 (دخول نابليون مصر).

ب‌-  تنتهي في أواخر القرن التاسع عشر.

ج‌-   تنتهي بإعلان الدستور العثماني سنة   1908 

        د- تنتهي بانتهاء الحرب العالمية الأولى 1914  

استمرت هذه الفترة ،إذن، حوالي خمسة قرون ونصف القرن على أقل تقدير،وحوالي ستة قرون ونصف ونصف القرن في أكثر تقدير.»[1]

وإذا سلمنا أنّ أغلب الدارسين،يذهبون أنّ حملة نابليون بونابرت هي تاريخ بداية العصر الحديث (Moderne)،فإنّ نهايته تحدد ببداية العصر المعاصر (Contemporainوالذي يقدر من لحظتنا الراهنة نزولا في الزمن وعودة إلى الوراء بمقدار 33 عاما،أو ما يعرف باسم الجيل،وقد يمتد حتى خمسين سنة،وبعبارة أخرى الزمن  المعاصر يمتد من الآن حتى السبعينيات من القرن المنصرم،ويمكن أن يتقدم العصر الحديث دوما،ليأخذ من مساحة المعاصر،فما هو معاصر لنا قد يُصبح في زمن تال حديث وهكذا .

سنحاول في الجدول التالي قراءة حملة نابليون بونبارت على مصر كحدث تاريخي،له انعكاساته،على مختلف المجالات،ومنها المجال الثقافي،ولاسيما الأدبي والنقدي.

التصور الكلاسيكي: حملة تثقيفية حضارية

التصور الحديث: حملة عسكرية استعمارية

تصور شوقي ضيف :نقدّم تصوره ومن يجري في فلكه من الباحثين :

أعلن عباس محمود العقاد كغيره من النقاد والمؤرخين عن ارتباط التأريخ للعصر الحديث بحملة نابليون بونبارت فقال:

«يبدأ عصر النهضة في الأدب العربي الحديث منذ الصدمة الأولى التي شعر بها العالم العربي على إثر الحملة الفرنسية التي قادها نابليون الأوّل إلى وادي النيل قبيل نهاية القرن الثامن عشر ،واصطحب فيها طائفة من العلماء والباحثين المنقبين،ومعهم مطبعتهم وأزوادهم من كتب المراجع ومصنفات العلم الحديث.»[1]

يا ترى عم ينقب هؤلاء الفرنسيين في أرض مصر؟

هل هذه المراجع التي حملها بعض علمائهم لينشروها بين المصريين،أم ليتعرفوا على المصريين،ليحكموا السيطرة عليهم،ويعرفوا كيف يحكمونهم ؟؟؟

ويتابعه مواطنه شوقي ضيف،حين يقول:«ولفتت الحملة المصريين إلى ما أصاب الغربيون من تقدّم في العلم،فإنّ نابليون استقدم معه طائفة من العلماء البارعيين المتخصصين في مختلف العلوم التاريخية والطبيعية والرياضة،ولم يلبث حين نزل مصر أن أسس المجمع العلمي المصري على غرار المجمع العلمي الفرنسي وانبعث العلماء الذين جاءوا معه يدرسون مصر من جميع أطرافها .(...) وأنشأ نابليون بجانب هذا المجمع العلمي معامل ومكتبة ومطبعة،وكانت المعامل تُعنى بالبحث العلمي التجريبي.»[1]

من خلال نصّ شوقي ضيف يظهر  التصور الإيجابي لحملة نابليون بونبارت ،فهي حملة قدّمت

 المجمع العلمي والمكتبة والمطبعة،وكلّ عناصر التنوير العلمي والحضاري.

ويندرج أحمد حسن الزيات صاحب تاريخ الأدب العربي في هذه الزمرة،التي ترجع فضل نهضة مصر  لنابليون

حين يقول:«غزا نابليون مصر سنة 1798،وليس من شأننا أن نعرض لهذه الغزوة إلاّ من جهتها الأدبية .فإنّ الجماعة العلمية التي صحبت هذا القائد العظيم لم تصدها القلاقل والحرب،عن غرس بذور الحضارة في مصر ،فأنشأوا مدرستين وجريدتين ،ومسرحا للتمثيل ومجمعا علميا،ومكتبة ومطبعة ومعامل كيميائية ومراصد فلكية،وسهلوا للناس النظر إليها،والوقوف عليها،فكان صنيع هذه الجماعة أشبه بالقبس الوضّاء،سطع في ذلك الغيهب الذي احلولك في سماء مصر فبدده »[1]

إنّ القارئ لهذا النصّ يلحظ أنّ صاحبه استهله بفعل الغزو،وما أدراك ما غزا؟فكيف نتوقع من غاز خيرا؟؟ .ونلاحظ ذلك الانبهار الذي يسلب لبّ المغلوب الذي تحدث عنه ابن خلدون،كيف لمعتد يغزو البلد هو عظيم،وكيف لمؤرخ الآداب أن يصف معارك المقاومة للمحتل بأنّها مجرد قلاقل واضطرابات .

ولا ينكر عاقل ما للصحف والجرائد من دور في نشر الأخبار والمعارف وإذاعتها،ويعقب هذا الفعل من تنوير

تصور محمد عمارة :نقدّم تصوره ومن يدعم رأيه من الباحثين .

لعل من الثابت التاريخي أنّ الفرنسيين ونابليون على وجه الخصوص في حملتهم،أحضروا معهم المكتبة والمطبعة والعلماء والديوان ...إلخ،لكن السؤال ما قيمة ما أحضره نابليون؟وهل قصدبه تنوير مصر وتحضيرها ؟

في هذه الأطروحة نجمع الحجج والشواهد التي تنفي الأطروحة الأولى

«كانت مصر إذن تعرف المكتبات وكانت بها مكتبات عامة،ومكتبات خاصة غير المكتبة(...)ولكن الدعاية الكبيرة للحملة جعلت المؤرخين ينسون في دوامتها هذه المكتبات ولا  يذكرون إلاّ المكتبة التي أنشأتها الحملة.»[1]

وما نقل المطبعة إلى فرنسا إلاّ دليل على أنّ المطبعة أداة من الأدوات الاستعمارية،فقد أكد محمد عمارة إلى أنّ بونبارت أحضر معه مطبعة البروباجندا من إيطاليا ليستغلها في نشر بيانات مزيفة ومضللة للشعب المصري،ثمّ أخذها معه لما فرّ قافلا إلى فرنسا[2] .«فقد زعم الفرنسيون وزعم من ورائهم العالم أنّ السبب الذي دعاهم إلى إحضار مطابعهم إلى مصر إنّما هو الرغبة في كشف مصر علميا وطبع مؤلفات عنها،وهذا محض اختلاق،فالحملة كانت من أساسها عمل حربي.»[3]

والرأي ذاته كان قد ذهب إليه جورجي زيدان حين ميّز بين "جريدة التنبيه" العسكرية المرافقة لحملة نابليون وبين جريدة الوقائع-علما أنّه من أنصار تنويرية نابليون - قال :«الجريدة العسكرية لنشر الأوامر الرسمية سمّوها "التنبيه"،فهي بهذا المعنى أوّل جريدة عربية رسمية لكنها عسكرية ،أمّا أوّل جريدة رسمية عربية عامة فهي الوقائع المصرية»[4]

ولدحض أنّ الحملة الفرنسية حملت أدوات ثقافية تنويرية كالمسرح،فقد ذكر الباحثون شهادات بوثائق تُفند هذا الزعم :«أمّا المسرح فكان بالفرنسية،وقد عرفته مص الفرعونية،على أنّ الرحالة الدانمركي"كارستين نيبر" يذكر أنّ شاهد حوالي سنة 1780مسرحية مصرية تُمثل باللّغة العربية .ومعنى هذا أنّ مصر تكون قد عرفت المسرح قبل مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر،بل قبل قيام الثورة الفرنسية.»[1]

ولننتقل إلى إنشاء الديوان الاستشاري وإشراك المصريين،كمظهر من مظاهر الديمقراطية،وممارسة الحكم بواسطة الشعب

 ف«هل يتصور عاقل أو يظن أو حتى يتوهم أنّه يكون (المقصود نابليون)قد ألغى الدواوين والمجالس الاستشارية في فرنسا لينشئها في بلد احتله؟إنّ هذا منطق غير معقول وغير مقبول وغير صحيح،لكنها خدعة انطلت على أذهاننا كثيرا وعششت في عقولنا،ورددها مؤرخونا في شيء من السذاجة حينا وعدم التبصر حينا آخر،وعدم الإمعان في أكثر الأحايين. »[1]

ومن ثمة ندرك أنّ الديوان أو مجلس الاستشاري

هو  مجرد غلالة صورية،تخفي حقائق الديكتاتورية والحكم المطلق،ذر للرماد في العيون

 وهذا ما أكده غير واحد من الباحثين فالديوان هو مصدر جس نبض المصريين إذ «كان نابليون يهدف إلى التعرف على وجهة نظر  أعضاء الديوان من بعض الأمور التي تهم الحكم الفرنسي كنظام الضرائب مثلا وبذلك يعاونه الديوان في حك مصر .فلم تكن لذلك الديوان سلطة البت في الأمور  بل كانت وظيفته استشارية بحتة وكان يعمل تحت إشراف الفرنسيين وإرشاداتهم.أمّا قراراته فكانت أشبه برغبات تُعرض على الفرنسيين الذين كانت لهم الكلمة الأخيرة . »[1]

ومعلوم أنّ الوظيفة الاستشارية لأي هيئة كانت،آراؤها غير ملزمة،ووجهة نظرها لا تؤخذ بعين الاعتبار بالنسبة لصاحب الاختصاص الأصيل،ناهيك عن غياب الاستقلال والسيادة في القرارات،فهو مجلس صوري ذو تبعية نابولينية .وعلاوة  من هذا فهذا المجلس غير تمثيلي بالنظر لنسبة السكان إذ يقول محمد عمارة :«وفي ديوان المشورة الذي أقامه "بونبارت"جعل لهذه الأقليات غير المسلمة ،والتي لاتتعدى نسبتها العددية لمجموع السكان 5 % نصف عضوية الديوان العام والخاص ؛خمسة من علماء الأزهر،وإثنان من التجار المسلمين،وسبعة من الأقليات النصرانية،وعندما يُضاف إليهم الأعضاء الفرنسيون يصبح المسلمون أقلية ضئيلة العدد والتأثير في هذا الديوان.» [5]

ف«لا نزاع في أنّ الصحافة العربية قد كانت من أقوى عوامل هذه النهضة بما أثارته من الحركة الفكرية ونقلت من أخبار  الغرب الناهض إلى أهل الشرق النائم وقد كان بحسب معلوماتي،وربّما أكون مخطئا في بعضها أوّل جريدة عربية صدرت في الشرق جريدة الوقائع المصرية بعهد محمد علي.»[6] ومن ثمة فالجرائد التنويرية هي التي أقامها الرجل الثاني الذي خلف نابليون،وهو محمد علي باشا،وليست جرائد نابليون ذاتها.

 

حملة عسكرية استعمارية :بالمدفع والبارود.وفي هذا يقول منذر معاليقي:«إنّها حملة استعمارية،كسائر الحملات والغزوات العسكرية التي عرفتها المنطقة العربية في القرون الوسطى.»[1] وهذا أكبر دليل أنّها لم تأت للتنوير وإنّما لتحقيق مكاسب مادية استعمارية .

قتل 1/7 الشعب المصري في ظرف 3 سنوات .

«حكاية وقائع الاحتلال العسكري الفرنسي لأرض مصر ...والذي قام الفرنسيون –لتحقيقه – بقتل ثلث مليون مصري.»[7]

العمل على تأسيس وطن قومي لليهود.هي حكاية أخرى ،نسج خيوطها بونبارت حين حصاره لمدينة عكا[8]،وما لهذه المدينة من قداسة في النفوس حتى قيل من مكة إلى عكا .

 

 

 



[1] أحمد حسن الزيات،تاريخ الأدب العربي للمدارس الثانوية والعليا،دار نهضة مصر(مصر)،دط،دت،ص. 415،416

   [2

[3] أبو الفتوح رضوان،تاريخ مطبعة بولاق،ولمحة في تاريخ الطباعة في بلدان الشرق الأوسط،كتب مقدّمة الكتاب محمد شفيق غربال،المطبعة الأميرية،دب،1953،ص.17

[4]  جورجي زيدان،تاريخ آداب اللغة العربية،مؤسسة هنداوي(مصر)،2013 ،ص.1180

[5] محمد عمارة ،الحملة الفرنسية في الميزان،في التنوير الإسلامي،نهضة مصر،ط1،1998 ،ص.15

[6] شكيب أرسلان،النهضة العربية في العصر الحاضر،مؤسسة هنداوي(مصر)،دط،2017، ص.13

[7] محمد عمارة،المرجع السابق،ص.13

[8]  المرجع نفسه.ص.22


[1]  أدونيس،الثابت والمتحول،بحث في الإبداع والإتباع عند العرب،صدمة الحداثة وسلطة الموروث الشعري،دار الساقي ،دط،دت،ج4،ص.47

Modifié le: Sunday 7 November 2021, 22:40