على الرغم من انتقاد شومسكي لما توصل إليه النحول التقليدي والنحوي الوصفي، فإنه استفاد منهما إلى الحد الأقصى، فالنحو التقليدي في تصوره يعطي تصورا أكثر عمقا للغة، كما يمكن من معرفة طريقة انتظامها واشتغالها، بل لقد صرح بأن نظرية القواعد التوليدية التحويلية في تطورها الحالي ـ حينئذ ـ ما هي إلا نسخة محدثة ومعدلة من نظرية بول رويال، وهذا الموقف منه مناقض لموقفه من السلوكية التي أدارت ظهرها للعقل وللأبعاد السيكولوجية التي تقبع وراء الاستدام اللغوي، وقبل ذلك وراء الاكتساب، كما كان له موقف أقل حدة حيال البنيوية التي يراها توقفت عند الشكل ولم تحاول فهم ما يجري وراء البنية من معنى، ولم تكلف نفسها البحث عن القواعد اللغوية الكلية التي تمكن من إنتاج الجمل غير المحدودة، والخلاف الجوهري بين شومسكي والوصفيين هو انتصاره الكامل للعقل متأثرا بأفلاطون وديكارت وهمبولت، في حين ينطلق هؤلاء من تأثرهم بنزعة لوك وهيوم التجريبية.

مفهوم التوليد:

 يعكس التوليد الخاصية الإبداعية في اللغة الإنسانية، أي مقدرة الفرد السوي على إنتاج وفهم ما لا حصر له من الجمل، وعليه فالنحو التوليدي يجب أن يولد كل الجمل في اللغة المعينة.

وتختلف القواعد التوليدية عن نظيرتها التقليدية والبنيوية في أنها أولا تتجاوز الجمل التي أأنتجت فعلا إلى المحتملات التركيبية، وثانيا أنها دقيقة فلا مجال للشك ولا اجتهاد للمستعمل اللغوي، بل ببيان كل الجملة الممكنة في ذاتها دون خلل كما يرى شومسكي. وهي في ذلك تنطلق من مفهوم التوليد الذي يتقصد الكليات في شمولها، وهي نزعة تعود إلى رواد مدرسة بول رويال 1660، مع خلاف بسيط بينهما هو أن تشومسكي عمم مفهوم الكليات ليشمل كل اللغات الإسنانية الطبيعية.

مفهوم التحويل: التحويل هو جملة الإجراءات التي تتوسط البنيتين العميقة والسطحية، وقد يكون التحويل عملية نقل واحدة أو أكثر.

وقد ميز في هذا الصدد بين (الجملة النواة) و(الجملة المحولة) بأن الأولى تكون بسيطة وتامة وصريحة وإيجابية ومبنية للمعلوم، وأن الثانية ما غابت فيها خاصية من تلك الخواص أو أكثر.

اللغة بين دوسوسير وشومسكي:

   إذا كان دوسوسير قد حدد اللغة بأنها نظام من العلامات، وبراغ حددتها بأنها نظام من الواظائف، فإن شومسكي عد اللغة مجموعة متناهية أو غير متناهية من الجمل، وكل جملة عبارة عن ائتلاف متناه من العناصر. وقد ارتد شومسكي بثلاثية دوسوسير (اللغة، اللسان، الكلام) إلى ثنائية (الكفاءة والأداء)، على أن الكفاءة في منتهاها هي إسقاط للغة على اللسان.

نماذج التحليل النحوي في النظرية التوليدية التحويلية:

1ـ نموذج القواعد المحدودة الحالات:

     وهو أبسط النماذج وقد شبهه شومسكي بالآلة التي تتضمن عددا من الحالات الداخلية المحدودة، بحيث يكون لها مدخلا أو حالة أولية تكون عليها العناصر عند إدخالها، ومخرجا أو حالة أخيرة نهائية تكون عليها العناصر عند ائتلافها، وإذا افترضنا أن النحو يتكون من عدد محدودو من القواعد المحدودة تعمل على عدد محدود من المفردات، فإنه يجب أن تكون بعض تلك القواعد تكرارية، أي قابلة للتطبيق أكثر من مرة، ونظير هذا قاعدة الصفات، وقاعدة الصلة التي يمكن أن يمتد بها التركيب بشكل لا نهائي له تبعاته على المستوى الدلالي.

2 ـ نموذج القواعد المركبية:

    وهو النموذج الثاني من نماذج النحو التوليدي، ويتميز بكونه يستطيع أن يولد ما لا يمكن لنموذج الحالات المحدودة أن ينتجه، وهذه القواعد شبيهة بطريقة التحليل إلى المكونات المباشرة، غير أن شومسكي أضفى عليها الطابع الرياضي والمنطقي الرمزي، وكما قال جو ليونز، فإن مفهوم البنية المركبية شبيه مفهوم الأقواس في الرياضيات أو المنطق الرمزي، نحو أسبقية الجمع على الضرب في نموذج س+(ع.ص)، وتساوي النماذج المركبية التي يتأخر فيها الجمع: س.ع + ص= (س.ع) + ص، واختلاف ذلك عند دخول الأقواس: س(ع+ص)لا تساوي (س.ع)+ص.

ونظرا لهذا الطابع المعقد الذي تنطبع به القواعد المركبية فقد فضل عليها القواعد التحويلية لبساطتها، هذه الخاصية التي ترتبط بمفهوم التجريد وتتماشى مع نموذج الكلي.    

مراحل النظرية التوليدية التحويلية:

  أ ـ النظرية النموذجية: لقد طور شومسكي في كتابه (مظاهر النظرية التركيبية1965) مفاهيم أساسية ستعتمد عليها النظرية مثل مفاهيم الكفاءة/ الأداء، البنية العميقة/ البنية السطحية، المقبولية.. كما أدرج فيها المكون المعجمي في المكون الأساسي، وأضاف للصندوق أو الهيكل التمثيلي الكلي للآلة اللغوية مكونا جديدا سماه المكون الدلالي بعد الانتقادات التي وجهت له من قبل بعض أنصار النظرية مثل كاتز وبوستيل سنة 1963.

ب ـ النظرية النموذجية الموسعة: بعد تجريب اللسانيين للنظرية النموذجية في صورتها الولية 1965، اتضح لهم أنها لا يمكن أن تولد كل التراكيب بطريقة سهلة سلسة، اضطر شومسكي إلى مراجعتها، وتحديدا في مكونها الدلالي، وسماها النظرية النموذجية الموسعة، وقد استهدف في دراسته للدلالة تأسيس نظرية معجمية تأويلية؛ بالتركيز على دور ومكانة البنية العتيقة شيئا فشيئا، وبناء على أن التراكيب التي تشكلت نيات تحتية مماثلة في الدلالة التوليدية تظهر في الواقع اختلافات تركيبية تركيبية معتبرة، يرفض شومسكي الدعوات التي رأت الاهتمام بالبنية التركيبية إلى درجة تجعلها غير متميزة عن المستوى الدلالي.   

 

آخر تعديل: Thursday، 20 May 2021، 3:46 PM