يعود الفضل في تأسيسها إلى اللغوي الإنجليزي جون فيرث (1890ـ 1960)، الذي بدأ حياته بدراسية التاريخ وتعلم بعض اللغات الشرقية عندما استقر في الهند التي تأثر فيها بالمدرسة الهندية خاصة في مجال علم الأصوات، وعليه فقد رأى بأن أي نظرية لسانية في دراسة اللغة لا يمكن أن يكون إلا بمعرفة مفصلة بالصوتيات الحديثة.

  ـ نادى فيرث بمبدأ الأحدية (monism)، انطلاقا من اعتقاده بتعذر تطبيق مبدأ الثنائيات الذي لطالما اتكأ عليه دو سوسير، فهو لم يجزئ الإنسان إلى جسم/ عقل، وفكر/ كلام، وإنما نظر إليه باعتباره وحدة كلية تتنزل تصرفاته في سياق اجتماعي تكتسب من خلاله دلالاتها.

 ـ إذا كان دو سوسير ينظر إلى اللغة على أنها نظام مغلق من العلامات، فإن فيرث اعتبارها نشاطا إنساني يكتسب حقيقته من سياقه الاجتماعي.

ـ لقد كان اتساع رقعة الإمبراطورية البريطانية والحاجة لدراسة لغات الشعوب الشرقية دافعا أساسيا لنشوء الدراسات اللسانية في بريطانيا.

++ أهم مكونات الفكر اللساني عند فيرث:

1 ـ المكون الاجتماعي: يعود اهتمام فيرث بالمكون الاجتماعي للغة إلى تأثره بالأنثروبولوجيا، وهو اهتمام ترتد بداياته إلى ثلاثينيات القرن العشرين، وتلخصه مقولته: "إن اللغة ينبغي أن تدرس بوصفها جزءا من المسار الاجتماعي أي كشكل من أشكال الحياة الإنسانية وليس كمجموعة من العلامات الاعتباطية

2 ـ الإجراء التحليلي: يرى فيرث أن التحليل اللغوي يقوم على مجموعتين من العلاقات:

    أ ـ العلاقات الداخلية الشكلية: وتتضمن : العلاقات التوليفية/ العلاقات الاستبدالية

   ب ـ العلاقات الموقفية: وتتضمن نوعين من العلاقات:

    ـ جميع العلاقات التي يمكن أن توجد ضمن سياق الموقف.

    ـ العلاقات التي تربط أجزاء النص والموقف، أي هي علاقات تجمع بين المظاهر اللفظية غير اللفظية، وعليه فالمعاني الناتجة هي مزيج بين المعاني الشكلية للمفردات والمعاني التي تكتسبها داخل المواقف.

وهو في كل ذلك يبدأ بتحليل المادة الصوتية مقطعية وغير مقطعية المسماة (وحدات) ثم الكلمات (terms) والأقسام (classes) وبنى وأنظمة.

وهو يميز بين البنى والعناصر المؤلفة من ناحية، وبين الأنظمة والحدات المنظمة بعلاقات استبدالية تزود العناصر بالقيم من ناحية أخرى.

++ ميز بين البنية والنظام، فالأولى تدل على العلاقات القائمة أفقيا بين العناصر، والثاني يدل على العلاقات القائمة عموديا على المحور الاستبدالي.

++ تأثر فيرث بزميله الأنثروبولوجي (مالينوفسكي)، وقال بأن الدلالة علم قائم بذاته، وهي المهمة الأساسية الأولى للسانيات الوصفية. واللغة من ثم ضرب من النشاط وليس أداة للتفكر، أي أنها تؤدي وظيفتها التواصلية ضمن نشاط عام متعارف عليه يتضمنه الموقف، وعليه فلا معنى للكلمة إلا في استعمالها، وهو ما تختصره المقولة الشائعة في هذا الباب "ليس للكلمة معان بل لها استعمالات".        

Last modified: Tuesday, 18 May 2021, 11:33 PM