نص المحاضرة الرابعة
الهدف الخاص من المحور الرابع
أن يتعرف على تطبيقات منهج سيبويه في المحاور الثلاثة على باب التصغير
الأهداف الإجرائية
- أن يتعرف على طريقة التشابه في الخصائص في باب التصغير
- أن يتعرف على خاصية التمثيل في باب التصغير
- أن يتعرف على آليات تعليم الصرف من خلال باب التصغير
- أن يتعرف على أبواب التصغير في الثلاثي والرباعي والخماسي والمرخم والمركب
التصغير
اختصار حقيقة التصغير:
اعلم أن التصغير إنما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة: على: فعيل، وفعيعل، وفعيعيل.
فأما فعيل:
فلما كان عدة حروفه ثلاثة أحرف وهو أدنى التصغير، لا يكون مصغر على أقل من فعيل، وذلك نحو: "قبيس"، و"جميل"، و"جبيل"، وكذلك جميع ما كان على ثلاثة أحرف.
وأما فعيعل:
فلما كان على أربعة أحرف وهو المثال الثاني، وذلك نحو: "جعيفر" "ومطيرف"، وقولك في "سبطر" "سبيطر"، و"غلام" "غليم"، و"علبط" "عليبط"، فإذا كانت العدة أربعة أحرف صار التصغير على مثال "فعيعل"، تحركن جمع أو لم يتحركن، اختلفت حركاتهن أو لم تختلف، كما صار كل بناء عدة حروفه ثلاثة على مثال "فعيل"، تحركن جمع أو لم يتحركن، اختلفت حركاتهن أو لم تختلف.
وأما فعيعيل:
فلكل ما كان على خمسة أحرف وكان الرابع منه واوا أو ألفا أو ياء، وذلك قولك في مصباح مصيبيح، وفي قنديل قنيديل، وفي كردوس كريديس[1]، وفي قربوس[2] قريبيس، وفي حمصيص[3] حميصيص، لا تبالي كثرة الحركات ولا قلتها ولا اختلافها.
التشابه والاختلاف بين التصغير والتكسير في الرباعي والخماسي[4]
الفروق في الرباعي:
اعلم أن تصغير ما كان على أربعة أحرف إنما يجيء على حال مكسره، للجمع في التحرك والسكون، ويكون ثالثه حرف اللين كما أنك إذا كسرته للجمع كان ثالثه حرف اللين، إلا أن ثالث الجمع ألف وثالث التصغير ياء، وأول التصغير مضموم وأول الجمع مفتوح.
الفروق في الخماسي:
وكذلك تصغير ما كان على خمسة أحرف يكون في مثل حاله لو كسرته للجمع، ويكون خامسه ياء قبلها حرف مكسور، كما يكون ذلك لو كسرته للجمع ويكون ثالثه حرف لين كما يكون ثالثه في الجمع حرف لين غير أن ثالثه في الجمع ألف، وثالثه في التصغير ياء، وأوله في الجمع مفتوح، وأوله في التصغير مضموم.
العلة في تشابه التكسير والتصغير:
وإنما فعل ذلك؛ لأنك تكسر الاسم في التحقير كما تكسره في الجمع، فأرادوا أن يفرقوا بين علم التصغير والجمع.
أولا: أحكام تصغير الثلاثي[5]:
أ- الثلاثي الذي فيه علامة تأنيث زائدة
هذا باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته الزيادة للتأنيث فصارت عدته مع الزيادة أربعة أحرف، وذلك نحو: حبلى، وبشرى، وأخرى، تقول: حبيلى، وبشيرى، وأخيرى.
تعليل التصغير في الثلاثي المزيد بألف تأنيث[6]:
وذلك أن هذه الألف لما كانت ألف تأنيث، لم يكسروا الحرف بعد ياء التصغير، وجعلوها ههنا بمنزلة الهاء التي تجيء للتأنيث، وذلك قولك في طلحة: طليحة، وفي سلمة سليمة، وإنما كانت هاء التأنيث بهذه المنزلة لأنها تضم إلى الاسم كما يضم موت إلى حضرموت وبك إلى بعل.[7]
ب- الثلاثي الذي فيه ألف زائدة لغير تأنيث[8]
وإن جاءت هذه الألف لغير التأنيث كسرت الحرف الذي بعد ياء التصغير، وصارت ياء، وجرت هذه الألف في التحقير مجرى ألف "مرمى"؛ لأنه كنون "رعشن"، وهو قوله في "معزى" "معيز" كما ترى، وفي "أرطى" "أريط" كما ترى، وفيمن قال "علقى" "عليق" كما ترى.
ت- الثلاثي الذي فيه همزة تأنيث زائدة بعد ألف
هذا باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث بعد ألف فصار مع الألفين خمسة أحرف
اعلم أن تحقير ذلك كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث، لا تكسر الحرف الذي بعد ياء التصغير، ولا تغير "الألفان" عن حالهما قبل التصغير؛ لأنهما بمنزلة "الهاء" وذلك قولك: "حميراء"، و"صفيراء"، وفي "طرفاء" "طريفاء"[9].
تشبيه الألف بعدها همزة بالألف بعدها نون
وكذلك "فعلان" الذي له "فعلى" عندهم؛ لأن هذه النون لما كانت بعد ألف، وكانت بدلا من ألف التأنيث حين أرادوا المذكر، صار بمنزلة الهاء التي في "حمراء" لأنها بدل من الألف؛ ألا تراهم أجروا على هذه النون ما كانوا يجرون على الألف كما كان يجرى على الهمزة ما كان يجرى على التي هي بدل منها.
واعلم أن كل شيء كان آخره كآخر "فعلان" الذي له "فعلى" وكانت عدة حروفه كعدة حروف "فعلان" الذي له "فعلى" توالت فيه ثلاث حركات أو لم يتوالين اختلفت حركاته أو لم يختلفن، ولم تكسره للجمع حتى يصير على مثال "مفاعيل" فإن تحقيره كتحقير "فعلان" الذي له "فعلى".[10]
تعليل تشبيه الألف بعدها همزة بالألف بعدها نون
وإنما صيروه مثله حيث كان آخره نونا بعد ألف كما أن آخر "فعلان" الذي له "فعلى" نون بعد ألف، وكان ذلك زائدا كما كان آخر "فعلان" الذي له "فعلى" زائدا، ولم يكسر على مثال "مفاعيل" كما لم يكسر "فعلان" الذي له "فعلى" على ذلك، فشبهوا ذا بـ(فعلان) الذي له "فعلى" كما شبهوا "الألف" بـ "الهاء"[11].
تصغير الممدود غير المؤنث بإرجاع المد إلى أصله
واعلم أن كل ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته زائدتان فكان ممدودا منصرفا، فإن تحقيره كتحقير الممدود الذي هو بعدة حروفه مما فيه الهمزة بدلا من ياء من نفس الحرف.
وإنما صار كذلك لأن همزته بدل من "ياء" بمنزلة "الياء" التي من نفس الحرف، وذلك نحو: "علباء" و"حرباء"، وتقول: "عليبي" و"حريبي"، كما تقول في "سقاء": "سقيقيّ"، وفي "مقلاء" "مقيلي".
استطراد[12]:
وإذا كانت الياء التي هذه الهمزة بدل منها ظاهرة، حقرت ذلك الاسم كما تحقر الاسم الذي ظهرت فيه ياء من نفس الحرف مما هو بعدة حروفه، وذلك "درحاية"، فتقول: "دريحية" كما تقول: "سقاية" "سقيقية"، وإنما صار هذا كهذا لأن زوائده لم تجئ للتأنيث.
أمثلة "فعلاء" المنصرفة والممنوعة من الصرف
1- واعلم أن من قال: "غوغاء"، فجعلها بمنزلة "قضقاض" وصرف، قال: "غويغيّ". ومن لم يصرف وأنث، فإنها عنده بمنزلة "عوراء" يقول: "غويغاء" كما يقول: "عويراء".
ومن قال "قوباء"، فصرف، قال: "قويبى"، كما تقول: "عليبي". ومن قال: هذه "قوَباء"[13] فأنث ولم يصرف، قال: "قويباء" كما قال: "حميراء"؛ لأن تحقير ما لحقته ألفا التأنيث وكان على ثلاثة أحرف وتوالت فيه ثلاث حركات أو لم يتوالين اختلفت حركاته أو لم يختلفن على مثال: "فعيلاء".
ث- تصغير الثلاثي الذي فيه همزة وصل
هذا باب ما تحذف منه الزوائد من بنات الثلاثة مما أوائله الألفات الموصولات، وذلك قولك في: "استضراب": "تضيريب"، حذفت الألف الموصولة؛
سبب حذف "همزة الوصل والسين" دون "همزة الوصل والتاء"
لأن ما يليها من بعدها لا بد من تحريكه، فحذفت لأنهم قد علموا أنها في حال استغناء عنها، وحذفت السين كما كنت حاذفها لو كسرته للجمع حتى يصير على مثال "مفاعيل"، وصارت "السين" أولى بالحذف حيث لم يجدوا بدا من حذف أحدهما؛ لأنك إذا أردت أن يكون تكسيره وتحقيره على ما في كلام العرب نحو "التجفاف" و"التبيان"، وكان ذلك أحسن من أن يجيئوا به على ما ليس من كلامهم ألا ترى أنه ليس في الكلام "سِفْعَال".
المثال 1 وتحليله
وإذا صغرت "الافتقار"، حذفت الألف لتحرك ما يليها، ولا تحذف التاء؛ لأن الزائدة إذا كانت ثانية في بنات الثلاثة، وكان الاسم في عدة حروفه خمسة أحرف رابعهن حرف اللين لم يحذف منه شيء في تكسيره للجمع، لأنه يجيء على مثال "مفاعيل"، ولا في تصغيره، وذلك قولك في "ديباج": "ديابيج"، و"البياطير" و"البياطرة" جمع "بيطار"، صارت الهاء عوضا من الياء. فإذا حذفت الألف الموصولة بقيت خمسة أحرف الثاني منها حرف زائد، والرابع حرف لين، فكل اسم كان كذا لم تحذف منه شيئا في جمع ولا تصغير، فـ"التاء" في "افتقار" إذا حذفت الألف بمنزلة "الياء" في "ديباج"، لأنك لو كسرته للجمع بعد حذف الألف لكان على مثال "مفاعيل" تقول: "فُتَيْقِيرٌ".
المثال 2 وتحليله
وإذا حقرت "انطلاق" قلت: "نُطَيْليقٌ"، تحذف الألف لتحرك ما يليها، وتدع النون؛ لأن الزيادة إذا كانت أولا في بنات الثلاثة، وكانت على خمسة أحرف، وكان رابعه حرف لين لم تحذف منه شيئا في تكسيركه[14] للجمع؛ لأنه يجيء على مثال "مفاعيل" ولا في التصغير، وذلك نحو: تِجْفاف وتَجَافيفَ، ويَربُوعٍ ويَرابيعَ، فـ(النون) في "انطلاق" بعد حذف الألف كـ(التاء) في "تِجفَاف".
المثال 3 وتحليله
وإذا حقرت (احمرار) قلت: "حميرير"، لأنك إذا حذفت الألف كأنك تصغر "حمرار"، فإنما هو حينئذ كـ(الشّملال)، ولا تحذف من "الشّملال" كما لا تحذف منه في الجمع.
المثال 4 وتحليله
ج- تصغير الثلاثي الذي فيه حرفان زائدان
هذا باب تحقير ما كان من الثلاثة فيه زائدتان تكون فيه بالخيار في حذف إحداهما تحذف أيهما شئت، وذلك نحو: "قلنسوة"، إن شئت قلت: "قليسية"، وإن شئت قلت: "قلينسة"، كما فعلوا ذلك حين كسروه للجمع، فقال بعضهم: "قلانس"، وقال بعضهم: "قلاس"، وهذا قول الخليل رحمه الله.
المثال الأول وتحليله
وكذلك "حبنطى"، إن شئت حذفت النون فقلت: "حبيط"، وإن شئت حذفت الألف فقلت: "حبينط"؛ وذلك لأنهما زائدتان ألحقتا الثلاثة ببناء الخمسة، وكلاهما بمنزلة ما هو من نفس الحرف، فليس واحدة الحذف ألزم لها منه للأخرى، فإنما "حبنطى" وأشباهه بمنزلة "قلنسوة".
المثال الثاني وتحليله
ومما لا يكون الحذف ألزم لإحدى زائدتيه منه للأخرى "حبارى"، إن شئت قلت: "حبيرى" كما ترى، وإن شئت قلت: "حبيّر".
التعليل:
وذلك لأن الزائدتين لم يجيئا لتلحقا الثلاثة بالخمسة، وإنما الألف الآخرة ألف تأنيث، والأولى كواو "عجوز" فلا بد من حذف إحداهما؛ لأنك لو كسرته للجمع لم يكن لك بدّ من حذف إحداهما كما فعلت ذلك بـ "قلنسوة"، فصار مالم تجئ زائدتاه لتلحقا الثلاثة بالخمسة بمنزلة ما جاءت زيادتاه لتلحقا الثلاثة بالخمسة؛ لأنهما مستويتان في أنهما لم يجيئا ليلحقا شيئا بشيء كما أن الزيادتين اللتين في (حبنطى) مستويتان في أنهما ألحقتا الثلاثة بالخمسة.
رأي أبي عمرو:
وأما أبو عمرو فكان يقول: (حبيّرة)، ويجعل الهاء بدلا من الألف التي كانت علامة للتأنيث إذ لم تصل إلى أن تثبت.
نشاط موضعي:
في ضوء قول سيبويه[15]: فإذا وصلوا إلى أن يكون التحقير صحيحا بحذف زائدة لم يجاوزا حذفها إلى ما لو حذفوه لم يستغنوا به كراهية أن يخلوا بالاسم إذا وصلوا إلى أن لا يحذفوا إلا واحدا....
قم بتحليل المثال الرابع والخامس والسادس والسابع التي تحتوي على الكلمات: "علانية" و"ثمانية" و"عفارية"، و"مهارى" و"صحارى" اسما لرجل، و"عفرناة" و"عفرنى"، و"عرضنى"، و"قبائل" اسما لرجل، و"لغّيزى".
ح- تصغير الثلاثي المزيد والذي تثبت زيادته في التصغير
هذا باب تحقير ما ثبتت زيادته من بنات الثلاثة في التحقير، وذلك نحو: "تجفاف" و"إصليت"، و"يربوع"، فتقول: "تجيفيف"، و"أصيليت"، و"يريبيع"، لأنك لو كسرتها للجمع ثبتت هذه الزوائد.
تحليل الأمثلة
تحليل المثال الأول:
ومثل ذلك "عفريت"، و"ملكوت"، تقول: "عفيريت"؛ لأنك تقول: "عفاريت"، و"مليكيت"؛ لأنك تقول: "ملاكيت".
تحليل المثال الثاني:
وكذلك "رعشن"؛ لأنك تقول: "رعاشن"[16]
تحليل المثال الثالث:
ومثل ذلك "سنبتة"؛ لأنك تقول: "سنابت"، يدلك على زيادتها أنك تقول: "سنبة"، كما تقول: "عفر"، فيدلك على "عفريت" أن تاءه زائدة.
تحليل المثال الرابع:
وكذلك "قرنوة" تقول: "قرينية"، لأنك لو كسرت "قرنوة" لقلت: "قران"، كما تقول في "ترقوة": "تراق".[17]
تحليل المثال الخامس:
وكذلك إذا حقرت "بردرايا"، أو "حولايا"، قلت: "بريدر" و"بريدير"، و"حويلي"، لأن هذه ياء ليست حرف تأنيث، وإنما هي كـ"ياء" درحاية"، فكأنك إذا حذفت ألفا إنما تحقر "قوباء"، و"غوغاء" فيمن صَرَف.
التصغير بالرد إلى الأصل المحذوف[18]
أ- التصغير بالرد إلى الأصل الثلاثي في الثنائي
هذا باب تحقير بنات الحرفين:
اعلم أن كل اسم كان على حرفين فحقرته رددته إلى أصله حتى يصير على مثال "فعيل"، فتحقير ما كان على حرفين كتحقير لو لم يذهب منه شيء، وكان على ثلاثة. فلو لم تردده لخرج على مثال التحقير، وصار على أقل من مثال (فعيل).
ب- التصغير بالرد إلى الأصل فيما حذفت فاؤه
هذا باب ما ذهبت منه الفاء نحو: "عدة"، و"زنة"؛ لأنهما من "وعدت" و"وزنت"، فإنما ذهبت "الواو" وهي "فاء" (فعلت). فإذا حقرت قلت: "وزينة" و"وعيدة"، وكذلك "شية"، تقول: "وشية"، لأنها من: "وشيت"، وإن شئت قلت: "أعيدة" و"أزينة" و"أشية"، لأن كل واو تكون مضمومة يجوز لك همزها.
ومما ذهبت فاؤه، وكان على حرفين: "كل" و"خذ"، فإذا سميت رجلا بـ "كل" و"خذ"، قلت: "أكيل"، و"أخيذ"؛ لأنهما من "أكلت" و"أخذت"، فالألف "فاء" (فعلت).
ت- التصغير بالرد إلى الأصل فيما حذفت عينه
هذا باب ما ذهبت عينه، فمن ذلك: "مذ"؛ يدلك على أن العين ذهبت منه قولهم: "منذ"، فإن حقرته قلت: "منيذ".
تحليل المثال الأول:
ومن ذلك أيضا: "سل"؛ لأنه من "سألت"، فإن حقرته قلت: "سؤيل"، ومن لم يهمز قال: "سويل"؛ لأن من لم يهمز يجعلها من الواو بمنزلة "خاف" "يخاف"[19].
أخبرني يونس أن الذي لا يهمز يقول: "سلته"، فأنا "أسال"، وهو "مسول" إذا أراد "مفعولا".
تحليل المثال الثاني:
ومثل ذلك أيضا "سه"، تقول: "ستيهة"، فالتاء هي العين؛ يدلك على ذلك قولهم في "است": "ستيهة"، فرددت اللام وهي الهاء، والتاء العين بمنزلة نون "ابن"، يقولون: "سه"، يريدون "الاست"، فحذفوا موضع العين، فإذا صغرت قلت: "ستيهة". ومن قال: "است"، فإنما حذف موضع اللام. وقال:
|
إنّ عُبيدًا هيَ صِئْبَانُ السَّهْ |
ث- التصغير بالرد إلى الأصل فيما حذفت لامه ولا همزة في أوله
هذا باب ما ذهبت لامه، فمن ذلك "دم"، تقول: "دمي"؛ يدلك "دماء" على أنه من "الياء" أو من "الواو".
تحليل المثال الأول:
ومن ذلك أيضا "يد"، تقول: "يُديّة"، يدلك: "أيد" على أنه من بنات الياء أو الواو، و"دماء" و"أيد" دليل على أن ما ذهبت منهما لام.
تحليل المثال الثاني:
ومن ذلك أيضا "شفة"، تقول: "شفيهة"؛ يدلك على أن اللام هاء "شفاه"، وهي دليل أيضا على أن ما ذهب من "شفة" اللام و"شافهت".
تحليل المثال الثالث والرابع والخامس:
ومن ذلك "حر"، تقول: "حريح"؛ يدلك على أن الذي ذهب "لام"، وأن اللام حاء قولهم: "أحراح".
ومن قال في "سنة" "سانيت" قال: "سنية"، ومن قال: "سانهت" قال: "سنيهة".
ومن العرب من يقول في "عضة": "عضيهة"، يجعلها من "العضاه"، ومنهم من يقول: "عضية"، يجعلها من "عضّيت"، كما قالوا: "سانيت"، وعلى ذلك قالوا: "عضوات" كما قالوا: "سنوات".
تحليل المثال السادس
ومن ذلك "فل"، تقول: "فلين"، وقولهم: "فلان" دليل على أن ما ذهب "لام"، وأنها "نون"، و"فل" و"فلان" معناهما واحد، قال أبو النجم:
في لجة أمسك فلان عن فل |
|
نشاط موضعي
اذكر قول سيبويه في "رب" و"بخ" و"قط" وتعليله لها في التصغير(5/149).
تحليل المثال السابع
ومن ذلك "فم"، تقول: "فويه"؛ يدلك على أن الذي ذهب "لام" وأنها "الهاء" قولهم "أفواه"، وحذفت الميم ورددت الذي من الأصل كما فعلت ذلك حين كسرته للجمع فقلت "أفواه".
تحليل المثال الثامن
ومثله "مويه" ردوا الهاء كما ردوا حين قالوا "مياه" و"أمواه".
نشاط موضعي
ذكر سيبويه قاعدة مهمة فيما إذا ما جهل الباحث أصل الكلمة والمحذوف منها فقال: ...وذلك أن هذه الحروف قد نقصت حرفا، وليس على نقصانها دالّ من أيّ الحروف هي، فتحمله على الأكثر، والأكثر أن يكون النقصان ياء؛ ألا ترى أن ابن واسم ويد وما أشبه هذا إنما نقصانه الياء.
حاول تطبيق هذه القاعدة على الأمثلة المتبقية في (5/149).
ج- التصغير بالرد إلى الأصل فيما حذفت لامه وله همزة وصل في أوله
هذا باب ما ذهبت لامه وكان أوله ألفا موصولة:
فمن ذلك: "اسم"، و"ابن"، تقول: "سمي"، و"بني"، حذفت الألف حين حركت الفاء، فاستغنيت عنها، وإنما تحتاج إليها حال السكون؛ ويدلك على أنه إنما ذهب من "اسم"، و"ابن" اللام، وأنها "الواو" أو "الياء" قولهم: "أسماء" و"أبناء"، ومن ذلك أيضا "است"، تقول: "ستيهة"، يدلك على ذهاب اللام، وأنها هاء قولك: "أستاه".
ح- التصغير بالرد إلى الأصل فيما كانت فيه تاء تأنيث[20]
هذا باب تحقير ما كانت فيه تاء التأنيث
اعلم أنهم يردون ما كانت فيه تاء التأنيث إلى الأصل كما يردون ما كانت فيه الهاء؛ لأنهم ألحقوها الاسم للتأنيث وليست ببدل لازم كياء "عيد"، وليست كنون "رعشن" لازمة، وإنما تجمع الاسم الذي هي فيه كما تجمع ما فيه الهاء، وإنما ألحقت بعدما بني الاسم، ثم بني بها بناء ذوات الثلاثة بعد. فلما كانت كذلك لم تحتمل أن تثبت مع الحرفين حتى تصير معهما في التحقير على مثال (فعيل) كما لم يجز ذلك للهاء، فإذا جئت بما ذهب من الحرف حذفتها، وجئت بالهاء لأنها العلامة التي تلزم لو كان الحرف على أصله، وإنما تكون التاء في كل حرف لو كان على أصله كانت علامته الهاء لشبهها بها، وذلك قولك في أخت: "أخية"، وفي "بنت": "بنية"، و"ذيت": "ذيية"، وفي "هنت": "هنية"، ومن العرب من يقول في "هنت": "هنيهة"، وفي "هن": "هنية"، يجعلها بدلا من الياء كما جعلوا الهاء بدلا من الياء في "ذه".
نشاط موضعي:
تابع تحليل سيبويه للمثال "ضربت" في (5/152) مستخرجا القواعد التي اعتمدها في التصغير.
خ- تصغير ما كانت فيه الألف بدلا من عينه[21]
هذا باب تحقير ما كانت الألف بدلا من عينه:
إن كانت بدلا من واو، ثم حقرت رددت الواو، وإن كانت بدلا من ياء رددت الياء، كما أنك لو كسرته رددت الواو إن كانت عينه واوا، والياء إن كانت عينه ياء، وذلك قولك في: "باب": "بويب"، كما قلت: "أبواب"، و"ناب": "نييب"، كما قلت: "أنياب" و"أنيب". فإن حقرت "ناب الإبل" فكذلك؛ لأنك تقول: "أنياب".
تحليل المثال الأول:
وسألت الخليل رحمه الله عن "خاف" و"مال" في التحقير، فقال: "خاف"، يصلح أن يكون: "فاعلا"، ذهبت عينه، وأن يكون: "فعلا"، فعلى أيهما حملته لم يكن إلا بالواو. وإنما جاز فيه "فعل" من "فعلت أفعل". وأخاف دليل على أنه "فعلت"، كما قالوا "فزعت تفزع"، وأما "مال" فإنه "فعل"؛ لأنهم لم يقولوا: "مائل"، ونظائره في الكلام كثير، فاحمله على أسهل الوجهين.
القاعدة فيما جهل أصله
وإن جاء اسم نحو "الناب" لا تدري أمن الياء هو أم من الواو، فاحمله على الواو حتى يتبين لك أنها من الياء؛ لأنها مبدلة من الواو أكثر، فاحمله على الأكثر حتى يتبين لك.
ثانيا: تصغير ما كان على خمسة أحرف[22]
أ- تصغير الخماسي الذي ليس رابعه حرف علة
هذا باب تصغير ما كان على خمسة أحرف ولم يكن رابعه شيئا مما كان رابع ما ذكرنا مما كان عدة حروفه خمسة أحرف وذلك نحو: "سفرجل"، و"فرزدق"، و"قبعثرى"، و"شمردل"، و"جحمرش"، و"صهصلق"، فتحقر العرب هذه الأسماء: "سفيرج"، و"فريزد"، و"شميرد"، و"جحيمر"، و"قبيعث"، و"صهيصل".
جواز التعويض عن المحذوف:
وإن شئت ألحقت في كل اسم منها ياء قبل آخر حروفه عوضا[23]؛
تعليل تشابه التصغير والتكسير في الخماسي ووجه الافتراق
وإنما حملهم على هذا أنهم لا يحقرون ما جاوز ثلاثة أحرف إلا على زنته، وحاله لو كسروه للجمع. إلا أن نظير حرف اللين الثالث الذي في الجمع الياء في التصغير. وأول التصغير مضموم، وأول الجمع مفتوح، لما ذكرت لك؛ فالتصغير والجمع بمنزلة واحدة في هذه الأسماء في حروف اللين، وانكسار الحرف بعد حرف الثالث، وانفتاحه قبل حرف اللين، إلا أن أول التصغير وحروف لينه كما ذكرت لك، فالتصغير والجمع من واد واحد.
قول يونس في مقارنة الحذف بين التكسير والتصغير
إنما منعهم أن يقولوا: "سفيرجل"، أنهم لو كسروه لم يقولوا: "سفارجل"، ولا "فرازدق"، ولا "قباعثر"، ولا "شماردل".
وسأبين لك إن شاء الله لم كانت هذه الحروف أولى بالطرح في التصغير من سائر الحروف التي من بنات الخمسة، وهذا قول يونس.
قول الخليل في عدم الحذف من الخماسي
وقال الخليل: لو كنت محقرا هذه الأسماء لا أحذف منها شيئا.
كما قال بعض النحويين، لقلت: سفيرجل، كما ترى حتى يصير بزنة دنينير، فهذا أقرب وإن لم يكن من كلام العرب.
ب- تصغير الخماسي بالحذف منه
هذا باب تحقير بنات الخمسة، زعم الخليل رحمه الله أنه يقول في "سفرجل": "سفيرج"، حتى يصير على مثال "فعيعل"، وإن شئت قلت: "سفيريج". وإنما تحذف آخر الاسم؛ لأن التحقير يسلم حتى يصل إليه ويكون على مثال ما يحقرون من الأربعة.
تحليل الأمثلة[24]
- ومثل ذلك "جردحل"، تقول: "جريدح"، و"شمردل"، تقول: "شميرد"، و"قبعثرى": "قبيعث"، و"جحمرش": "جحيمر".
- وكذلك تقول في "فرزدق": "فريزد"، وقد قال بعضهم: "فريزق"؛ لأن الدال تشبه التاء، والتاء من حروف الزيادة، والدال من موضعها. فلما كانت أقرب الحروف من الآخر، كان حذف الدال أحب إليه إذ أشبهت حرف الزيادة، وصارت عنده بمنزلة الزيادة.
- وكذلك "خدرنق": "خديرق"، فيمن قال: "فريزق"، ومن قال: "فريزد" قال: "خديرن".
تعليل عدم جواز حذف الميم في: جحمرش:
ولا يجوز في "جحمرش" حذف الميم وإن كانت تزاد؛ لأنه لا يستنكر أن يكون بعد الميم حرف ينتهى إليه في التحقير كما كان ذلك في "جعيفر"، وإنما يستنكر أن يجاوز إلى الخامس، فهو لا يزال في سهولة حتى يبلغ الخامس، ثم يرتدع. فإنما حذف الذي ارتدع عنده حيث أشبه حروف الزوائد؛ لأنه منتهى التحقير وهو الذي يمنع المجاوزة، فهذان قولان، والأول أقيس؛ لأن ما يشبه الزوائد ههنا بمنزلة ما لا يشبه الزوائد.
قاعدة في حذف الزوائد في تصغير الخماسي
واعلم أن كل زائدة لحقت بنات الخمسة تحذفها في التحقير، فإذا صار الاسم خمسة ليست فيه زيادة أجريته مجرى ما ذكرنا من تحقير بنات الخمسة، وذلك قولك في "عضرفوط": "عضيرف"، كأنك حقرت "عضرف"، وفي "قذعميل": "قذيعم"، و"قذيعل" فيمن قال: "فريزق"، كأنك حقرت: "قذعل"، وكذلك "الخزعبيلة"، تقول: "خزيعيبة"، ولا يجوز "خزيعيلة"؛ لأن الباء ليست من حروف الزيادة.
ثالثا: تصغير الرباعي:
هذا باب تحقير ما كان على أربعة أحرف فلحقته ألفا التأنيث، أو لحقته ألف ونون كما لحقت "عثمان".
ما لحقته ألف التأنيث من الرباعي
أما ما لحقته ألف التأنيث فـ:"خنفساء" و"عنصلاء" و"قرملاء"، فإذا حقرت قلت: "قريملاء"، و"خنيفساء"، و"عنيصلاء"، ولا تحذف كما تحذف ألف التأنيث؛ لأن الألفين لما كانتا بمنزلة الهاء في بنات الثلاثة لم تحذف هنا حيث حي آخر الاسم وتحرك كتحرك الهاء.
وإنما حذفت الألف لأنها حرف ميت، فجعلتها كألف "مبارك"، فأما الممدود فإن آخره حي كحياة الهاء وهو في المعنى مثل ما فيه الهاء، فلما اجتمع فيه الأمران، جعل بمنزلة ما فيه الهاء، والهاء بمنزلة اسم ضم إلى اسم فجعلا اسما واحدا، فالآخر لا يحذف أبدا؛ لأنه بمنزلة اسم مضاف إليه، ولا تغير الحركة التي في آخر الأول كما لا تغير الحركة التي قبل الهاء.
ما لحقته ألف ونون من الرباعي
وأما ما لحقته ألف ونون فـ"عقربان"، و"زعفران"، تقول: "عقيربان"، و"زعيفران"، تحقره كما تحقر ما في آخره ألفا تأنيث، ولا تحذف لتحرك النون.
المقارنة بين الصنفين
وإنما وافق "عقربان" "خنفساء" كما وافق تحقير "عثمان" تحقير "حمراء"، جعلوا ما فيه الألف والنون من بنات الأربعة، بمنزلة ما فيه ألفا التأنيث من بنات الأربعة، كما جعلوا ما هو مثله من بنات الثلاثة، مثل ما فيه ألفا التأنيث من بنات الثلاثة؛ لأن النون من بنات الأربعة لما تحركت أشبهت الهمزة في "خنفساء" وأخواتها، ولم تسكن فتشبه بسكونها الألف التي في "قرقرى"، و"قهقرى"، و"قبعثرى"، وتكون حرفا واحدا بمنزلة "قهقرى".
وتقول في "أقحوانة": "أقيحيانة"، و"عنظوانة" "عنيظيانة"، كأنك حقرت "عنظوانا" و"أقحوانا"، وإذا حقرت "عنظوانا" و"أقحوانا" فكأنك حقرت "عنظوة" و"أقحوة"، لأنك تجري هاتين الزيادتين مجرى تحقير ما فيه الهاء. فإذا ضممتها إلى شيء فأجر تحقيره مجرى تحقير ما فيه الهاء. وإنما أدخلت الهاء ههنا لأن الزيادتين ليستا علامة للتأنيث.
تعليق في إلحاق التصغير بالتكسير
وأما "أسطوانة" فتحقيرها "أسيطينة"، لقولهم: "أساطين"، كما قلت: "سريحين"، حيث قالوا "سراحين"، فلما كسروا هذا الاسم بحذف الزيادة وثبات النون حقرته عليه.
رابعا: مسائل تكميلية في التصغير
أ- تصغير المركب
هذا باب تحقير كل ايم كان من شيئين ضم أدهما إلى الآخر فجعلا بمنزلة اسم واحد.
زعم الخليل رحمه الله أن التحقير إنما يكون في الصدر؛ لأن الصدر عندهم بمنزلة المضاف والآخر بمنزلة المضاف إليه، إذ كانا شيئين.
وذلك قولك في حضرموت: حضيرموت، وبعلبك، بعيلبك، وخمسة عشر: خميسة عشر، وكذلك جميع ما أشبه هذا، كأنك حقرت عبد عمرو، وطلحة زيد.
وأما اثنا عشر فتقول في تحقيره: ثنيا عشر، فعشر بمنزلة نون اثنين، فكأنك حقرت اثنين؛ لأن حرف الإعراب الاف والياء، فصارت عشر في اثني عشر بمنزلة النون، كما صارت في حضرموت بمنزلة ريس في عنتريس.
ب- تصغير المرخم
هذا باب الترخيم في التصغير
اعلم أن كل شيء زيد في بنات الثلاثة فهو يجوز ذلك أن تحذفه في الترخيم، حتى تصير الكلمة على ثلاثة أحرف، لأنها زائدة فيها، وتكون على فعيل، وذلك قولك في حارث حريث، وفي أسود: سويد، وفي غلاب غليبة.
وزعم الخليل رحمه الل أنه يجوز في ضفندد ضفيد، وفي خفيدد خفيد، وفي مقعنسس قعيس، وكذلك كل شيء كان أصله الثلاثة.
وبنات الأربعة في الترخيم بمنزلة بنات الثلاثة، تحذف الزوائد حتى يصير الحرف على أربعة لا زائدة فيها، ويكون على مثال فعيعل؛ ولا تحذف من ينات الأربعة شيئا، فيجعل على مثال فعيل لأنه ليس فيه زيادة.
وزعم رحمه الله أنه سمع في "إبراهيم" و"إسماعيل": "بريه" و"سميع".
ت- تصغير جموع التكسير
هذا باب تحقير ما كسر عليه الواحد للجمع، وسأبين لك تحقير ذلك إن شاء الله.
القاعدة في تصغير أبنية جموع القلة
اعلم أن كل بناء كان لأدنى العدد؛ فإنك تحقر ذلك البناء لا تجاوزه إلى غيره، من قبل أنك إنما تريد تقليل الجمع، ولا يكون ذلك البناء إلا لأدنى العدد فلما كان ذلك لم تجاوزه.
العرب تعبر ببناء القليل على الكثير والعكس
واعلم أن لأدنى العدد أبنية هي مختصة به، وهي له في الأصل، وربما شركه فيه الأكثر، كما أن الأدنى ربما شرك الأكثر، فأبنية أدنى العدد (أفعل)، نحو: "أكلب"، و"أكعب"، و(أفعال)، نحو: "أجمال"، و"أعدال"، و"أحمال"، و(أفعلة)، نحو: "أجربة"، و"أنصبة"، و"أغربة"، و(فعلة)، نحو: "غلمة"، و"صبية"، و"فتية"، و"إخوة"، و"ولدة".
فتلك أربعة أبنية،
قاعدة تصغير جموع الكثرة
فما خلا هذا فهو في الأصل للأكثر، وإن شركه الأقل؛ ألا ترى أن ما خلا هذا إنما يحقر على واحده. فلو كان شيء يكون مما خلا هذا يكون للأقل لحقر على بنائه، كما تحقر الأبنية الأربعة التي هي لأدنى العدد.
الأمثلة الواضحة في الكثير والقليل
وإذا حقرت "الفتيان"[25] قلت: "فتية"، فإن لم تقل ذلك قلت "فتيّون"، فالواو والنون بمنزلة التاء في المؤنث.
وذلك قولك في[26] "أكلب": "أكيلب"، وفي "أجمال": "أجيمال"، وفي "أجربة": "أجيربة"، وفي "غلمة": "أغيلمة"، وفي "ولدة": "وليدة"، وكذلك سمعناها من العرب.
العبرة في تصغير الجموع للبناء لا للمعنى
فكل شيء خالف هذه الأبنية في الجمع، فهو لأكثر العدد، وإن عني به الأقل، فهو داخل على بناء الأكثر، وفيما ليس له، كما يدخل الأكثر على بنائه وفي حيزه.
أمثلة المسائل في تصغير جموع القلة والكثرة
- وسألت لخليل رحمه الله عن تحقير "الدور"، فقال: أرده إلى بناء أقل العدد؛ لأني إنما أريد تقليل العدد، فإذا أردت أن أقلله وأحقره صرت إلى بناء الأقل، وذلك قولك: "أديئر". فإن لم تفعل فحقرها على الواحد، وألحق تاء الجمع، وذلك لأنك ترده إلى الاسم الذي هو لأقل العدد، ألا ترى أنك تقول للأقل "ظبيات" و"غلوات" و"ركوات"، فـ"فعلات" ههنا بمنزلة "أفعل" في المذكر، و"أفعال" ونحوهما. وكذلك ما جمع بالواو والنون والياء والنون وإن شركه الأكثر كما يشرك الأكثر الأقل فيما ذكرنا قبل هذا.
- وإذا حقرت "الأكف" و"الأرجل" وهن قد جاوزن العشر قلت: "أكيفف"، و"أريجل"، لأن هذا بناء أدنى العدد، وإن كان قد يشرك فيه الأكثرُ الأقلَّ. وكذلك "الأقدام" و"الأفخاذ"[27].
ولو حقرت "الجفنات" وقد جاوزن العشر لقلت: "جفينات"، لا تجاوز، لأنها بناء أقل العدد.
وإذا حقرت "المرابد" و"المفاتيح" و"القناديل" و"الخنادق" قلت: "مريبدات" و"مفيتيحات" و"قنيديلات" و"خنيدقات"؛ لأن هذا البناء للأكثر، وإن كان يشركه فيه الأدنى، فلما حقرت صيرت ذلك إلى شيء هو الأصل للأقل، ألا تراهم قالوا: في "دراهم": "دريهمات".
وإذا حقرت "الشسوع" وأنت تريد الثلاثة قلت: "شسيعات"، ولا تقول: "شسيع"؛ لأن هذا البناء لأكثر العدد في الأصل، وإنما الأقل مدخل عليه، كما صار الأكثر يدخل على الأقل.
وإذا حقرت "الفقراء" قلت: "فقيرون"، على واحده، وكذلك "أذلاء"، إن لم تردده إلى "الأذلة": "ذليّلون"، قال رجل من الأنصار جاهلي:
إن ترينا قليلين كما ذيد |
عن المجربين ذود صحاح |
وكذلك "حمقى"، و"هلكى"، و"سكرى"، و"سكارى"، و"جرحى"[28]، وما كان من هذا النحو مما كسر له الواحد. وإنما صارت التاء والواو والنون لتثليث أدنى العدد إلى تعشيره، وهو الواحد كما صارت الألف والنون للتثنية، ومثناه أقل من مثلثه؛ ألا ترى أن جر التاء ونصبها سواء، وجر الاثنين والثلاثة الذين هم على حد التثنية ونصبهم سواء، فهذا يقرب أن التاء والواو والنون لأدنى العدد؛ لأنه وافق المثنى.
تعليق[29]
وإذا أردت أن تجمع "الكليب" لم تقل إلا: "كليبات"؛ لأنك إن كسرت المحقر وأنت تريد جمعه ذهبت ياء التحقير فاعرف هذه الأشياء.
واعلم أنهم يدخلون بعضها على بعض للتوسع إذا كان ذلك جمعا.
نشاط موضعي
تتبع مصطلح التوسع عند سيبويه واضرب له الأمثلة المناسبة في كل باب من أبواب الصرف مقتصرا على باب التكسير والتصغير فقط لأنهما بابان متشابهان في العربية.
تصغير ما جمع على غير واحده[30]
هذا باب ما كسر على غير واحده المستعمل في الكلام، فإذا أردت أن تحقره حقرته على واحده المستعمل في الكلام، الذي هو من لفظه، وذلك قولك في ظروف: "ظريفون"، وفي "السمحاء": "سميحون"، وفي الشعراء: "شويعرون".
وإذا جاء الجمع ليس له واحد مستعمل في الكلام من لفظه يكون تكسيره عليه قياسا ولا غير ذلك، فتحقيره على واحد هو بناؤه إذا جمع في القياس وذلك نحو "عباديد"، فإذا حقرتها قلت "عبيديدون"؛ لأن "عباديد" إنما هو جمع "فعلول"، أو "فعليل"، أو "فعلال".
فإذا قلت: "عبيديدات"، فأيّا ما كان واحده فهذا تحقيره.
وزعم يونس أن من العرب من يقول في "سراويل": "سرييلات"، وذلك لأنهم جعلوه جماعا بمنزلة "دخاريص"، وهذا يقوي ذاك؛ لأنهم إذا أرادوا بها الجمع، فليس لها واحد في الكلام كسرت عليه ولا غير ذلك.
وإذا أردت تحقير "الجلوس" و"القعود" قلت: "قويعدون" و"جويلسون"، فإنما "جلوس" ههنا حين أردت الجمع بمنزلة "ظروف"، وبمنزلة "الشهود، و"البكي"، وإنما واحد الشهود "شاهد"، و"البكي" "الباكي"، هذان المستعملان في الكلام، ولم يكسر "الشهود" و"البكي" عليهما، فكذلك "الجلوس".
تصغير ما يدل على الجمع[31]
هذا باب تحقير ما لم يكسر عليه واحد للجمع، ولكنه شيء واحد يقع على الجميع فتحقيره كتحقير الاسم الذي يقع على الواحد؛ لأنه بمنزلته، إلا أنه يعنى به الجميع، وذلك قولك في "قوم": "قويم"، وفي "رجل"[32]: "رجيل".
وكذلك "النفر" و"الرهط" و"النسوة"، وإن عني بهن أدنى العدد، وكذلك "الرجلة"، و"الصحبة"، هما بمنزلة "النسوة"، وإن كانت "الرجلة" لأدنى العدد؛ لأنهما ليسا مما يكسر عليه الواحد.
تعليق على تصغير جمع ما يدل على الجمع
وإن جمع شيء من هذا على بناء من أبنية أدنى العدد حقرت ذلك البناء، كما تحقر إذا كان بناء لما يقع على الواحد، وذلك نحو: "أقوام"، و"أنفار". وتقول: "أقيام" و"أنيفار".
الأمثلة:
وإذا حقرت "الأراهط" قلت: "رهيطون"، كما قلت في "الشعراء": "شويعرون".
وإن حقرت "الخباث" قلت: "خبيثات"، كما كنت قائلا ذلك لو حقرت "الخبوث". و"الخباث" جمع "الخبيثة" بمنزلة "ثمار"، فمنزلة هذه الأشياء منزلة واحدة، قال:
قد شربت الأدهيدهينا |
قليصات وأبيكرينا |
و"الدهداه" حاشية الإبل، فكأنه حقر "دهاده" فرده إلى الواحد، وهو "دهداه"، وأدخل الياء والنون كما تدخل في "أرضين"، و"سنين"، حين اضطر في الكلام إلى أن يدخل ياء التصغير.
وأما "أبيكرينا"، فإنه جمع "الأبكر"، كما يجمع "الجزر" و"الطرق"، فتقول: "جزرات" و"طرقات"، ولكنه أدخل الياء والنون، كما أدخلها في "الدهيدهين".
وإذا حقرت "السنين" لم تقل إلا "سنيات"، لأنك قد رددت ما ذهب، فصار على بناء لا يجمع بالواو والنون، وصار الاسم بمنزلة: "صحيفة" و"قصيعة".
وكذلك "أرضون" تقول فيها: "أريضات" ليس إلا؛ لأنها بمنزلة "بديرة".