أول ما يثير الانتباه حيال هذه المدرسة أنها جاءت في سياق تنامي الاجتهادات في طرح بدائل في دراسة اللغة وبخاصة في أوروبا، إضافة إلى أن هناك من لا يعدها مدرسة واضحة المعالم كاملة الأركان، لأنها لا تعدو أن تكون نظرية، ومع ذلك فهي مالت في معالجة اللغة إلى الجانب الرمزي القائم على ما يشبه المعادلات الرياضية، كما وظفت في وصف اللغة وتحليلها عبارات تجريدية ومصطلحات غير مألوفة بين اللسانيين.

يرتبط تأسيس هذه المدرسة باللساني الدانماركي لويس يلمسليف (1899ـ1965) في عاصمة الدانمارك "كوبنهاغن" وتنسب إليه أيضا النظرية اللغوية التي شكلت العمود الفقري للمدرسة، المسماة (الغلوسيماتيك) وقد كان لأسفاره إلى براغ 1923 وباريس بين عامي 1926ـ1927 الأثر البالغ في التشبع بالروح البنيوية في دراسة اللغة وتلقي مبادئ الفكر السوسيري عبر التتلمذ لأنطوان مييه وفاندريس.

لقد مر تشكل هذه المدرسة بمراحل ثلاثة، كان هم (ليلمسليف /أولدال) البحث عن التميز عن مدرسة براغ التي اطلعا على أعمالها المرحلة الأولى(1933)، في حين كانت نظرية الفونيمات (phonematics       )  التي تبلوت في البحث الذي قدماه للمؤتمر الثاني للعلوم الصوتية سنة 1935 المرحلة الثانية، أما ثالث المراحل فكان سنة 1936 بكوبنهاغن مع البحث الذي قدما فيه النظرية في صورتها النهائية تحت تسمية الغلوسيماتيك أمام المؤتمر الثالث للسانيات. والمصطلح مأخوذ من الكلمة الإغريقية (Glossa) وتعني اللغة.

 معالم مهمة في مدرسة الغلوسيماتيك:

   1 ـ تدرس الغلوسيماتيك الغلوسيمات (glossemes) وهي الوحدات النحوية الدنيا التي لا تقبل التقسيم إلى مكونات أصغر

  2 ـ الغلوسيمات  (glossemes) نوعان:

             أ ـ السونيمات cenemes وهي وحدات التعبير، والكلمة مشتقة من اللفظ الإغريقي kenos الذي يعني (فارغ).

           ب ـ بليرام (pleremes)  وهي وحدات المحتوى، والمصطلح يقابل المورفيمات عند مدرسة براغ، ويقابل المونيمات عند مدرسة جونيف، وهو مشتق من الكلمة الإغريقية pleros  التي تعني مملوء.

  3 ـ استعمل يلمسليف مصطلح التعالقات correlations بدل العلاقات الاستبدالية، ومصطلح العلاقات relations بدل العلاقات الأفقية عند دوسوسير.

  4 ـ استخدم مصطلح (وظيفة) للتعبير عن كل علاقة تربط أفقيا بين لفظين، وهي من طبيعة شكلية مجردة لا مادية.

  5 ـ استخدم مصطلحي النمط (scheme) والنص (text) بدل مصطلحي دوسوسير اللغة / الكلام.

  6 ـ تتألف بنية الجملة عنده من سمات أساسية:

    أ ـ ثنائية المضمون والتعبير وهي ما يعطي فعل التواصل معناه.

   ب ـ ثنائية النص والنمط، وهو ما يؤلف خاصية التتابع الذي تتولد فيه العلاقات.

  7 ـ تقوم النظرية على أن قيمة اللغة لا تكمن في الجانب المادي، بل في العلاقات الداخلية المتأسسة على وفق النماذج النحوية. وهو ما يعكس تبعية يلمسليف لدو سوسير، وقد صرح نفسه بذلك حينما عد حقيقة اللغة تكمن في كونها شكلا لا مادة.

  8 ـ اعتبر اللغة نظاما من القيم المجردة للعبارات.

  9 ـ يرى أن المنهج المناسب لدراسة الشكل اللغوي هو منهج اللسانيات المحايثة، وهو ما دعا إليه دو سوسير عندما عد أن دراسة اللغة في ذاتها ولذاتها هي الموضوع الأساسي للسانيات.

  10ـ استبدل يلمسليف ثنائية الدال/ المدلول بثنائية التعبير/ المحتوى، وكل منهما له مادة وشكل، ومنه تتولد أربعة أنماط: ـ مادة المحتوى (الفكرة) ـ شكل المحتوى (المعجم/ التركيب) ـ شكل التعبير (الفونولوجيا) ـ مادة التعبير (الفونيتيك).

 

أهم مبادئ الغلوسيماتيك:  

   1 ـ مبدأ التجريبية: ويعني اعتماد الدراسة على المعايير الموضوعية العلمية المختزلة في الملاحظة والاختبار، ويتأسس هذا المبدأ على معايير ثلاثة:

   أ ـ اللاتناقض    ب ـ الوصف الشامل    ج ـ التبسيط

  2 ـ مبدأ الإحكام: ويعني أنه لكي تكون النظرية مفيدة منطقيا لابد أن تكون نتائج القضايا متولدة من مقدماتها، مع شرط الملاءمة التي تعني انطباقها على أكبر عدد ممكن من الوقائع التجريبية والأحداث الملاحظة.

آخر تعديل: Wednesday، 5 May 2021، 12:19 PM