المحاضرة السابعة

المدرسة الوظيفية الفرنسية

أندريه مارتينيه

تمهيد:
     يعد "مارتينيه" 1908 من أعلام الفونولوجيا، شارك في أعمال مدرسة "براغ" اللسانية قبل أن يدرس في جامعة الدانمارك وبعدها في جامعة كولومبيا، وشغل سنة 1984 منصب مدير المجلة اللسانية النيويوركية "الكلمة "وشغل منصب أستاذ في السربون ومنصب مدير الدراسات اللسانية في معهد الدراسات العليا بباريس .

    اعتمد "مارتينيه" في دراسة الأصوات الوظيفية، على مبادئ مدرسة "براغ" فتطورت على يده اللسانيات في أوربا بصفة عامة، وفي فرنسا بصفة خاصة، وقد ركز على الوظيفة في اللغة أثناء عملية التبليغ والتواصل .ومن أهم آرائه اللسانية ما يلي:

1- وظيفة اللغة:

     يعد "مارتينيه" الوظيفة التواصلية الوظيفة الأساسية للغة بين أفراد المجتمع اللغوي، وهذه الوظيفة تؤديها اللغة باعتبارها مؤسسة إنسانية رغم اختلاف بنيتها من مجتمع لغوي إلى آخر، فهي الوظيفة الجوهرية للغة عنده، ولكنه لا ينفي بقية الوظائف التي تؤديها اللغة، بل يقرّ بها ويعتبرها ثانوية كما يرى أن اللغة ليست نسخا للأشياء ونقلا آليا لها، بل هي بنى منظمة ومتراصة ومتكاملة يتطلع المتكلم من خلالها إلى عالم الأشياء والأحاسيس وهو ما ينتج الخبرة الإنسانية فتعلم لغة أجنبية مثلا، لا يعني وضع علامات جديدة للأشياء المألوفة، وإنما هو اكتساب نظرة تحليلية مغايرة بالتعرف على البنى اللغوية التي تعكس الواقع بطريقة مختلفة عن اللغة الأم .

2- الدراسة الصوتية والإفرادية والتركيبية: وذلك من خلال دراسة:

أ- الصوت والتقطيع المزدوج :

     يعتبر التقطيع المزدوج أساس نظرية "مارتينيه" الذي يرى أن اللسان البشري يختلف عن بقية الوسائل التبليغية، لكونه مزدوج التقطيع، أي أن الأقوال اللسانية تتكون من مستويين مختلفين هما:

1- مستوى التقطيع الأول:

وفيه نحصل على وحدات ذات مضمون معنوي (المدلول) وصوت ملفوظ (دال)، وتسمى هذه الوحدات مونيمات مثال: راجعـ/ت درسـ/ي

نلاحظ أن هذا المثال يحتوي على أربع مونيمات متتابعة، ويسمى معنى كل لفظة مدلولا، وصيغتها الصوتية دالا، وهي وحدات دنيا يستحيل تحليلها إلى وحدات دالة أصغر منها، ويمكن استبدالها بوحدات أخرى ضمن قائمة مفتوحة.

2- مستوى التقطيع الثاني:

    يمكن تقطيع المونيمات إلى وحدات دنيا-أيضا – مجردة من كل دلالة ولكنها مميزة تسمى بالفونيمات وهي محصورة في كل لسان مثال: كتب تقطع (كتب) إلى ست وحدات مميزة أي ستة فونيمات : ك/=/ت/=/ب/

    وانطلاقا من هذا يكون التقطيع المزدوج قانونا أساسيا من قوانين اللغة البشرية.

ب- الدراسة الإفرادية:

    استطاع "مارتيني" أن يطور التحليل الإفرادي انطلاقا من النتائج التي وصلت إليها الدراسة الفونولوجية، فوضع الخطوط الأولية لهذا التحليل الذي يقوم على أساس وظيفة العناصر اللسانية في التركيب وطرق ترتيبها، ومن الملاحظ أن اللسانيات قد تخلت –بصفة عامة- عن مصطلح (كلمة) لما قد يحدثه من اضطراب في المفاهيم ولأنه يطلق على وحدات دنيا بأتم معنى كلمة مثل: من، على، هل... لهذا كان من الضروري توخي مصطلحات أكثر دقة، تفي بمفهوم الوحدة الدنيا، وقد اصطلحت النظرية الوظيفية على هذا المفهوم بالمونيم، وأشكال المونيمات هي:

1- اللفظة البسيطة:

     هي الوحدة الدنيا للتقطيع الأول ويمكن استبدالها بوحدات أخرى على المحور الاستبدالي في المحيط نفسه، مثال: أحمد طالب نجيب، يمكن استبدال لفظة (نجيب) بوحدات أخرى على المحور الاستبدالي مثال: مجتهد، كسول، ذكي ، مجد.

2- اللفظة المستقلة:

    هي وحدات دالة تتضمن في بنيتها دليل وظيفتها، وتتمثل في الظروف مثل: اليوم، غدا، أحيانا،... والعلاقة التي تربط هذه الوحدات بغيرها من الألفاظ قائمة على أساس دلالتها الذاتية لا باعتبار موقعها في التركيب، أو تقيدها بترتيب.

3- اللفظة الوظيفية:

    لا وظيفة لها في حد ذاتها، بل تساعد على تحديد وظيفة عناصر أخرى، كما يمكن لها أن تستقل بنفسها في السياق اللساني الذي ترد فيه مثل: حروف الجر، وأدوات النصب والجزم في العربية.

4- اللفظة التابعة:

    هي اللفظة المقترنة باللفظة الوظيفية التي تحدد وظيفتها، مثل الاسم المجرور المقترن بحرف الجر، فلفظة (الجامعة) في قولنا (ذهبت إلى الجامعة) هي لفظة تابعة مقترنة باللفظة الوظيفية (إلى).

5 - اللفظة الممتزجة:

    يكون فيها الدال منطويا على مدلولين أو أكثر ولا يمكن فصلهما من الناحية الشكلية مثلا: صيغة جمع التكسير في اللفظة (أبطال héros) في الفرنسية لها مدلولان، أحدهما يمثل معنى لمفرد (بطل أو بطلة) والثاني يمثل معنى الجمع، ولا يمكننا التمييز الخطي بين المدلولين.

ج- الوحدات التركيبية :

     تتخذ الوحدات التركيبية أشكالا مختلفة، فتارة تكون مجرد لفظات بسيطة، وتارة أخرى تطرأ عليها ظواهر تجعل منها ألفاظا من نوع خاص، وهي:

1- العبارة المستقلة:

    تتألف من لفظة وظيفية مقترنة بلفظة تابعة، لا تحدد وظيفتها النحوية من خلال جزء واحد من عناصرها، بل من خلال تركيب العناصر مجتمعة ومنع على سبيل الذكر: الجار والمجرور، والمضاف والمضاف إليه، والنعت والمنعوت.

2- اللفظة المفروقة :

    هي عكس اللفظة الممتزجة وفيها يتجزأ الدال إلى جزئين أو أكثر لتحديد مدلول واحد غير قابل للتجزئة ، مثال: ارتدت الممرضة مئزرها . تدل على التأنيث في هذا المثال ثلاث علامات هي:

(ت) في (ارتدت) و(ة) في (الممرضة) و(ها) في (مئزرها).

3- اللفظة العدمية أو الصفرية:

    هي غياب شكلية متوقعة، ويرمز لها أثناء التحليل بعلامة تفاضلية على شكل صفر(0) ويتضح ذلك في اللغة المكتوبة بوجود علامتين شكليتين هما الفتحة والتاء المربوطة مع المؤنث وغيابها مع المذكر، مثل: معلم 0 معلمة أستاذ0 أستاذة ، كما تتجلى في الأفعال :مثال: كتب0 كتبت = كتب+ت

4 - اللفظة المشتركة:

    دال واحد يتقاسمه مدلولان أو أكثر ولا يمكن استقلالها بمدلول واحد يحدده السياق مثال: تبتسم، فصيغة المضارع نجده مع: المخاطب المفرد المذكر "أنت "و مع الغائب المفرد المؤنث "هي

5- الصيغة الاتحادية :

     وحدة قابلة للتحليل شكلها ومعنويا إلى وحدتين دالتين أو أكثر إلا أنها تتصرف تركيبها كمفردة واحدة وتتحد لأداء وظيفة واحدة مثال: جواز السفر، أم كلثوم، جملة القول... فقد تكون مضافا ومضافا إليه أو صفة وموصوف أو أسماء مركبة، أو صيغة جامدة، وهي تعامل معاملة اللفظة الواحدة.

6- الصيغة التركيبية:

    يرى "مارتينيه" بأنها مجموع ألفاظ لكل منها وظيفة خاصة، وتحتوي في أغلب الأحيان على وحدة وظيفية تحقق لها الاستقلالية، فتكون وظيفتها غير مرتبطة بالموقع مثال: في السنة الماضية تؤدي الوظيفة نفسها في التراكيب التالية:

- في السنة الماضية سافرت إلى مصر.

- سافرت في السنة الماضية إلى مصر .

- سافرت إلى مصر في السنة الماضية

    كما درس الصلات القائمة بين الوحدات اللسانية :

    إذ ركز التركيب اللساني الوظيفي على العلاقات بين المونيمات، وما ينتج عن ذلك من تأثير في طبيعة التراكيب وتتحدد وظيفة كل مونيم داخل الجملة انطلاقا من هذه العلاقات:

- رتبة الوحدات اللسانية:

     إن دراسة علاقة المونيمات في ما بينها وحدها لا تكفي لتحديد وظيفتها، بل يجب معرفة موقعها وانتظامها داخل تركيب وفق ترتيب معين، فاختلاف الموقف يؤدي إلى اختلاف وظيفتها التركيبية .

- محتوى الوحدات اللسانية:

    يركز "مارتينيه "على المحتوى الدلالي للمونيم الذي يكسبه دلالة خاصة ومستقلة عن غيره، تجعله يؤدي وظيفة مميزة داخل التركيب .

-  مفهوم الملاءمة:

   على اللساني أن يتقصى السمات الخاصة بكل لفظ حتى يستطيع أن يحدّد مفهوم الملاءمة، ونقصد به ملاءمة الألفاظ للتجاور فيما بينها، فبعض الألفاظ تحمل المعنى نفسه ولكنّ بعضها فقط يتلاءم مع اللفظة اللاحقة.

الخاتمة:

      وبهذا تتضح لنا قيمة الجهود التي بذلها "مارتينيه" في البحث اللساني الحديث الذي أصبح يتسم بالموضوعية العلمية، بعد أن طغت عليه المعيارية في الماضي ، فقد توصل إلى تمييز عناصر بسيطة بواسطة التقطيع المزدوج خاصة، واقترب بذلك من العلوم الدقيقة مما فتح أفاقا جديدة في ميدان البحث والتطبيق.

 

آخر تعديل: Wednesday، 10 March 2021، 8:45 PM