المحاضرة السادسة:

مدرسة كوبنهاغن الدنماركية (هيملسيف)

 

     هذه  المدرسة  الدانيماركية  التي تمركزت  بكوبنهاغن واقترنت  أساسا باسم لويس وبروندال. وقد عرفت  بالمدرسة الغلوسيمية، أين حاولت  توسيع المفاهيم السويسرية  وذلك من خلال معالجة  الظواهر اللسانية  معالجة دقيقة على منوال العلوم الطبيعية والرياضية، أي بالاعتماد على النماذج الرياضية والمنطقية، وكذلك على المنهج التجريبي في دراسة جزئيات اللغة  فاعتبرت هذه الدراسة  أول تعميق منهجي وعلمي لأراء دي سوسير اللسانية، وأول عصرنة للدراسات اللغوية باستخدام المناهج  العلمية  والرياضية .

أ- مفهوم النسقية (glossématique) مع هلمسليف:

     العالم اللساني الدنمركي لويس هلمسليف هو الذي اخترع مفهوم غلوسيماتيك (glossématique) باشتقاقه من الكلمة الإغريقية (غلوسة) التي تعني (اللغة) لتعيين النظرية المستخلصة من نظرية دي سوسير التي تجعل من اللغة غاية لذاتها لا وسيلة لتحقيق الغاية المقصودة بالكلام.

     والغلوسيماتيك تقوم على النقد الحاد للسانيات التي سبقتها وحادت في نظرها عن مجال اللغة بانتصابها خارج الشبكة اللغوية واهتمامها بالإجراءات (غير اللسانية) التي تهدف إلى معرفة مصادرها الأولى وجوانبها الفيزيائية والظواهر الاجتماعية والأدبية والفلسفية.

    والنسقية تنتصب على العكس من ذلك داخل اللغة فهي تصدر منها وإليها ولا تخرج عن دائرة اللغة المنظور إليها على أنها حقل مغلق على نفسه وبنية لذاتها وهي تبحث عن المعطيات الثابتة التي تعتمد على الظواهر غير اللسانية، وهي تسعى إلى إبراز كل ما هو مشترك بين جميع اللغات البشرية، وتكون اللغة بسببه هي مهما تبدل الزمن وتغيرت الأحداث.

ب- مبادئ المدرسة النسقية:

1- ينطلق هلمسليف في نظريته من مفاهيم دي سوسير حول قضايا اللغة، والتي وردت في محاضراته، غير أنه دقق في عرضها بدرجة كبيـرة من التجريد النظري، وصياغة المفردات والمصطلحات الجديدة، فهلمسليف لم يكتف بمجرد عرض لأعمال دي سوسير - ولاسيما البنيوية- وشرحها على الصورة التي وردت في  مؤلفه القيم (محاضرات في علم اللغة العام) بل قام ببسط مفاهيمها والتدقيق في عرضها لصياغة نظرية بنيوية لسانية صارمة ذات توجه منطقي رياضي.

2- كما حاولت هذه النظرية أن تتميز عن مدرسة براغ بتوظيفها لمفاهيم لغوية مختلفة مرتبطة بالمفاهيم المنطقية الرياضية.

3- و قد تأثر هلمسليف بالمنطق الرياضي والمنهج العلمي السائد آنذاك، و لاسيما المنطق النمساوي لكارناب (Carnap). و هذا ما نلحظه في الأسس العقلانية التي بنيت عليها نظريته.

4- ولقد حاولت النظرية الغلوسيمية وصف الظواهر اللسانية وتحليلها وتفسيرها بطريقة علمية ورياضية منطقية، كما يقول هلمسيلف: «إنها تهدف إلى إرساء منهج إجرائي، يمكّن من فهم كل النصوص من خلال الوصف المنسجم والشامل، من خلال إحصاء كل إمكانيات التأليف بين عناصر اللغة الثابتة » .

ج- أهم أعمال النظرية الغلوسيمية:

1- الموضوع الأساسي للدراسة اللسانية عند هلمسيلف – هو دراسة بنية اللغة، وهذه الدراسة تكون باعتماد الشكلية، أي الطرق الرياضية البحتة، لذلك يرى هلمسيلف أن « الألسنية الحقيقية تولي بنية اللغة جل اهتمامها وتساهم عبر تركيزها على البنية في تكوين العلوم الإنسانية، فالنظرية اللغوية بنظره، تتوسل تحليل البنية، بنية اللغة، عن طريق اللجوء إلى مبادئ شكلية» .

2- إعتماد مصطلحات خاصة وجديدة، حيث تقوم المدرسة الغلوسيمية على مجموعة من المصطلحات الجديدة، إضافة إلى إعادة استعمال بعض المفردات القديمة بحـلة جديدة، هي: جلوسيماتيك Glossématique – والتي سبق وأشرنا إليها – تدرس الغلوسيمات glossémes أي الوحدات النحوية الصغرى التي لا تقبل التجزئة وهي العلامة عند سوسير، وتنقسم بدورها إلى قسمين : وحدات التعبير وتدعى سوانم cénémes، وتقابل الدال، ووحدات المحتوى وتدعى مضامين plérémes  وتقابل المدلول، كما استعمل هلمسليف مجموعة من المصطلحات منها: مستوى التعبير (Escpression plane)، ومستوى المضمون (content plane).

3- عمل هلمسيلف على ضبط ثنائية سوسير التي تفرق بين اللغة والكلام بما يكفي للإشارة إلى العلاقة الوظيفية التي تربط بينهما، حيث قام بضبط تصوره عن اللغة- باعتبارها الموضوع الأساسي لعلم اللسان- انطلاقا من تحديده لثلاثة مفاهيم فرعية وهي:

أ‌- الهيكل:  وهو يمثل اللغة كشكل صوري ونموذجي وهي تقابل مصطلح اللسان.

ب‌- القاعدة: وتمثل اللغة كمادة يستعملها المتكلم، وتقابل اللغة كنظام

ج- الاستعمال: ويمثل اللغة كمجموعة من العادات الخاصة بالمتكلمين

4- تأسيس نظرية لسانية وصفية تقوم على مبادئ علمية هي:

أ – مبدأ التجريبية: اعتمد هلمسيلف في هذا المبدأ على الجمع بين ثلاث معايير أساسية: « اللاتناقض والتبسيط والشمولية»، فالدراسة العلمية الموضوعية لابد أن تقوم على احترام هذا المبدأ ذلك أن التراكيب المنطقية تقوم على قاعدة الجمع بين هذه المعايير التي توفر الوصف الشامل لأي نوع من النصوص، دون أن يوجد تناقض بين الظواهر اللسانية، كما عليها أن تراعي أبسط وصف للوصول إلى النتائج. ولكي تتصف بهذه الخاصية يجب أن تكون خالية من كل تناقض وأن تتصف بالشمولية وتكون بسيطة سهلة الإدراك ما أمكن.

ب- مبدأ الإحكام و الملاءمة: تتميز النظرية الغلوسيمية بخاصتين أساسيتين هما:

- الإحكام الذي يعني الاتساق التام « أي تكون النتائج الطبيعية لأي قضية تابعة لمقدماتها المنطقية »، فلابد أن تكون النظرية اللسانية مبنية على أسس منطقية.

- أما الملاءمة فتتمثل في أن تلبي النظرية شروط التطبيق أي تكون ملائمة وقابلة للتطبيق على المعطيات اللغوية الأخرى.

الخاتمة:

     النظرية المقصودة في المنهج الغلوسيماتي، هي النظرية المنطقية التي تقوم على التحليل المنطقي، و بعبارة أخرى فالمنهج الغلوسيماتي « يهدف إلى أن يكون موضوع اللسانيات علما بحتا» غير أن هذا المنهج « كان يمثل – في اللسانيات البنيوية بشكل عام وفي الجلوسيمية بشكل خاص – توجها جديدا، بإدخاله اللسانيات البنيوية مرحلة جديدة هي أشبه ما تكون بإعادة البناء والتأسيس، وجديدا بإحيائه لبعض المفاهيم القديمة في المنطق والفلسفة، و جديدا بتميز تصوراته عن التصورات اللسانية السائدة بما فيها تصورات البنيويين أنفسهــم...» .

     وهذا يدل على أن هلمسيلف قد عمل على تعميق أفكار دي سوسير في إطار البحث الجاد والدراسات المعمقة، التي اعتمد فيها على خطوات المنهج التجريبي.

Modifié le: Wednesday 10 March 2021, 21:05