الاتصال ظاهرة قديمة لازمت الانسان منذ بداية التاريخ، و هناك عدّة معايير في تاريخ الاتصال، كان يكون التركيزعلى تغير القيم أو البنيات الاجتماعية و الاقتصادية أو تغيّر وسائل الاتصال نفسها ... الخ، و يرى مارشال ماكلوهان أنّ الاتصال تطوّر عبر مراحل تاريخية، كانت فيها تكنولوجيا الاتصال العامل الأساسي في التحوّل من مرحلة إلى أخرى، ومن هنا سميّت نظرة ماكلوهان هذه بنظرية الحتمية التكنولوجية، أي أنّ العامل الاعلامي التقني هو الذي يفسّر أساساً التحوّلات التاريخية في الاتصال و المجالات الأخرى المتأثرة بذلك و كتوضيح أكثر :
- المرحلة الأولى:تبدأمن اللغة المنطوقة إلى اكتشاف الكتابة في حدود 3.000 إلى 3.000سنة ق.م، و قد ساد الاتصال الشفوي في هذه المرحلة، و يعتبر ماكلوهان أنّ اكتشاف الكتابة هو ثورة الاتصال الأولى، حيث مكّنت هذه الثورة من ايجاد لغة ثانية : لغة الرموز و التدوين ، التي سمحت فيما بعد بتسجيل الخبرات و التجارب، و اعتماداً على مبدأ التراكم و تطوّر الحضارة الانسانية ، إلاّ أن هذه الثورة كانت محدودة في تأثيرها على المجتمع و التطوّر التاريخي، كون أنّ قلّة منم الناس كانت تجيد هذه اللغة الجديدة ، كما أنّ وسائل انتقالها من مكان لآخر كانت محدودة أو منعدمة، حيث كانت الكتابة و النقوش تتّم على الصخور قبل أن تظهر وسيلة اعتماداً على الجلود و الخشب و أوراق الشجر و أخيراً الورق، و بالتالي كانت هذه الحضارة الأولى مكانية.
- المرحلة الثانية: فيها تمّ اكتشاف الطباعة من طرف قوتمبورغ في منتصف الق15، و تعتبر بذلك ثورة الاتصال الثانية، إذ مكّنت المجتمع من الإنتقال من الاتصال الشفوي إلى الاتصال و الثقافة المكتوبة، و قد سمح الاتصال المكتوب من تدوين المعارف السابقة و المستجدة، مما أدى ذلك إلى إحداث التراكم و تدشين بداية الحضارة الغربية، و أشار ماكلوهان إلى أنّ هناك علاقة بين زيادة انتقال المواد المكتوبة و توسع الإ مبراطورية ن و كان من نتائج هذا الإكتشاف ظهور الصحافة و إنتشار التعليم و المعرفة ، الشيء الذي أدى إلى إشراك المجتمع في شتى المجالات الحياتية بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحضارة الغربية، و اعتبر ماكلوهان اكتشاف الإذاعة و الفيلم في العشرينات من القرن الماضي و التلفزيون في الخمسينات من نفس القرن امتداد للإنسان، فالاذاعة امتداد لصوت الإنسان و التلفزيون امتداد لبصره، أدّت هذه الوسائل إلى انتقال المجتمع من الاتصال المكتوب إلى الثقافة المسموعة و المرئية، و قد اعتبر ماكلوهان أنّ اكتشاف هذه الوسائل يعتبر تراجعاً في تاريخ الحضارة على اعتبار أن الاتصال المسموع و المرئي يحمل بعض سمـات الاتصال الشفوي الذي يميّز المجتمع القديم، ومن جهة أخـرى، فقد حوّلت هذه الوسائل و خاصة التلفزيون العالم إلى قرية عالمية إذ تقلّصت عوائق الزمان و المكان إلى أقصى حدّ،
المرحلة الثالثة: و هي مرحلة اكتشاف الحاسوب في الستينات و تعتبر ثورة الاتصال الثالثة، إذ نقلت المجتمع من مرحلة الاتصال المسموع و المرئي إلى الاتصال الالكترونين الذي أعاد النص إلى الاتصال مرّة أخرى، و قد سمّى الباحثون الذي أعقبوا مارشال ماكلوهان هذه المرحلة بالاتصال التفاعلي، إشارة إلى امكانية التعامل المباشر مع الآخر حتى و إن كان هذا الآخر ليس حاضراً مباشرة في هذا الاتصال، و قد تحدّث العديد من الباحثين في الفكر والاجتماع عن الثورة الثالثة و انعكاساتها على البنية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية، مثل ألفين طوفلر الذي تحدّث عن الموجة الثالثة، و دانيال بال أسهب في تفصيل طبيعة مجتمع ما بعد التصنيع...الخ